 |
-
يا هيئة" العلماء.." العراق تحت احتلالين! فمع ايهما انتم؟؟؟؟
يا هيئة العلماء.. العراق تحت احتلالين!
عرف المسلمون العراقيون، من أهل السُنَّة، أكثر من هيئة علمائية غير سياسية. نذكر منها: «جمعية رابطة العلماء»، التي أسسها (1953) الشيخ أمجد الزهاوي (ت 1967). وكان من رؤساء الرابطة مفتي بغداد نجم الدين الواعظ (ت 1976). ومن الجمعيات والروابط، التي خالطت بين الدين والشأن السياسي، ما أسس الشيخ عبد الجبار الأعظمي (قتل 1971): «جمعية رابطة رجال الدين الأحرار» (1959)، ويتضح من بياناتها أنها تأسست لمواجهة فتاوى شيوخ الأزهر ضد العراق، ذات الأغراض السياسية، في زمن جمال عبد الناصر. وحسب علمي أنها كانت مختلطة من علماء المذهبين. وهيئات إسلامية أخرى مثل «جمعية الشبان المسلمين بالموصل»، التي هيأت لتأسيس الإخوان المسلمين، على يد الشيح محمد محمود الصواف (ت 1992). وحالياً هناك أكثر من هيئة ورابطة دينية بالعراق: فمن غير «هيئة علماء المسلمين» هناك: «مجلس علماء الفلوجة»، و«اتحاد العلماء الكورد» وغيرهما.
وفي زمن يمر شديداً على العراقيين لا بد من الإطناب عند حياة فقهاء عدول من وزن أمجد الزهاوي: رفض منصب إفتاء بغداد، وحكم ليهودي عراقي في قضية أرض ضد الوصي عبد الإله، والتمس الملك فيصل الثاني (قتل 1958) لإطلاق سراح معتقلين من شتى الفئات السياسية والمذاهب الدينية، والتمس الزعيم عبد الكريم قاسم (قتل 1963) لإطلاق سراح الشيخ محمد مهدي الخالصي. وقيل لم يلبِ طلب الملك غازي (قتل 1939) في الصلاة على جنازة عمه الشاعر جميل صدقي الزهاوي (ت 1936). إلا أنه ندم عاجلاً إلى حد الألم. وظني لأن عمه كان يجهر بتأييد نظرية دارون «النشوء والارتقاء»، ويدعو إلى سفور النساء أواخر العهد العثماني!
وعودة على بدء، تأسست هيئة علماء المسلمين، التي نحن بصددها، بجهود فقهاء كان في مقدمتهم الشيخ أحمد الكبيسي، في (14 أبريل 2003). وسرعان ما ابتعد أو أُبعد عنها. وقد ينطوي شعار الهيئة: خارطة العراق، خضراء تشق صرتها يد تحمل القرآن، وما تبشر به بياناتها، على مأرب سياسي. وهنا تقدم الهيئة نفسها حزباً سياسياً لا يتعاطى مع دولة الديمقراطية، التي لا دولة دينية في دستورها. كانت أُولى بياناتها ضد الكيانات التي شاركت في العملية السياسية، على خلفية أن الاحتلال سهل أمرها بإسقاط (الشرعية)! لكن، لو نُظر إلى الأمر من زاوية أخرى لظهرت الهيئة نفسها من تسهيلات الاحتلال، وكانت كموناً: «تكوين الهيئة أمر قديم...». ولمَنْ لا يعرف الكمون، أنه مقالة كلامية ترى النارَ كامنة في الحجر حتى زوال المانع. ومن حيث المنطق، قد أزال الاحتلال مانع ظهور الهيئة، ومنحها حرية الاعتراض، بعد أن كان جل أعضائها قاطني المنافي، أو ساكتين اضطراراً في مساجدهم ومعاهدهم. وبطبيعة الحال، لا يجرح موقفهم، فكان المتجاوز يلاقي مصير الشيخ عبد العزيز البدري (قتل 1969).
