 |
-
إعدام صدام... أسئلة معلقة وفرص ضائعة
إعدام صدام... أسئلة معلقة وفرص ضائعة
ثمة دلالات ونتائج كثيرة لإعدام صدام حسين، وهو الحدث الذي جاء بعد أن شهدنا محاكمة العصر، التي عدت الأولى من نوعها، ولأول زعيم عربي، ثم إعدامه في صبيحة عيد الأضحى، في استمرار لنهج عراقي ظل يقضي على قادته بأساليب دموية متكررة خلال العقود الماضية.
من الواضح أن إعدام صدام حسين سُلط عليه الضوء وكأن المسألة لا تتعدى مشهد المقصلة وغرفة الإعدام والتنابز والهتافات الطائفية والمذهبية، وتلخص عدالة المنتصر كما يقول فريد زكريا في "نيوزويك"، وهكذا تحول القصاص إلى انتقام. هذا الإعدام الذي صور وألبس أبعاداً مذهبية وصفته "نيويورك تايمز" بالإعدام البشع، الذي وسَّع الهوة الطائفية والمذهبية. والحقيقة أن الإسراع بإعدام صدام دون محاكمته على جرائمه العديدة والمتنوعة ضد الكويت وإيران والأكراد والشيعة لن يشفي غليل الكثيرين داخل وخارج العراق معاً. حيث رحل صدام مع كل الأسرار والحسابات الخاطئة التي اشتهر بها، والاعتداد بالنفس والإصرار على الخطأ وتكراره دون التعلم منه. والمؤلم أننا لن نتعرف على الأجوبة والأسباب التي كنا نود سماعها، ولا على الأسرار التي كان سيكشفها ويفضحها. إذن لن يحاكم صدام على كل جرائمه ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي ارتكبها نظامه.
لقد أتى رحيل صدام في عام شهد انكسار الكثير من الطغاة. بعد عام على موت ميلوسوفيتش سفاح البلقان، وفي العام الذي شهد موت ديكتاتور تشيلي بينوشيه واعتقال ديكتاتور ليبيريا تشارلز تايلور وترحيله للمحاكمة في لاهاي، وانتهى العام بشنق صدام حسين حتى الموت.
من الواضح أن إعدام صدام لن يساهم في التئام الجراح المذهبية والطائفية وتوحد العراقيين خاصة بعد ما شاهدناه وسمعناه في الشريط المسرَّب، وكأنه كان انتقاماً أكثر منه إعداماً لمجرم يستحق الحكم الذي ناله. لقد تحول صدام إلى "شهيد" و"بطل" في نظر بعض العراقيين، والكثير من العرب والمسلمين؟ وهناك من يثير أسئلة حول التوقيت ومغزاه ومعناه؟
ومع أن الكويتيين والإيرانيين وكثيراً من ضحايا صدام وعائلاتهم ظلوا ينتظرون طويلاً تحقيق العدالة وخاصة من فقدوا أعزاء من شهداء ومفقودين، إلإ أننا كنا نتمنى لو تمت محاكمة صدام حسين على جرائمه واعتداءاته واغتيالاته وتعذيبه وللمقابر الجماعية ولسجله الدموي في العراق والكويت وإيران وغيرها من الدول، دون استثناء.
لقد تقدمت الكويت بشكوى رسمية في عام 2005 إلى السلطات العراقية ضد النظام العراقي السابق وصدام حسين وثمانية من أعوانه إضافة إلى 293 من مسؤولي نظامه السابق. وتتضمن الشكوى ثلاث جرائم أساسية: جرائم ضد الإنسانية (اختطاف الأسرى وإنكار وجودهم) وجرائم حرب (القتل العمْد والتعذيب والحط من الكرامة والأذى وتغيير الوضع الديموغرافي والتدمير المتعمد والإضرار بالبيئة)، وجريمة استخدام القوة ضد دولة الكويت، وكان من المفترض أن تتم محاكمة صدام وأعوانه على هذه التهم والجرائم. وكان يجب أن تستمر المحاكمة، وأن يظل الملف مفتوحاً لمحاكمة كل أركان نظامه الذين لا يزالون أحياء والضالعين في غزو الكويت، وأن تستمر دولة الكويت في الضغط للمطالبة بمحاكمتهم والاقتصاص منهم، لأن دعوانا وشكوانا هي ضد نظام وليست ضد فرد فقط.
من حقنا أن نسأل في الكويت: ماذا عن الجرائم الكبرى من غزو بلادنا أصلاً وحرق آبار النفط عمداً؟ وماذا عن الشهداء والأسرى الكويتيين؟ وأيضاً من حق الإيرانيين والأكراد أن يسألوا: ماذا عن الحرب ومجازر حلبجة والأنفال؟ ومن حق الشيعة أن يسألوا عمن ينتقم لهم من مجازر الانتفاضة الشعبية في الجنوب عقب تحرير الكويت؟ ومن حقنا جميعاً كعرب أن نسأل: لماذا مغامرات فرد واحد أضعفت النظام العربي برمته وجعلتنا جميعاً تحت الوصاية والاحتماء بالأجنبي؟ ومن كان السبب وراء وصولنا لما وصلنا إليه من ضعف وتردٍّ وتشرذم؟
والسؤال الأهم: هل إعدام صدام أنهى حقبة إلى الأبد أم أنه إعدام للجسد، للرمز، دون النهج والفكر، في علاقة لا تزال ملبدة ويكتنفها الكثير من المخاوف والهواجس والادعاءات والمظالم؟ والسؤال الكبير الآخر الذي يفرض نفسه: إلى أين نذهب من هنا في علاقتنا مع العراق؟
إعدام صدام فتح العديد من الأسئلة الصعبة والمركَّبة تتجاوز العراق وتضاريسه الجغرافية والمذهبية والطائفية والعرقية إلى جوار العراق وما هو أبعد من جوار العراق. أسئلة كثيرة وعديدة تبقى بلا أجوبة.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |