 |
-
هل الإسلام دين العنف والإرهاب؟
هل الإسلام دين العنف والإرهاب؟
محمد حسن الموسوي * - 26 / 9 / 2006م - 1:38 ص
«فقط أرني ما أتى به محمد وجاء جديدا، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمره نشر الدين الذي نادى به بالسيف» هذا هو الاقتباس الذي استشهد به بابا الفاتيكان بنيديكت السادس عشر وهو يحاضر أمام كلية اللاهوت في جامعة بون الألمانية وهي جملة اقتبسها من حوار جرى قبل مئات السنين بين إمبراطور بيزنطي وشخص مسلم يُسجل فيها الإمبراطور على الإسلام انه دين عنف وأنه انتشر بقوة السيف. لقد أثارت هذه الكلمة حفيظة الكثير منا نحن معاشر المسلمين واعتبرنا ما تفوه به البابا إهانة لنا ولديننا الحنيف دونما أن نكلف أنفسنا عناء البحث بزعم الإمبراطور المُستشهد بعبارته أعلاه فهل ما ذكره لمحاوره المسلم من كون الإسلام دين عنف وإرهاب حقيقة أم أنه ادعاء فارغ لا يستند إلى شيء؟
سنحاول في هذه الأسطر مناقشة ادعاء الإمبراطور الذي اقتبسه البابا والذي كان من وجهة نظري باقتباسه كناقل التمر إلى هجر ومن هنا سوف لن أنضم إلى خانة المطالبين له بالاعتذار لأن الرجل دوره دور المرآة العاكسة للخزين المتراكم من الآراء والمعتقدات المسيحية تجاه أتباع الديانات الأخرى التي تمتلك بدورها خزينا عدائيا تجاه الكنيسة وأتباعها، واعتقادي أنه بدلا من مطالبته بالإعتذار لنا كمسلمين «وهو قد اعتذر» علينا أن نجيبه بلغة علمية تستند إلى العقل والمنطق عن تساؤله القلق -كمسيحي- وأن نزيل له التباسه ونصحح له انطباعه السلبي عن ديننا الحنيف الإسلام. وانطباعه السلبي هو امتداد لانطباع الإمبراطور البيزنطي عن الإسلام من كونه دين عنف قام وانتشر بالسيف. خصوصا وان البابا ومعه الملايين من أتباعه يرون الأعمال الإرهابية المشينة لبعض المسلمين كخطف الطائرات وتفجير الأنفاق وتحليل دم وأموال اليهود والمسيحيين والمسلمين المخالفين لهم تحت يافطة الجهاد أو إنزال حكم الله بالمرتدين. والسؤال الذي يجب أن يجيب عليه المسلمون المعتدلون هو لماذا وكيف كون الإمبراطور هذا الانطباع السلبي عن دين اسمه مشتق أصلا من السلام أعني الإسلام؟
أعلم إن ما سأذكره كإجابة عن هذا التساؤل ستثير هي الأخرى حفيظة المتحفظين. وأعلم إن تكفيري سيكون أقل ردود الفعل الغاضبة مثلما كُفر آخرون سبقوني للخوض بهذا الحديث. وهنا دعوني أسجل نقطة جوهرية على المتشددين من المسلمين ممن يمارسون دور الوصاية والقيمومة على الأفكار وممن خولوا أنفسهم حماية الدين الإسلامي والمعتقد ونصبوا أنفسهم حراسا عليه. وهذه النقطة هي ضربهم طوقا من القدسية المزيفة حول ما جاء به الفكر الإسلامي -وليس الإسلام- وإيحائهم أن هذا من ذاك مع أن هنالك فرقا كبيرا بين الإسلام كدين وكنصوص مقدسة وكمنظومة عقائدية وأخلاقية لا يرقى إليها الشك لأنها نابعة من السماء التي تمثل الحق والصفاء والنقاء المطلق، وبين الفكر الإسلامي والذي لا يعدو سوى كونه محاولة بشرية لقراءة وفهم تلك النصوص. أي انه إعمال للعقل البشري في النص المقدس وحيث أن الطبيعة البشرية ناقصة وتبحث عن الكمال، وحيث أن العقل يبقى محدودا مهما اتسع افقه، وحيث أن الإنسان خطاء فعليه يبقى إنتاجه الفكري، ومنه الفكر الإسلامي، مهما بلغ من الدقة ناقصا وقابلا للخطأ وقابلا للتغيير خلافا لنصوص الدين الإسلامي التي جاء بها الوحي من الكمال المطلق أي من الله جلَّ جلاله.
وكذلك أسجل عليهم رفضهم المطلق لأي محاولة جادة لإعادة قراءة النصوص الإسلامية أو محاولة إعادة محاكمة واستنطاق التاريخ الإسلامي بحجة واهية مفادها أن مثل هذه المحاولة هي خروج عن قوله تعالى ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ مع أن تاريخنا الإسلامي يحمل بين طياته الكثير من المآسي والأخطاء، سواء بحق أنفسنا أو بحق الآخرين وهذا هو الأمر الذي جعل الإمبراطور البيزنطي ينظر إلى الإسلام نظرة سلبية لأنه رأى أفعال المسلمين والتي هي انعكاس لفكر إسلامي مشوه ناتج عن قراءة خاطئة للنصوص الإسلامية ولاجتهاد أولي الأمر ممن تولوا أمور المسلمين ولم ير الإسلام كدين. أي انه رأى الفكر البشري الذي تلبس بلبوس الدين الإسلامي الحنيف.
إن قراءة التاريخ والفكر الإسلامي قراءة حيادية وموضوعية ستوصلنا لنفس النتيجة التي توصل إليها الإمبراطور وهي إن الإسلام دين العنف والإرهاب وهي حقيقة لا يمكن إنكارها. لكن أي إسلام هذا الذي عناه الإمبراطور والذي نعنيه نحن هنا؟ هل هو إسلام النبي الكريم محمد والمخلصين من صحبه المتفانين من أجل الإنسانية وقيمها المثلى، أم انه إسلام آخر؟ هنا التبس الأمر على الإمبراطور ومن بعده بابا الفاتيكان حيث أن الإسلام الذي وصل إليه هو ليس إسلام السماء النقي الذي جاء به الرسول الأكرم محمد بل هو إسلام البداوة والصحراء الذي ينطلق من عقلية الغنيمة والذي عبر عن نفسه بما يعرف بالتاريخ الإسلامي بـ«الفتوحات» والتي هي في حقيقتها غزوات والتي يفتخر أكثر أبناء جلدتنا اليوم بها. إنه الإسلام الذي قام على فكرة الغنيمة، وهو إسلام مشوه لا يحمل روح وأخلاق السماء بل يحمل عادات وأعراف البداوة والصحراء التي تقدس السيف وتمجد الغزو ومن هنا وصف زعيم تنظيم القاعدة أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية بـ«غزوة نيويورك».
لو لم نكن مسلمين ولو كنا نعيش بنفس البيئة التي عاش بها الإمبراطور البيزنطي فأننا ومن دون شك سنحمل نفس الانطباع السيئ عن الإسلام. وذلك لأننا نكون قد التقينا بـ«إسلام الفتوحات» الذي انتشر بالسيف والعنف والذي لم يثبت عن الرسول محمد أنه أمر أتباعه به خلافا لما قاله الإمبراطور لمحاوره فكل ما جاء به الرسول محمد كان خيرا للبشرية جمعاء بدليل أنه استطاع أن يصنع وفي فترة قياسية جداً أمة متحضرة من مجموعة قبائل متناحرة ثقافتها وأد النساء وتعيش الجهل والتخلف والذل حتى قال قائلهم «كنا أذلة وأعزنا الله بالإسلام». وللأسف الشديد فان الإسلام الذي انتشر في أوروبا اليوم هو امتداد لـ«إسلام الفتوحات». إنه بكلمة أخرى «إسلام الدرعية»* أي إسلام البداوة وليس إسلام المدينة المنورة الذي صدح به الرسول محمد والذي قال عنه الله تعالى ﴿ ذلك الدين القيم ﴾.
إن «إسلام الدرعية» الذي جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذي يقوم على تعاليم الشيخ ابن تيمية وتلميذه الشيخ ابن القيم الجوزية هو نموذج للفكر الإسلامي المشوه وهو قراءة بشرية مغلوطة وخاطئة ومشوهة لإسلام النبي محمد بن عبد الله الذي يخاطب الناس كافة بقوله ﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ﴾ دون أن يميز بينهم إلا بالتقوى ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ ودين محمد بن عبد الله هو القائل على لسان خليفته علي بن أبي طالب «الناس صنفان اما أخ لك في دين أو نظير لك في الخلق» وهنا نختلف مع الإمبراطور بزعمه أن الرسول محمد أمر بنشر الإسلام بالسيف. نعم الذي أمر ولازال يأمر بالسيف والعنف وقطع الرقاب هو«إسلام الفتوحات» و«إسلام الدرعية» أو إسلام محمد بن عبد الوهاب الذي يقوم أساسا على تكفير الآخرين حتى وإن كانوا يشهدون الشهادتين طالما أنهم لا يدينون بالسيف وطالما أنهم لا يحملون أعراف البداوة والصحراء التي تقدس الغلبة والعنف.
إن جوهر إسلام الرسول محمد أو إسلام المدينة المنورة هو الحوار﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ﴾ والدفع بالتي هي أحسن ﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ﴾ والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والكلمة الحسنة ﴿ ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ﴾ وهو ما لم يصل إلى مسامع الإمبراطور البيزنطي الذي استشهد بابا الفاتيكان بحواره، أما حقيقة إسلام «الفتوحات_ الدرعية» فهو السيف والعنف والغزوات والجواري والغنائم والذي أفرز نماذج إرهابية مثل ابن لادن والزرقاوي تمجد الإرهاب وتتغنى به وتعتبره من صلب عقيدة الإسلام في تفسير خاطئ لقول الله ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ﴾ وللحديث بقية.
* الدرعية اسم لمكان يقع في صحراء نجد ومنها انطلقت الدعوة الوهابية التي أوجدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب والتي تتبناها معظم الحركات الإسلامية الناشطة في أوروبا والعالم الإسلامي اليوم.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |