هل تشكل إيران عقبة أمام السياسة الأميركية في المنطقة؟
GMT 2100 2006 الخميس 10 أغسطس
كريستيان ساينس مونيتور



--------------------------------------------------------------------------------


الجمعة: 2006.08.11


فالي ناصر

ما أن تضع الحرب في لبنان أوزارها حتى يتعين على الولايات المتحدة بلورة استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران، لا سيما فيما يتعلق ببرنامجها النووي. فقد ساهمت الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في صعود نجم طهران كقوة إقليمية في المنطقة، كما كشفت أيضا الدور الأميركي المتراجع وانحسار نفوذه في الشرق الأوسط. وكان واضحاً منذ البداية أن الصراع في لبنان هو أكثر من محاولة ضرب "حزب الله" بعدما سارعت كل من واشنطن وتل أبيب إلى توجيه اللوم إلى إيران التي كانت حاضرة في ذهن إسرائيل عندما شنت غارتها الجوية الكثيفة على لبنان. الولايات المتحدة أيضاً اعتبرت سياسة إظهار القوة التي مارستها إسرائيل في سماء لبنان فرصة سانحة لإقناع طهران بمدى تصميم الغرب على المضي قدماً في سياسته الرامية إلى حملها على الانصياع إلى الإرادة الدولية بشأن ملفها النووي.

ومن ناحيتها تلقت إيران الرسالة على نحو واضح واعتبرت الهجوم الإسرائيلي المدعوم أميركيا على "حزب الله" بمثابة المرحلة الأولى للحرب على إيران، حيث قامت هي الأخرى بإيصال رسالتها إلى واشنطن. وبينما أصرت على نفي أي علاقة مباشرة لها مع خطف الجنديين الإسرائيليين، إلا أن طهران لم تخفِ إشادتها بـ"حزب الله"، آملة أن يقود اشتباك إسرائيل مع الحزب إلى التخفيف من احتمالات استهدافها. ولإقناع خصومها الدوليين بوجهة نظرها أثبت "حزب الله" صعوبة استهداف طهران عبر إطلاقه الناجح لمجموعة من الصواريخ المصنعة في إيران. بيد أن العلاقات القائمة بين إيران و"حزب الله" ليست وليدة اللحظة بل ترجع إلى بداية الثورة الإيرانية حيث أشرف رجال الدين الإيرانيون وقادة الحرس الثوري على تنظيم "حزب الله" في ثمانينيات القرن المنصرم. ومنذ ذلك الوقت وإيران تمول "حزب الله" وتزوده بالأسلحة الضرورية، كما أن العديد من القادة الحاليين للحرس الثوري الإيراني قضوا فترات معينة في المقر العام "لحزب الله" في وادي البقاع بلبنان. ورغم تطور الحزب خلال العقدين الأخيرين إلى قوة سياسية ومشاركته في الحياة العامة اللبنانية، فإنه استمر في الاعتماد على إيران للحفاظ على قدراته العسكرية.

ومع ذلك يعبر العديد من الإيرانيين عن استيائهم من الدعم السخي الذي تقدمه حكومة بلادهم إلى "حزب الله" في حين يعانون فيه من الفقر والبطالة. كما أن الكثيرين يخشون من الأخطار التي قد يجرها على البلاد استمرار دعم النظام لـ"حزب الله"، الذي يعتبر في أعين طهران الحليف الوثيق والورقة المهمة في آن معاً. فهو أولا ثمرة الثورة الإيرانية حيث المرة الوحيدة التي تنبت فيه بذرة الثورة خارج إيران. لذا لا تستطيع طهران التخلي عن الحزب دون الاعتراف بفشل مشروع الثورة الإسلامية. ومن جهة أخرى لن يكون من السهل على إيران إدارة ظهرها "لحزب الله" بما يشكله من قوة فعالة في قلب العالم العربي، وأداة مثالية لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. وقد نجحت إيران في توظيف صمود "حزب الله" لصالحها وجني ثمار ذلك على حساب خصومها التقليديين في المنطقة مثل الأردن ومصر والمملكة السعودية.

وقبل اندلاع الحرب كانت إيران تأمل في أن يؤدي تعاونها مع الولايات المتحدة في إعادة بناء أفغانستان بعد سقوط "طالبان" إلى فتح آفاق جديدة في العلاقات بين البلدين. غير أن الولايات المتحدة لم تبد الحماس الكافي والتجاوب المطلوب مع إيران ورفضت التعاون معها حول مستقبل العراق، بل ركزت جهودها لاحتواء النفوذ الإيراني في منطقة الخليج العربي والتصدي للطموح النووي الإيراني. وجاءت الحرب في لبنان لتمنح فرصة جديدة لإيران من أجل تعزيز دورها الإقليمي بعد قيام محور إيران "حزب الله" باختطاف القضية الفلسطينية وإعادة صياغة الصراع العربي- الإسرائيلي. ولم تسهم انتقادات الدول العربية للتدخل الإيراني، ولا فتاوى فقهاء السُنة المتشددين من إبطاء صعود "حزب الله" وإيران على الساحة الإقليمية. وبينما تبحث الولايات المتحدة عن مخرج من الأزمة المستشرية في المنطقة، أضحى حلفاء إيران في الشرق الأوسط، وليس حلفاء أميركا التقليديون، هم من يملك مفاتيح حل الأزمة. وتأمل طهران أن تدرك الولايات المتحدة أنه من دون التعاون مع إيران لن تستطيع واشنطن تأمين استقرار المنطقة.

وهكذا وبعدد سكان يناهز 70 مليون نسمة، وبنسبة التحاق بالمدارس تفوق 70%، فضلاً عن ثقافتها الحية ورقعتها الجغرافية الممتدة من وسط آسيا والقوقاز إلى الخليج العربي تعتبر إيران اليوم القوة الصاعدة في الشرق الأوسط. كما أن سوقها الداخلية الهائلة، وإنتاجها الاقتصادي، فضلا عن إمكاناتها الصناعية وحقولها الشاسعة من النفط والغاز الطبيعي يجعلها أساسية بالنسبة للمصالح الأميركية سواء ما يتعلق بالطاقة أو الاعتبارات الجيوستراتيجية. وقد استطاعت إيران خلال العقدين الأخيرين تعزيز علاقاتها الثقافية والاقتصادية والسياسية مع العديد من القوى الإقليمية، لا سيما شيعة العراق. هذه العلاقات التي أعلت من شأن إيران في المنطقة وصعبت من مهمة الولايات المتحدة في إحلال الاستقرار في الرقعة الممتدة من أفغانستان إلى إيران دون الاتفاق مع إيران.

وبعد انتهاء الحرب في لبنان سيكون لزاماً على واشنطن البحث عن صيغة للتعامل مع إيران. فسياسة فرض العزلة واستفزاز إيران لن يكتب لها النجاح، بل ستؤدي فقط إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط. والأكثر من ذلك أظهرت المقاومة المستميتة "لحزب الله" أمام إسرائيل عجز القوة العسكرية لوحدها عن الاضطلاع بمهمة الردع. فالحرب على لبنان لم تنتهِ فقط بالفشل في إخضاع "حزب الله"، بل جعلته أقوى سياسياً وأكثر شعبية. لذا ستخدم الولايات المتحدة مصالحها على نحو أفضل إذا أشركت إيران في حفظ استقرار المنطقة.


فالي ناصر

زميل بارز في "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي