بسم الله الرحمن الرحيم

أضواء وملاحظات على مؤتمر المعارضة العراقية القادم في بروكسل (3)
*يوسف البحارنة
باحث ومفكر اسلامي
Yousifalbaharenah555@yahoo.com

مؤتمر المعارضة العراقية الذي سيعقد في بروكسل عاصمة بلجيكا هو مؤتمر تموله المعارضة العراقية وتوجهه بكل فصائلها , لذلك فان الشكوى أو مطالبة الأمريكان بالتدخل في شئون المعارضة هو سابقة خطيرة لا يمكن وصفها بالوطنية , وبامكان العراقيين أن يحلوا مسائلهم ومشاكلهم داخل البيت العراقي .
هذا أولا, وثانيا ان الشيعة في العراق هم الأغلبية السكانية التي يجب مراعاة حقوقها السياسية بعد أي عملية تغيير سياسي , والحركة الاسلامية العراقية وعلى الرغم مما حصل لها من قمع وتنكيل وتصفية من قبل النظام العراقي وما واجهت من تحديات اقليمية ودولية ومحاولات للنفوذ والتدجين من أطراف عراقية , فانها تبقى الرقم الصعب في المعادلة والخريطة السياسية العراقية , ومن الطبيعي أن تكون مساهمتها ودورها في عراق المستقبل على مستوى حجمها ودورها وتاريخها وتضحياتها.
ان تمثيلها بهذه النسبة في مؤتمر المعارضة العراقية القادم في بروكسل هو حق طبيعي لها وللأكثرية الشيعية السكانية في العراق الذين عانوا من الطائفية السياسية وأنواع الظلم والاستبداد لاكثر من 80 عام .
هذا وأننا نرى بأن المؤتمر يراد له أن يخرج بقرارات وتشكيلات تكون قادرة على ملء الفراغ السياسي ما بعد زوال النظام العراقي , وهذا لا يمكن الا من خلال مؤتمر غير موسع تحضره النخبة حيث أن التوسع من الناحية الكيفية يبدو أكثر نفعا من الناحية العددية . وان الاتفاق على حل وسطي بين 150و500 الى مائتين شخصية هو في رأينا قرار حكيم وصائب , قد جمع بين مختلف الأراء ومن شأنه ايقاف تجاذب التيارات السياسية وانجاح المؤتمر والوقوف أمام من يسعى الى تفشيله .
ان الذين يدعون الى مؤتمر موسع (كرنفال عراقي) انما يهدفون من خلال دعوتهم , الى تمييع وتهميش دور مؤتمر المعارضة القادم وتغييب الصوت العراقي وتفطيح وتهميش دور المعارضة وتغييب الصوت الحقيقي لصالح القوى الأجنبية.
اننا نرى بأن البيان الختامي للمؤتمر يجب أن يكون بيانا مستقلا بعيدا عن الضغوط الدولية ويرى مصلحة الشعب العراقي ويقدم تصورا للحكومة المستقبلية للعراق بالشكل الذي يحفظ حقوق الجميع ويراعي الحالة القومية والدينية والمذهبية والسياسية , لا أن يكون بيانا ضعيفا يكون ذريعة لتدخل أجنبي همه الوحيد والأساسي أن يقوم بضرب العراق واسقاط نظامه السياسي لاحلال هيمنة استعمارية جديدة وتنصيب نظام ديكتاتوري عسكري آخر في العراق باسم الديمقراطية .
لابد أن يذكر المؤتمرون في بيانهم الولايات المتحدة الأمريكية على أنها هي التي كانت الحليفة القوية للنظام العراقي خلال أكثر من عقد من الزمن , خصوصا في حقبة الثمانينات , وأنها هي المسبب الوحيد لويلات الشعب العراقي والمسبب الوحيد في بقاء النظام الديكتاتوري في العراق , عبر تحالفها معه , لذلك فان عليها ان كانت صادقة في خلاص الشعب العراقي من جهنمية هذا النظام واستبداده أن تتعاون مع فصائل المعارضة العراقية من أجل اسقاطه واقامة نظام سياسي حر تعددي يكون الشعب فيه مصدر السلطات ويقوم الشعب بالاقتراع على النظام الأساسي والمشاركة في انتخابات حرة للبرلمان ورئاسة الجمهورية وغيرها من الانتخابات الديمقراطية التي نشاهدها في أغلب بلدان العالم التي تطبق الديمقراطيات العريقة .
ان الولايات المتحدة التي صنعت هذا النظام الديكتاتوري وسمحت له بالحصول على أسلحة الدمار الشامل , عليها أن تساهم في وضع حد لهذه المأساة واسقاط النظام العراقي بما يحقق للمعارضة العراقية استقلالها وبما يحقق للشعب العراقي مصالحه السياسية والاقتصادية , لا أن تكون المعارضة فرجونات ضمن قطارها تسيرهم أينما تشاء لمصالحها الخاصة وفرض هيمنتها على العراق والشرق الأوسط باسم القضاء على الارهاب وبؤر التوتر.
يبقى أن الدور الأمريكي من أجل احداث تغييرات سياسية وعسكرية في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها التغيير السياسي سيكون أكبر من دورالمعارضة العراقية , وان الخطة والمرحلة هي كذلك أكبر منها , وهناك مخاف وقلق شديد عند المخلصين للقضية العراقية ومستقبل الشعب العراقي بأن الأمريكان من الممكن أن يستفيدوا من البيان الختامي الذي سيصدر عن المؤتمر كغطاء ومبرر لهجومهم العسكري على العراق واخماد الأصوات التي تخرج من داخل الشارع العربي والاسلامي الرافضة للتدخل الأجنبي المباشر أو الهيمنة العسكرية والسياسية على العراق . لذلك فان على المشاركين في هذا المؤتمر أن يعرفوا مسبقا نتائج هذا المؤتمر وأن لا تفرض عليهم نصوص بيان ختامي خارج عن نطاق ارادتهم ويوقعوا صك الضربة الأمريكية للعراق التي نحن نرى بأنها ستأتي على الأخضر واليابس وترجع العراق لأكثر من قرن من الزمن .
واذا كان هناك عمل عسكري أمريكي فيجب أن يخضع لحدود معينة وهي تحجيم النظام العراقي واسقاطه دون احداث خسائر في الأرواح وتدمير البنية التحتية للجيش العراقي وللاقتصاد العراقي ومؤسساته الحيوية.
أما فيما اذا خرج المؤتمر بدون نتيجة وبدون بيان واضح وصريح فان الدور الأمريكي سيكون هو الحسم في المسألة العراقية.
الى ذلك ما أيد ويؤيد استنتاجنا والذي ذكرناه في مقالات سابقة ما ذكرته جريدة الوطن الكويتية التي قد علمت من مصدر موثوق داخل المعارضة العراقية أن الولايات المتحدة قد وضعت شرطا على مؤتمر بروكسل الذي تنوي المعارضة العراقية عقده في العاصمة البلجيكية في 22 أكتوبر من الشهر الحالي , بأن لا يكون للنقاش والمحاكاة بين مؤيد ومعارض للهجوم العسكري الأمريكي ضد العراق بل على المؤتمرين بأن يخرجوا بكلمة واضحة تؤيد الهجوم لتكون قراراته رسالة واضحة للمجتمع الدولي . وقال المصدر ان رسالة وجهها نائب وزير الخارجية الأمريكي المسئول عن الملف العراقي في الادارة الحالية الى ما يعرف باسم "مجموعة الستة" تشدد على ضرورة أن يكون جميع المشاركين في المؤتمر من المؤيدين سلفا للهجوم الأمريكي سواء جرى تحت غطاء الأمم المتحدة أو دونه , وأنه يتم استبعاد من لديه تحفظات على مثل هذا الموقف . ويؤكد الموقف أنه في ضوء التوجيهات الأمريكية أعطت خمسة فصائل من "مجموعة الستة" (الحزبان الكرديان , والوفاق الوطني , والملكية الدستورية , والمؤتمر الوطني) موافقتها الصريحة والكاملة على حضور المؤتمر , في حين أعطى المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق موافقة ملتبسة بالقول"سنحضر المؤتمرمن أجل انقاذ العراق" .
أما بالنسبة الى بقية فصائل المعارضة الاسلامية العراقية الشيعية , فانها في الوقت الذي ترغب في اسقاط نظام صدام حسين , الا أنها ترى بأن تحدث نهضة شعبية من داخل العراق لاسقاط النظام الديكتاتوري , وكذلك فانها في الوقت الذي ترى ضرورة رفع الظلم والاستبداد للنظام البعثي الا أنها قلقة من هيمنة أميركية جديدة على العراق وعلى المنطقة , يكون هدفها تدجين الشعب العراقي وشعوب منطقة الشرق الأوسط من أجل القبول بسلام مفروض بين العرب والمسلمين واسرائيل .
ونحن نرى بأن الولايات المتحدة وبهذه العقلية التي خرجت بها بعد أحداث 11 سبتمبر لعام 2001م , والتي ترى في القضاء على الارهاب الدولي عبر الحروب , فانها ستهيء الأرضية للعدو الصهيوني ليبسط يده وهيمنته السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية من جديد من النيل الى الفرات وهذا ما كانت تحلم به الدولة الصهيونية الغاصبة منذ سنين.
لذلك فان المعارضة العراقية الأصيلة والتي جاهدت وناضلت من أجل تحرير العراق وبناء مستقبل أفضل للعراق يتعين عليها في هذه المرحلة أن تتخذ موقفا تاريخيا مناسبا وشجاعا بأن لا تكون فرجونات في القطار الأمريكي القادم , وأن لا يكون قائد فرجوناتها كابتن أميركي يفرض عليها محطات النزول والصعود وانما عليها أن تقرر لنفسها وأن لا تسمح لنفسها باصدار بيانات ختامية تكون مقدمة لهجوم عسكري على العراق ومقدمة لهيمنة سياسية استعمارية جديدة.
أما فيما يتعلق بعدد الأشخاص الذين سيحضرون المؤتمر القادم في بروكسل فقد ذكرنا في موضوعنا السابق بأن هناك تيارات مختلفة تتجاذب هذ المؤتمر , حيث أن هناك تياران ما زالا بين أخذ ورد
أولا : تيار يقوده المجلس الأعلى وأياد علاوي الأمين العام لحركة الوفاق الوطني وبعض الأحزاب الكردية الذي يرغب بمؤتمر مصغر حيث طالب أولا بمئة وخمسة أشخاص ثم وافق على أن يكون العدد بحدود 150 شخصا وهذا التيار يرى أن التوسع في الناحية الكيفية أهم من الناحية العددية.
ثانيا : تيار أحمد الجلبي الأمين العام للمؤتمر الوطني العراقي الذي يسعى لعقد مؤتمر موسع (400الى 500شخص) , يضم كل فصائل المعارضة العراقية ونخبها ورموزها وفصائلها , ويهدف الدكتور أحمد الجلبي من سعيه هذا لكي يزيد من العدد الذي سوف يأتي بهم هو ويكون أكثرية لصالحه في المؤتمر الذي يسعى لعقده في مقابل مؤتمر بروكسل
الا أن المعارضة اتفقت في نهاية المطاف على أن يكون العدد 200 شخصية عراقية معارضة تمثل مختلف التيارات السياسية.

على صعيد آخر فقد أكد رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني أن مؤتمر المعارضة العراقية الذي سيعقد في 22 نوفمبر/تشرين الثاني في بروكسل سوف يضع تصور مشترك حول نظام الحكم المستقبلي في العراق وكيفية اجتياز الفترة الانتقالية بعد الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين .
وقال الزعيم الكردستاني بمناسبة زيارة قام بها الى سوريا أن قرابة 200 مندوب يمثلون الغالبية العظمى من الأحزاب والفئات العراقية سيعملون على تكوين تصور مشترك حول نظام الحكم المستقبلي في العراق وكيفية اجتياز الفترة الانتقالية.
لقد أكدت تصريحات جلال الطالباني ما كان أعلنه قبل ذلك حامد البياتي ممثل المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق(المعارضة الشيعية ومقرها طهران) في لندن أن قرابة 200 معارض ما بين مثقف وضابط سابق وزعماء عشائر تلقوا دعوات للمشاركة في المؤتمر . وقال البياتي أن المؤتمر سيعقد في 22 الى 25 تشرين الثاني/نوفمبر , وأعلن أن لجنة تنفيذية سيتم انشاؤها أثناء هذا المؤتمر للتنسيق بين مختلف التيارات الكردية والاسلامية والديمقراطية المعارضة. وسيتم تمثيل أبرز حركات المعارضة العراقية في هذا الاجتماع.
من جانب آخر فان هناك قلق سوري من الموقف الايراني , الذي من الممكن أن يتمثل في تحالف أمريكي ايراني على غرار التعاون الذي تم بينهما لاقصاء نظام طالبان عن الحكم في أفغانستان , ذلك النظام الذي كانت ايران ترغب في سقوطه , وكذلك فان ايران لا تمانع من اسقاط نظام الرئيس العراقي الذي جرها الى حرب استنزاف مفروضة دامت 8 سنوات .
هذا ما أعلن عنه بعض السياسيين الذين يرون بأن الموقف الايراني سوف يترجم بتقديم دعم سياسي للقوى الرئيسية في المعارضة العراقية والمتمثلة في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق بزعامة آية الله السيد محمد باقر الحكيم , ودعم مؤتمر المعارضة العراقية المتوقع عقده في بروكسل .
من جهتها ذكرت وكالة أنباء (رويترز) أن مصادر في المعارضة العراقية ذكرت أن هناك خلافا مريرا تسبب في انقسام المعارضة في المنفى وهي تستعد لمؤتمر في بروكسل هذا الشهر بخصوص كيفية حكم العراق بعد الرئيس صدام حسين
وأضافت المصادرالتي كانت تتحدث لوكالة رويترز للأنباء أن نزاعا حول توزيع المقاعد أحدث انقساما بين المؤتمر الوطني العراقي والحركة الملكية الصغيرة من ناحية وبين ثلاث جماعات كبيرة ذات أساس عراقي أو طائفي هي منظمتان كرديتان وجماعة المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق التي يغلب عليها الشيعة من ناحية أخرى.
وقد كتب كنعان مكية وهو كاتب معروف وناشط قريب من المؤتمر الوطني العراقي الى وزارة الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء يحث الولايات المتحدة على التدخل من أجل زيادة تمثيل من وصفهم بالديمقراطيين المستقلين العراقيين.
وقال مسئول بالمؤتمر الوطني العراقي أن لجنة التحضير للمؤتمر المقرر عقده في 22 نوفمبر تشرين الثاني خصصت 40 في المئة من المقاعد البالغ عددها 180 مقعدا للمنظمة الشيعية (المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق) و25 في المئة للمنظمتين الكرديتين وسيخصص للمنظمات التركمانية ستة في المئة وللآشوريين ثلاثة بالمئة مما يترك 26 بالمئة للمنظمات السنية والعراقيين الذين اختاروا البقاء خارج الجماعات الطائفية أو العرقية.
وقد كتب مكية في رسالة بالبريد الالكتروني الى ديفيد بيرس مدير ادارة شؤون شمال الخليج بالخارجية الأمريكية :"أن الاجتماع يعتمد على نسبة مئوية قديمة وثابتة عمرها 12 عاما لنفس الأحزاب السياسية المنهكة القديمة التي تنتمى للماضي والتي ليس لديها فيما بينها فكرة جديدة واحدة تقدمها لشعب العراق".
وأضاف مكية مؤلف كتاب "جمهورية الخوف" بخصوص حكم حزب البعث في العراق "هذا تنازع للسلطة وليس مؤتمرا . انه يخص توزيع المناصب واقتسام الحقائب الوزارية وليس المناقشة والاتفاق على خارطة طريق للمستقبل".
وقالت المذكرة المقدمة الى وزارة الخارجية أن الولايات المتحدة هي وحدها تملك القدرة على تصحيح الخلل المزعوم . وقال مكية "انني أحتكم باسم جميع الديمقراطيين والمستقلين العراقيين وكثيرون منهم مواطنون أمريكيون على عدم السماح بحدوث هذا التزييف للعدالة والانصاف" وأضاف "لديكم السلطة . ولديكم النفوذ . وكل ما يحتاجه الأمر هو مكالمة هاتفية واحدة حازمة وواضحة لا لبس فيها . أنتم تدينون بهذا للمبادىء التي قامت عليها هذه الولايات المتحدة العظيمة".
وقال مسؤول في المؤتمر الوطني العراقي أن مكية يعبر الى حد بعيد عن وجهات المؤتمر الوطني العراقي وهو تنظيم جامع يتلقى تمويلا من الولايات المتحدة لكن وضعه يقوى ويضعف وفقا لتقلبات سياسة الادارة الأمريكية .
وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "أنه جهد دؤوب من جانب مجموعة الأربعة حتى يمكنها السيطرة على السلطة" ومجموعة الأربعة هي المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني والوفاق الوطني العراقي وهي الجماعات الرئيسية غير المؤتمر الوطني العراقي والحركة الملكية.
وقال نبيل موسوي وهو مستشار سياسي للزعيم الفعلي للمؤتمر الوطني العراقي أحمد جلبي"قدمنا مذكرة طويلة تتضمن مظالمنا الى اللجنة التحضيرية ونأمل في أن تدرسها بعناية كبيرة". وأضاف لوكالة أنباء رويترز من لندن"نأمل في أن يقوموا بتوسيع المؤتمر وجعله شاملا بقدر الامكان لكنني أوضحت أننا نحتفظ بحق عدم حضور الاجتماع".
أما مسئول في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي طلب عدم نشر اسمه صرح للوكالة نفسها بأن"هذا الموضوع يتم تضخيمه من جانب أشخاص معينين . هناك اجماع على هذا(تخصيص المقاعد) والمؤتمر الوطني العراقي كان مشاركا في المناقشات" وأضاف:"لكن مع الأسف الديمقراطية هي الديمقراطية واذا كانوا غير راضين عن النتيجة فلهم أن ينسحبوا أو أن يشاركوا حسب رغبتهم".
من جهة أخرى في تصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ريتشارد باوتشر نشرته وكالات الأنباء والصحف العالمية جاء فيه :"ما زالت هناك حسب معلوماتنا خلافات بين جماعات المعارضة العراقية بخصوص المؤتمر المقترح ونحن نتوقع منها تسوية هذه المشاكل باسلوب منفتح وديمقراطي". وأضاف "سنظل على اتصال معها فيما يخص أفكارنا والسبل التي يمكنها من خلال تسوية ذلك حتى يعقد مؤتمر يضم أوسع تمثيل ممكن". وأضاف باوتشر"نحن نريد أن نساعد وأن نقدم أفكارا أو اقتراحات يمكن أن تساعد في العمل معا بقدر امكاننا . لكن هذه المشاكل ينبغي حلها أساسا بين العراقيين".

وقال مسؤولون في الادارة الأميركية بأن الولايات المتحدة لا تعتزم تمويل المؤتمر الذي ستكون تكلفته أكثر من 360 ألف دولار سوف تدفعها فصائل المعارضة العراقية , حسب ما ذكره بعض قادتها.
ومن كل ما جاء فاننا نستنتج بأنه من المفترض عدم التبني الكامل
للمعارضة العراقي للموقف الأمريكي الذي ليس لديه وضوحا وشفافية , وبما أن المعارضة وخصوصا الاسلامية منها لن تكون هي اللاعب الأساسي للمشروع المستقبلي الأمريكي , فانه يتعين عليها أن تتعامل بحذر ويقظة مع هذا المشروع الغير واضح المعالم , خصوصا وأن الولايات المتحدة بدأت تفرض شروطها مسبقا باملائها على المشتركين في المؤتمر مما يعرض هذه القوى الى تساؤل في استقلاليتها واستقلال قراراها السياسي ووطنيتها , اذ أنها ستعتبر فيما لو قبلت بالضربة الأميركية كما أسلفنا كفرجونات في القطار الأمريكي يسيرها القبطان الأمريكي حسب مبتغاه .
بينما هذه المعارضة وخصوصا المعارضة الشيعية المتمثلة في منظمة العمل الاسلامي في العراق وحزب الدعوة الاسلامية والدعوة الاسلامية والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق والحركة المرجعية الشيرازية بكل أطيافها وتياراتها السياسية والدينية , اضافة الى التيارات الاسلامية المستقلة وتيار الشهيد محمد محمد الصدر المعروف بالشهيد الثاني , لها تاريخها النضالي والجهادي ولا يمكن أن تذوب في القرار الأمريكي أو تجعل من نفسها جسرا للعبور للقطار الأمريكي القادم من أجل اسقاط نظام صدام حسين واحلال هيمنة استعمارية جديدة على العراق وفرض نظام ديكتاتوري عسكري جديد باسم الديمقراطية .
ان المعارضة الاسلامية الشيعية لها تاريخها النضالي وعمقها الاستراتيجي داخل العراق ولقد قدمت في هذا الطريق ألآف القرابين والشهداء من أجل الحرية وعزة الاسلام , وليست كما يقول كنعان مكية في رسالته الى الأمريكان بوصفه حركات المعارضة " بالأحزاب السياسية المنهكة القديمة التي تنتمى للماضي والتي ليس لديها فيما بينها فكرة جديدة واحدة تقدمها لشعب العراق".
كما أن بقية الفصائل الكردية لها تاريخ نضالي مرير من أجل الحرية والديموقراطية وايجاد نظام سياسي تعددي يقضي على الطائفية السياسية في العراق , وقد قدمت ألآف القرابين في هذا الطريق.

فمن الممكن أن يتكلم أو يكتب الانسان بقلمه السيال كلمات منمقة وجميلة , لكن هذه الكلمات لا يمكن أن تمسح تاريخ نضالي وجهادي طويل قدمته حركة المعارضة الاسلامية الشيعية لا أقل والتي نحن نعرفها وعاصرناها ولا زلنا نعاصرها منذ أكثر من ثلاثين عاما , وهي قد قدمت الشهداء والقرابين في هذا الطريق الشائك وسارت على نهج الأنبياء والأوصياء والأئمة الأطهار في مقارعة الظلم اليزيدي والبعثي العفلقي الصدامي , وسارت على خط المرجعية الدينية والسياسية بكافة ألوانها وأطيافها من آل الحكيم وبحر العلوم والامام الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره (الشهيد الصدر الأول) والشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد الصدر المعروف (بالشهيد الثاني) والمرجعية الشيرازية التي قاد حركتها ونشأتها الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي رضوان الله تعالى عليه في كربلاء لمقاومة الحركة البعثية الانتقائية في عراق الرافدين , هذه المرجعية الرشيدة والحضارية التي خلفت ورائها وريثان وامتدادان طبيعيان لها تمثلا في مرجعية سماحة آية الله العظمى السيد صداق الشيرازي وآية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي , وهذه المرجعية المجددة والناهضة التي انبثقت منها الحركات والتيارات الدينية السياسية التي ناضلت طوال هذه الفترة وقدمت في هذ الطريق القرابين والشهداء في مقدمتهم العلامة آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي رضوان الله تعالى عليه الذي اغتالته يد الغدر الصدامية في بيروت عام 1980م.
وهل يمكن أن ننسى ما قدمته عائلة المرجع الراحل الامام الحكيم رضوان الله تعالى عليه من شهداء علماء وفقهاء ومجتهدين ومثقفين ونخبة في هذا الطريق وعلى رأسهم العلامة الحجة السيد محمد مهدي الحكيم الذي اغتالته يدر الغدر الصدامية في الخرطوم عاصمة السودان , وهل يمكن أن نتغافل وننسى شهداء الدعوة الاسلامية وشهداء منظمة العمل الاسلامي في العراق وشهداء المرجعية الشيرازية وشهداء الانتفاضة الشعبانية الذي سقطوا مضرجين بدمائهم على أرض العراق , ونقوم بمخاطبة الامريكان بأن يقدموا لنا يد العون للوقوف في وجه ما تستحقه المعارضة الشيعية العراقية والمعارضة الكردية التي لها الحق في أن يكون لها تمثيل حقيقي في أي مؤتمر وأي تغيير قادم يقضي على الديكتاتورية والطائفية السياسية التي امتدت لأكثر من 700 عام .

انني ومهما أردت أن أتجاوز عن هذا الموضوع الا أنني رأيت لزاما علي أن أقف وقفة الرجال الأبطال الصامدين ليدافعوا عن الحق وليقولوا كلمتهم للتاريخ وهي أن المعارضة الاسلامية الشيعية بكل أطيافها وتلاوينها الدينية والسياسية هي حركة عميقة في الوجدان العراقي ولها تاريخها النضالي والجهادي العريق , ولها استقلاليتها السياسية ولن تكون فرجونات في القطار الأمريكي ,على الرغم من أنها تتعامل مع معطيات التغيير بحكمة وحنكة سياسية نتمنى أن تستمر في ترتيب البيت الاسلامي الشيعي واتفاقه على مرجعية سياسية موحدة وخطاب سياسي يكون كلمة الفصل للقضاء على احتكار الساحة السياسية من قبل أي فصيل اسلامي شيعي تعتقد بقية المعارضة الاسلامية أنها مهضومة في حقها في جانب التمثيل السياسي .
من جهة أخرى فانني أتفق مع القول الذي يرى بأن المعارضة العراقية بكل أطيافها وتلاوينها خلال 15 سنة مضت لم يكن لديها قراءة وتحليل سياسي واضح ومستقبلي وشفاف تجاه الوضع العراقي ومستجداته للمرحلة القادمة , ولذلك فانهم فوجئوا بهذا الوضع الجديد الذي جعل دورهم ضعيف وهامشي .
كذلك فان المعارضة العراقية لم يكن لها قراءة للقرار الأمريكي , حيث أن الامريكان قد اتخذوا قرار التغيير السياسي في العراق على طريقتهم ووسائلهم الخاصة , اضافة الى قراءة جديدة للمنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م.
وبما أن مشكلة الشرق الأوسط هي مشكلة الديمقراطية وأن وجود الأنظمة الديكتاتورية قد ولدت أحزاب وتجمعات متطرفة, لذلك فقد أصبحت هناك قراءة أمريكية جديدة للشرق الأوسط ترى أن هناك أرضية للتطرف عند بعض الحركات الاسلامية نتيجة ديكتاتورية الأنظمة واستبدادها وعدم مشاركة شعوبها في الحياة السياسية وصياغة القرار السياسي بصورة مشتركة .
ان الأمريكان يريدون ضمان مصالحهم في المنطقة , لذلك فان المصالح لا تحفظ الا بوجود أنظمة ديمقراطية لها وضوح في الخطاب السياسي تمارس العملية الديمقراطية بوضوح وتشارك شعبها وقواه السياسية في صياغة وبلورة القرار السياسي كما أشرنا , لذلك فاننا نرى بأنه في
في المرحلة القادمة فان الأمريكان قادمون للمنطقة ونحن أمام ثلاث خيارات :

الأول : اما أن نتعاطى مع المشروع الأمريكي ونستفيد من هامش الديمقراطية الذي سيأتي بعد التغيير في العراق .
الثاني : واما نقف أمام المشروع وهذا سيجعلنا حرجين أمام جماهيرنا ومتطلبات المرحلة القادمة .
الثالث : وأما أن نقف بين هذا وذاك .. فمرة نتعاطى ومرة نقف , وهذا لن يجعل لنا وضوحا وشفافية في موقفنا وفي خطابنا السياسي .
وهناك آراء أخرى لبعض المعنيين باالشأن العراقي وقضايا الشرق الأوسط حيث يرون بأن الأمريكان قادمون لاستعمار المنطقة وتدجين شعوبها وفرض هيمنة امبريالية صهيونية , مع نظام عسكري في العراق على غرار النظام العسكري في الجزائر أو في باكستان , هدفه السيطرة وتسويق العولمة الجديدة بما فيها من مناهج اقتصادية وثقافية وفكرية مما سيؤدي الى ترويض الشخصية العراقية وتذويبها بما يجعلها تقبل بهذه التوجهات واقناع الشعب العراقي بالتعامل مع العدو الصهيوني , حيث أن الشعب العراقي يرى بأن نظام صدام هو أكثر شراسة من شارون .
كما يذهب هذا التوجه الى أن الولايات المتحدة الأمريكية تشجع حاليا انقلاب عسكري في العراق ليخلف رئيس النظام العراقي وعائلته وأعوانه , وانها من الممكن أن تقوم كذلك في المستقبل بتشجيع انقلاب عسكري ضد الحكومة الانتقالية وتقوم بواسطة العسكر بتصفية القوى الوطنية والاسلامية .
لذلك فسوف نبحث انشاء الله في آلية هذه الخيارات بشكل من التفصيل والعمق في مقالات وبحوث خاصة غير بحوث المؤتمر انشاء الله.




)):