بطبيعتي أكره السلاح ، أكره كل شي قاطع ، حتى الدليل إذا كان قاطعا أنفر منه ، وقد صليت لربي ركعتي إجلال لما علمت أن هناك هندسة غير هندسة أقليدس ، وصليت ركعتي حب لربي لما علمت أن هناك فيزياء غير فيزياء نيوتن
وصليت لربي ركعتي شكر لما علمت أن النص ظاهر وباطن ، فقد تحررت من المطلقات ، تحررت من القطع ، ذلك المرض العقلي المستبد ، ولكن رغم ذلك أجدني اكتب عن المليشيات المسلحة لأن هناك من يرغمني ، هو حب الناس ، هو كرهي للسكين ، كرهي للقامة ، كرهي للرصاص ، كرهي لكل ما هو قاطع ، والحمد لله لما جعل برهانه في قرانه مفتوحا للترميم والتسديد من قبل الإنسان !


لندخل في الصميم ...

يكاد يجمع السياسيون والمحللون العراقيون ـ وما أكثرهم هذه الأيام ـ أن المليشيات تعد أكبر عائق بل أكبر مشكلة تواجه السيد المالكي ، هي الخطر ، وهي نقطة الفصل بين النجاح بقوة الله وبين الفشل لا سامح الله تبارك وتعالى .

ويقول هؤلاء المجموعون : أن المهمة الأولى للسيد المالكي هي ( نزع سلاح المليشيات ) ... هكذا يقولون ، هكذا يصرحون .

ولا أريد أن أطيل ، لأقول ، ولكن هل يمكن نزع سلاح المليشيات من دون قراءة خارطة هذه المليشيات ؟ وهل يمكن نزع هذا القاطع المخيف دون معرفة نقاط القوة والضعف في هذه المليشيات ؟

بطبيعة الحال ... لا ....

أنا متأكد إن الحكومة تملك قوائم مفصلة بأسماء وتنظيمات ومسميات هذه المليشيات ، وربما تملك أسماء عناصرها الفاعلة ، من الدرجة الأولى ومن الدرجة الثانية ، وربما تملك معلومات مفصلة عن مواطن تواجدها وفلسفة عمليها ، ومديات إجرامها ...

وهذه نقطة قوة بالنسبة للحكومة ، فأي تعامل مع خطر يجب أن ينطلق من الإحاطة بتفاصيل هذا الخطر ، وإلا لا يمكن أن تتعامل معه من فراغ .

الذي أريد أن أقوله هنا ، أن أي محاولة لنزع سلاح المليشيات يجب أن تكون مسبوقة بدراسة دقيقة لنقاط القوة ونقاط الضعف ، وبودي أن نتحدث عن نقاط القوة في هذه العجالة .

ما هي نقاط القوة التي تتمتع بها المليشيات المسلحة في العراق الجريح ، العراق المسكين ، الذي دعا مثل هذا الكاتب أن يؤجل الكتابة عن ( الاغتراب وكافكا ومحفوظ وهايدجر ) ليكتب عن مليشيات مسلحة !

يقولون : أن أهم نقطة قوة لدى هذه المليشيات هي السلاح ، فهي مدججة بالسلاح الخفيف والثقيل والمتوسط .

يقولون :أن أهم نقطة قوة هي كونها مدعومة من الخارج ، فهي تمتلك ممون لا ينضب .

يقولون : إن أهم نقطة هي هذه الروح ( الانتحارية ) التي تملكت المساكين منهم باسم الدين وبغرض اللحاق بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .

يقولون : أن أقوى نقطة هي وجود داعمين لهم في الشرطة والداخلية والجيش .

يقولون : أن أقوى نقطة هي تسيب الحدود ، يأتون منها ويخرجون براحتهم وحريتهم .

وليس من شك أن كل هذه النقاط هي نقاط قوة، وفي تصوري أن السيد المالكي يملك تصورا كافيا حول كل نقطة ، تحليلا وتعليلا وعلاجا ، ولكن أري أن هناك نقطة أخرى ، هي الأقوى .

أن هذه المليشيات أصبحت تحظى بحاضن شعبي ، أو بالأحرى بحواضن شعبية ، تعتمد الانتماء الطائفي في الدرجة الأولى .

كيف ؟

وهل هذا معقول ؟

الشيعة يحتضنون جيش المهدي ، والسنة يحتضنون كتائب ثورة العشرين وجيش محمد ، الشيعة يجدون في جيش المهدي حاميا لمساجدهم وبيوتهم وشوارعهم ، والعكس بالعكس ، من هجمات المقابل ، من هجمات الخصم ، سواء عن سوء فهم ، أو بتخطيط الأعداء ، أو نتيجة سياسة خلط الأوراق .

هذه حقيقة ، ومن هنا يتعاطف بل يحتضن الشيعي جيش المهدي ، والسني جيش كتائب ثورة العشرين ، سواء كان ملتزما أم غير ملتزم ، سواء كان طبيبا أو عامل طرق ، لا فرق ، لأن هناك موت ، هناك قتل ، هناك مفخخات ، وهؤلاء يدافعون ، يحمون ...

ولكن كيف حصل هذا ؟

بكل بساطة ، فشل الحكومة هو الذي أدى إلى هذه النتيجة !!

ولكن ما العمل ؟

أن حل المليشيات يبدأ من معالجة هذه النقطة الحساسة، أي بضرورة عزل هذه المليشيات من حواضنها ، أن تعمل حكومة المالكي على دق الأسافين بين المليشيات وطوائفها ، بين المليشيات وبين حواضنها الشعبية، ولكن هنا يشخص سؤال أخر أيضا ...

تًرى كيف تتم مثل هذه العملية الجراحية الصعبة ؟

أعترف أن الأمر عسير ، ولكن المبدأ الرئيسي هنا ، هو أن تنجح الحكومة بحماية الناس ، تحمي الشارع الشيعي ، تحمي الشارع السني ، تحمي الطبيب الشيعي ، تحمي الطبيب السني ، تحمي المسجد الشيعي ، تحمي المسجد السني ، فإذا ما قدمت الحكومة إنجازاتها الملموسة في هذه المجلات ، سوف يقول الناس لهذه المليشيات : لا حاجة لنا بكم ، فالمؤمن سوف يقول لهم أريد مسجدا أمنا، وقد وجدته ، سيقول اللاهي أريد ديسكو أمنا وقد وجدته ، وسيقول الطبيب لهم وجدت الحماية التي تحميني من أهل المصاب فليس لي حاجة بكم ، سيقول التاجر لم يعد لي حاجة إلى حماية تدفع العصابات ، فقد تكفلت الحكومة بذلك ...

والسبب بسيط ، ذلك أن الناس تعبت ، وتريد أن ترتاح ، وراحتها بالامان ، والأمان الذي تقدمه الحكومة هو الأمان الصحيح ، وليس أمان المليشيات .

ولكن كيف العمل والمليشيات لها حضورها في الجيش والشرطة ، في الدفاع والداخلية ؟

غالب حسن الشابندر