هل تم استبدال العدو الاول للعرب؟
المراقب للاحداث ولتصريحات المسؤولين العرب ولاعلامهم الرسمي والممول من قبلهم يرى ان استراتيجتهم باتت تنصب
على تحويل أنظار المواطنيين العرب من قضيتهم الاولى
والمصيرية لأكثر من سبعين سنة خلت الى عدو آخر قادم من
الشرق يتلبس بلباس مذهبي وديني!!
وإن جذور هذه المسألة تعود الى مطلع الثمانينات من القرن المنصرم بعد سقوط شاه إيران وانتصار الثورة الاسلامية
بقيادة السيد الخميني(رحمه الله) مع شعارات تصدير الثورة
الى البلدان المجاورة ،واستطاع طاغية العراق اللعب على هذا الوترمن خلال شنه الحرب التي سُميت ب(القادسية)للايحاء بأنها حرب تاريخية قومية يدافع عن البوابة الشرقية للوطن العربي .
وقد تم دعمه فعلا بالمال والسلاح وكل المستلزمات التي تعينه
على هذه الحرب من قبل الدول العربية باستثناء سوريا
وكان لدول الخليج والاردن ومصر الثقل الاكبر في دعم صدام ومده بكل المستلزمات الامنية وقد عان الشعب العراقي الكثير جراء هذا التعاون الذي شكل طوقا آخر التف على عنق العراقيين داخل و خارج العراق .
وانفك العقد التعاوني بعد غزو الكويت من قبل صدام الذي خرج منها هاربا مخلفا ما خلفه من تدهور اقتصادي وعسكري
وثقافي وبيئي وجلب للقوات الامريكية للمنطقة مما أتاح لها الاشراف العسكري المباشر على كافة دول المنطقة وتم
وهب القواعد العسكرية ودفع مستلزماتها من ميزانية دول الخليج بطريقة واُخرى لحماية هذه البلدان من حليف الامس وحامي البوابة الشرقية!!
ولكن تم الابقاء على النظام الصدامي لحسابات أمريكية في المنطقة تبتز من خلاله الدول الحليفة لثلاث عشر سنة
لم يدفع ثمنها إلا الشعب العراقي ماديا ومعنويا وعلى كافة الصُعد الحياتية ومتطلبات العيش والرفاهية بسبب حصارفُرض على الشعب العراقي دون حكومته.
وبعد أحداث التاسع من أيلول عام الفين اقتنع الامريكان بأن الكراهية ناتجة من
دعمهم للانظمة المستبدة في منطقة الشرق الاوسط فلابد من تغيير هذه السياسة
بالعمل على استبدال هذه الانظمة وخلق حالة جديدة في الشرق تتناسب والتوجه الجديد.
وتم نقل المعركة من الولايات المتحدة الى الشرق الاوسط .
وكان العراق البلد المرشح للتجربة الامريكية للكراهية التي يكنها جيرانه العرب
وغيرهم للنظام الذي عاش عزلة شبه تامة مع العالم الخارجي.إضافة للاضطهاد الذي مارسه ضد شعبه بكل أطيافه طيلة فترة تسلطه وحكمه.
ولم ترض الولايات المتحدة بالتغيير من داخل النظام بانقلاب أوتغيير جزئي في
سياسة النظام الحاكم وإنما كان الهدف تغييرا شاملا لايكون إلا عن طريق حرب تؤدي الى سقوطه وهذا ما تم في التاسع من نيسان عام الفين وثلاثة.
وبما أن المعارضة العراقية أغلبها من الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها ما يقارب
ال70%من سكانها فلابد من أن يجد أبناؤها طريقهم للحكم في العملية الديمقراطية
التي تروج لها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط.
وقد عارض كل الحكام العرب طريقة التغيير هذه باستثناء دولة الكويت لانها البلد
الوحيد الذي ذاق مرارة حكم الطاغية صدام .
وأصبحت الساحة العراقية ساحة للصراع بين التوجه الجديد للولايات المتحدة وبين
معارضي التجربة الامريكية ,بما فيهم الحكومات العربية التي لم تستطع مواجهة الولايات المتحدة برفضها العلني لهذه التجربة التي تهدد كياناتها الهزيلة فباتت تعمل
على وأد هذه التجربة من خلال الدعم المادي والاعلامي وتدريب وايواء الارهابيين وتفيرحاضنات آمنة في مخابرات وأجهزة أمن هذه البلدان.
مضافا إليه الصراع بين الولايات المتحدة وأعدائها المفترضين (الارهابيين)
والخاسر الوحيد هو صاحب الارض التي يجري عليها الصراع الخفي تارة والعلني
تارة اُخرى.
وكما أشرنا فإن معظم حكام الدول العربية قد عارض طريقة التغيير الامريكية
ومازالت هذه الدول لاتدخر جهدا في إفشال هذه التجربة .
وبما أن الدول العربية بحكامها لاتستطيع مجابهة الولايات المتحدة بمواقف علنية
اعتمدت لغة الايحاء والتخوف والتهويل للخطر من تجربة العراق الجديد مستفيدة من
صراع بين المؤسسات الامريكية الحاكمة ذاتها وكذلك صراع الولايات المتحدة مع
إيران النووية.
وقد إستطاعت الالة الاعلامية للحكومات العربية الرسمية وتلك المدعومة من قبلها
تشويه الصورة وقلب الكثير من الحقائق في العراق الجديد للشارع العربي الاسير
لهذا الاعلام .
كما شارك في هذا الامر المشايخ والمدارس الدينية في هذه البلدان التي تتلقى أوامرها من السلطات المحلية مستغلة العواطف الدينية الملتهبة للناس
وقد غضت الولايات المتحدة الطرف كثيرا عن ماتقوم به المؤسسات الحكومية الرسمية وغيرها تجاه العراق خدمة للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة ولحليفتها الاولى (اسرائيل).
استبدال عدو بعدو
إن أول من أشار الى هذا الامر هو ملك الاردن من خلال تحذيره من هلال شيعي
سيطوق المنطقة تلاه وزير الخارجية السعودي ومن ثم تصريحات الرئيس المصري
ومع احداث الحرب الاخيرة بين (حزب الله والدولة العبرية )التي شهدت لاول مرة تحالفا بين أطراف عربية وهذه الدولة في معركة مفتوحة هدفها استئصال هذه القوة
المتنامية في لبنان لكسر طرف الهلال المزعوم!!
ولكن نتائج الحرب جاءت معاكسة لما ارادته هذه الحكومات مما جعل الامر مفتوحا
لخيارات اُخرى في هذا الجانب.
ومع الشأن العراقي ظل التعامل على ماهو عليه وازداد الامر تصعيدا بعد إعدام
الطاغية .
أما فيما يتعلق بايران التي مازالت تملك علاقات رسمية مع دول الخليج والاردن و
سوريا ومصر فإن تنامي قدراتها النووية والتصعيد بينها وبين المنظمة الدولية قد
يُعطي المجال أكثر للهجوم من قبل الدول العربية والتصريح بخطر هذه الدولة
على الامن القومي العربي .
وقد صرح شمعون بيرز بذلك وادعى بان (اسرائيل) ليست خطرا على العرب وانما
ايران هي الخطر الاكبر على دول المنطقة.
ومن هنا قد تنجح الولايات المتحدة بتقديم خدمة اُخرى مجانية لحليفتها الدولة العبرية
وبمساعدة الحكام العرب أنفسهم من تحويل الدولة العبرية الى صديق للعرب لمجابهة
الخطر القادم من الشرق .
ويبدو أن الحكومات العربية استطاعت إقناع جماهيرها بالعدو الجديد وربما تتقبل تحالفا مع الدولة العبرية ضده!.
وكمثال لهذا الفهم الجديد نرى أن الجماهير الفلسطينية(الفتحاوية) رددت مفردات (شيعة ..شيعة) للتنكيل بالاخ اللدود(حماس) وربما لم تأت هذه المفردات من فراغ وإنما جاء كنتيجة لتغذية يومية من قبل كوادر ثقافية وسياسية واعلامية .
لقد أضحى التصعيد العلني والاستفزازي للتجربة العراقية أمرا واقعا في المؤسسات الرسمية وغيرها بعد إعدام الطاغية وكأنه مثل رمزا لمصير لايريدون رؤيته!!
وتعمل هذه المؤسسات لربط الحكومة العراقية بإيران بشكل أو بآخر .
وكثيرا ما نرى التقارير الرسمية تتحدث عن تقاسم العراق بين إحتلاليين أمريكي وعراقي.
ولاتخفي الولايات المتحدة هذا النفوذ وتعمل على تكريسه واقعا خدمة للهدف الذي تحاول تسويقه مع الحكومات العربية بتحويل الانظار الى العدو الجديد.
ولقد جابهت حكومة الدكتور علاوي نفس الفتور الذي واجهه الجعفري والمالكي بالرغم من تقديم الاول للمزيد من التطمينات إلا أنه لم يجد الدعم الذي كان ينشده لتعزيز نجاح حكومته.
ويبدو ان استراتيجة الدول العربية في مواجهة العراق الجديد تهدف الى ربط العراق بايران بكل الطرق المتاحة ومن ثم التباكي على خسارة العراق ومواجهة العدو الجديد الطامع في الاراضي العربية ممزوجا بخطاب طائفي وقومي تحريضي.
ومن المدهش حقا أن تتبنى الحكومات العربية الخطاب الديني المذهبي التحريضي وهي تدعي أنها تتبنى النهج العلماني في سياستها المعتمد على فصل الدين عن السياسة وعدم تأطير السياسة بالدين!!
أما الحكومة العراقية فهي أمام ثلاث خيارات قد يمكن أن تسير به دون أن تتأثر أي منها بالاخر
اولا:تعزيز وجودها وقوتها داخليا مع إظهار الاستقلالية بقراراتها وكلما استطاعت الحكومة اثبات وجودها تضاءلت فرص المتآمرين عليها
ثانيا: تحذير الدول العربية من التدخل بالشأن الداخلي ومقابلة هذه الدول بالمثل وكذلك مع بقية دول الجوار بما فيها ايران وتركيا.
ثالثا:اطلاع الجانب الامريكي على ما يتم اعداده وتخطيطه ضد التجربة العراقية
مقابل ما تقوم الجهات العربية وغيرها في هذا المجال.
والزامه بالدعم الذي تعهد به الرئيس الامريكي بعد زيارته الاخيرة للعراق وتحويله الى واقع عملي .
عبدالامير علي الهماشي
[email protected]