وفي جملة لافتة للنظر، رأت الهيئة أن تأسيسها جاء لسد فراغ الشرعية الحاكم وليس الفقيه: «حال غياب السلطان الشرعي». بينما كان المرجو ملء فراغ مؤسسة الإفتاء الرسمية. وقبل إضفاء الشرعية على مَنْ بر بوعده أن لا يترك البلاد إلا تراباً، يثور التساؤل: كم من أهل الشمال انتخبوا تلك (الشرعية)؟ وكم من أهل الجنوب والوسط والغرب جدد (البيعة) بحريته؟ للأسف، لا تريد الهيئة تَفهم حراجة موقف العراقيين، وهو ليس من العدالة أن يُسأل الناس عن الوطن والوطنية في ظل حاكم مثل صدام حسين.
ومن الوهلة الأولى، تقاطع حزن الهيئة، البادي في بيانها يوم إلقاء القبض على المذكور (13 ديسمبر 2003)، مع فرح السواد الأعظم. بل أوجد ثلمة في تواصلها مع أبناء المقتولين والمغتالين على يديه بالمناطق الغربية نفسها: تكريت وسامراء تحديداً. ولم يفسر أبناء المذبوحين، بخناجر أبي مصعب الزرقاوي، نفيها المستمر لوجود إرهابيين من أمثاله، إلا بشيء من التغاضي عن مآسيهم. ذلك عندما اكتفت بإيراد الخبر، وكأن الحدث لا يهم الرقاب والدماء! كذلك لا يخفى صدها لمحاولات مواجهة الإرهاب الأصولي بالأنبار، وربما وجدت نفسها الآن في مواجهة مع عشائرها.
وعلى أية حال، يتضح ان ما آلت إليه سياسة الهيئة دفع بأصحاب العقول المرنة من أعضائها إلى الانسحاب! وقد حالت أغلب بياناتها ورسائلها، ومقالات جريدتها «البصائر» دون المساهمة في العملية السياسية إلا بشروط تعجيزية. وبهذا المنحى يفهم لومها الشديد للحزب الإسلامي العراقي الممثل في البرلمان والدولة. ولا أنوي هنا الربط بين لوم الهيئة للحزب وبين اغتيال شقيق نائب رئيس الجمهورية، رئيس الحزب، طارق الهاشمي، على الرغم من تزامنهما، غير أن المسببات تتشاكل، وقد يستحيل العتاب تحريضاً.
لقد انحسر تأثير المرجعية المؤملة في داخل الإطار السُنَّي نفسه، فمن غير خلافها، مع الحزب الإسلامي، هي ليست على وئام مع الوقف السُنَّي، فكم يبدو رئيسه الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي متوازناً بما يوجبه الظرف، وبهذا يفسر ابتعاده من قيادة الهيئة، بعد أن كان أحد مؤسسيها والدعاة لتشكيلها. وحرصاً على ترشيد شرعية الهيئة الفقهية، طلب منها قياديون في الحزب الإسلامي الابتعاد عن «دهاليز السياسة»، حسب ما ورد في مقابلات نشرتها مجلة «سامراء».
إلا أن ما تقدم لا ينفي عن الهيئة بياناتها ومناشداتها ضد مقتل العديد من الزعامات الشيعية، وضد التعرض للأضرحة والحسينيات والكنائس، والتشديد على حماية المسيحيين والصابئة المندائيين، والحث على وحدة العراق. ومع ذلك بيدها محاولة ترجمة ما ورد في إحدى افتتاحيات جريدتها «البصائر»: «نحن في العراق بحاجة ماسة إلى نوع من الحوار، الذي يطفئ ولا يشعل. الحوار الذي يصب قطرات الماء على نيراننا الكثيرة من شمالنا إلى جنوبنا ومن شرقنا إلى غربنا» (العدد 147). توجب هذه الكلمات تفهم محنة العراقيين، وهم تحت احتلالين: أمريكي مكشوف بكل سوءاته، وإرهابي يجمع بين أُصولية عربية ـ عراقية عضوض، وميليشيات، علنية وسرية، تقضم ما تبقى من شواهد حضارة، وسرايا بعثية لها خبرة بسفك الدم العراقي. والأمر ليس مثلما تلح به الهيئة في بياناتها، من أن خروج الاحتلال الأمريكي حالاً هو عصا موسى بالعة السحر، في وقت أعلنت فيه سرايا الاحتلال الآخر جيوشها وإماراتها.
r_alkhayoun@hotmail.com
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |