عراقيون لـإيلاف: النجف مخاض لنزاع بين تيارات شيعية

عدنان أبو زيد من أمستردام: يواجه العراق أزمة انتقال كبرى تتمثل في أحداث تبدو غير مألوفة في السياق العام، فيما تحمل الأيام المقبلة مخاضاً لحزب أو لجماعة جديدة، مع ظهور أزمة "أيديولوجية" وسياسية على أنقاض النظام السياسي البعثي الزائل. وتتوالى على الساحة السياسية للطائفة الشيعية أحداث متسارعة لازالت تفرض خطواتها على الشارع العراقي. ففي زمن قصير من عمر السياسة الطويل، قتل عبد المجيد الخوئي ابن العلامة الراحل السيد أبو القاسم الخوئي، ومحمد باقر الحكيم مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وأحد أبرز القادة العراقيين، فيما برز مقتدى الصدر ابن القائد والمرجع الشيعي محمد صادق الصدر الذي قتل عام 1999، كما عاد من المنفى الكثير من قادة الشيعة ومراجعها ومنهم قيادات حزب الدعوة. وفي خضم احداث متسارعة برزت تيارات جديدة وجماعات منها ماظهر ومنها على وشك الظهور. إيلاف في هذا التحقيق توجز ملل العراق ونحله وتستطلع رأي الشارع في ذلك.

المهدوية نزل صاحبها من السماء

لم تكن المظاهرات التي حاصرت القنصلية الايرانية في كربلاء العام الماضي، سوى تعبير عن ولادة تيار
شيعي جديد يقوده اية الله محمود الحسني المرجع الشيعي العراقي، وهو تيار ينتقد موقف المرجعيات الشيعية بالعراق.
ويطلق العراقيون المؤيدون للصرخي على انفسهم الصرخيون او المهدويون، ويجهر الصرخي بانتمائه الى مدرسة محمد باقر الصدر.
وفي الفترة الماضية كانت ثمة معارك كلامية ومناوشات جانبية تحدث بين الفينة والاخرى بين انصار الصرخي والجماعات الشيعية الاخرى، لاسيما في أطراف النجف وكربلاء وفي الناصرية والعمارة ومحيط الديوانية المعقل الرئيسي للمهدوية. ويقول احمد الياسري في اتصال هاتفي مع ايلاف وهو شيعي يسكن مدينة الحلة العراقية، ان جماعة الصرخي تبدو اليوم اكثر تطرفا من التيار الصدري، وبدات تضم الى جانبها الكثير من مؤيدي الصدر والحكيم، ولعل هذا سببا كافيا في زيادة التوتر، الذي بدا اكثر حدة حين اتهمت مراجع دينية في ايران والعراق بان الصرخي لايرقى الى مستوى المراجع الكبار مما اغضب مؤيديه وخرج 600 منهم يحاصرون القنصلية الايرانية بكربلاء. كما رددوا هتافات معادية للمجلس الاعلى والتيار الصدري.

وتعد منطقة الزركة واطراف الديوانية المعقل الرئيسي للمهدوية، ويقول كاظم الولائي من محافظة بابل ان الامر لايعدو صراع سياسي وديني بين فرق واحزاب وان الشرطة هاجمت معقل المهدوية بالقرب من النجف مستخدمة الاسلحة الثقيلة والطائرات تحت ذريعة ان هؤلاء يريدون تفحير اضرحة الائمة، وانهم يريدون اغتيال مراجع الشيعة الكبار. لكن الامر ليس كذلك. يضيف كاظم ايضا: ان ابو قمر ليس احمد الحسن، لكنه سمع بهذا الاسم واغلب الناس تعتقد انه قائد ميداني للجماعة ويسمي نفسه قائد جند السماء وعمره أربعون عاما ً ويدعي نزوله من السماء مباشرة، وينحدر سامر من مدينة الديوانية لكن اخرين يقولون انه ينحدر من البصرة، والبعض يؤكد انه شيعي لبناني، ويحيط نفسه بحراسة مشددة، ويلقب نفسه باليماني ويقول ان نسبه يعود الى الامام علي بن ابي طالب ويطلق عليه أنصاره لقب المهدي تشبها بــ المهدي المنتظر الامام الثاني عشر لدي الشيعة.

بينما يؤكد صادق الموسوي لايلاف ان ابو قمر عراقي وهو نفسه احمد الحسن، ويحمل سيفا ورشاشا وقرانا ويرتدي عمامة وشالا اخضر، وكان فقير الحال لكنه استطاع ان يشتري مجموعة من البساتين بالقرب من النجف بعد عودته من البصرة، وقد حصنها جيدا، واقام السواتر الترابية من حولها، وانه ذو كاريزما بين اتباعه واغلبهم من الشباب العاطل عن العمل، حيث اقام عدد كبير منهم مع زوجاتهم واطفالهم، في تلك البساتين.
ويضيف الموسوي: ان الكثير من رجالات المهدوية قتلوا في الهجوم الاخير، لكن الكثيرين فروا ايضا. واضاف: اعتقد ان زعيمهم قتل ايضا، حيث ابدى مقاومة باسلة.
وكان في نية هذه الجماعة اعلان ظهور المهدي في العاشر من محرم، ودعوة الناس الى بيعته. ويقول رجاء الحلي من الهاشمية لايلاف ان اغلب هؤلاء كانوا ينتمون الى جيش المهدي لكنهم انشقوا عنه. ومن الفتاوى المهمة التي افتاها مرجع المهدوية البغدادي تلك المتعلقة بالفيدرالية ونصها:" لا يجوز تفعيل الفيدرالية في بلاد الرافدين الاشم وتحقيقها بأي صورة من الصور بوصفها فيها مفاسد سياسية، واقتصادية، واجتماعية تخدم المشروع الاميركي – الصهيوني في المنطقة برمتها، بل يجب مقاطعة كل من يدعو لذلك والله مع المؤمنين الصابرين المجاهدين ".

تيار آية الله فاضل المالكي

ويمثل هذا التيار مجموعة بدات تظهر نشاطاتها السياسية والدينية على السطح في الفترة الاخيرة، وتيار اية الله المالكي يقترب من التيار المهدوي والصدري في مناهضته للوجود الامريكي بالعراق.
ولد المالكي لعائلة تعود جذورها إلى قبيلة بني مالك العربية في العراق، والتحق بالحوزة العلمية في مدينة النجف الأشرف عام 1968 وتخرَّج من كليتي الفقه في النجف الأشرف والقانون في جامعة بغداد عام 1976. والى جانب مواصلته لدراساته العليا في الحوزة واصل كذلك دراساته العليا في جامعة بغداد فحصل على الماجستير في القانون الإداري الإسلامي، ثم هاجر إلى فرنسا عام 1979 حيث حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في تاريخ الفلسفة عام، ثم توجه بعد ذلك إلى إيران عام 1982 وأسس حوزته العلمية العربية هناك، أصدر وألَّف العديد من الكتب كما درس في كثير من الحوزات العملية والكليات الإسلامية.
ويقول كاظم الولائي ايضا: وهذا التيار ليس له وجود حقيقي على الارض ويضم مجموعة من النخب غير المؤثرة.

الطليعة الإسلامي.. كفاح في الاهوار

حزب الطليعة الإسلامي أو منظمة الطليعة الإسلامية، كان تنظيما سريا ايام نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وكان هذا الحزب يمارس عمله العسكري في أهوار الجنوب، وقام بتنفيذ الكثير من العمليات العسكرية، وبعد أن قام صدام بتجفيف الأهوار إنتقل الى داخل العراق وإتخذ من صحراء كربلاء والنجف مقرات له، ونفذ العديد من المهام المسلحة ضد الحكومة السابقة في محافظات الجنوب ومنها السماوة.
ويقول كريم فندي من العراق لايلاف: أن رجال العهد الجديد قد نسوا تضحيات الحزب للاسف، ولم ينصفوا رجاله، فقد كانت حياتهم في الأهوار وكانوا يفترشون المياه والأعشاب.

الدعوة...ولاية الفقيه

أسس محمد باقر الصدر هذا الحزب عام 1957، وتبنى حزب الدعوة نظرية ولاية الفقيه بالاسلوب الذي طرحه اية الله الصدر، وهذه تختلف عن ولاية الفقيه للخميني.
وبالرغم من التوجه الإسلامي للحزب والالتزام الديني لأعضائه فقد غلب عليه الطابع البراغماتي، في السنين العشر الاخيرة. لكن الحزب تبنى بعد سقوط صدام شعارات سياسية واقعية، ولم يعد يطرح مسألة ولاية الفقيه. وربما يكون حزب الدعوة هو أول تجمع تنظيمي للإسلاميين الشيعة في العراق. وأنشق عن حزب الدعوة الكثير من اعضائه ومناصرية، وهؤلاء اسسوا بدورهم حزبا دعويا جدبدا، وكل حزب يدعي احقيته في البقاء وشرعيته في حمل اسم الحزب،
ومن المجموعات الجديدة المنشقة:
حزب الدعوة الإسلامية/ مؤتمر الشهيد الصدر.
حزب الدعوة الإسلامية/ مؤتمر الإمام الحسين.
حزب الدعوة الإسلامية/ المجلس الفقهي، وهي المجموعة الوحيدة التي لازالت تتمسك بولاية الفقيه.
ويقول حيدر الياسري لايلاف وهو عضو في حزب الدعوة: ان حزب الدعوة لم يعد ثوريا كما كان، وبدأ روتين الحزبية والبيروقراطية يدب في جسده، وان الكثير من اعضائه تحولوا الى التيار الصدري.

المجلس الأعلى.. أنتفاضة 1991

تأسس المجلس عام 1982 في إيران، على أنقاض جماعة العلماء المجاهدين في العراق و مكتب الثورة، وكان يقوده محمد باقر الحكيم الذي اغتيل بالنجف، فخلفه في القيادة اخوه عبد العزيز، ودعم المجلس افكاره السياسية بذراع عسكري هو ( قوات بدر)، الذي كان يضم يضم آلافا من الاعضاء. وكان لهذا اللواء دور مهم في انتفاضة شيعة العراق في مارس 1991 وهي الانتفاضة التي جرت متزامنة مع التضييق على النظام العراقي في أعقاب حرب الخليج الثانية حين قامت عناصره بتصفية أجهزة حزب البعث بالجنوب.ويدعو المجلس الاعلى الى تبني نظام الاقاليم او الفيدرلية.

الفضيلة.. الجنوب العراقي

تاسس حزب الفضيلة الاسلامي بعد اشهر من سقوط نظام صدام حسين، والمرشد الروحي للحزب هو الشيخ اليعقوبي ويقوده الدكتور نديم الجابري.و تعرّض الحزب الى الانقسام لاحقاً
وفي راي حسن الكعبي الذي صرح به لايلاف ان حزب الفضيلة يتركز ثقله السياسي في محافظات العراق الجنوبية ولاسيما البصرة، وعلاقاته بحزب الدعوة يسودها التوتر.

التيار الصدري وجيش المهدي

وظهر التيار الصدري بقوة بين الاوساط الشعبية الشيعية بقوة بقيادة مقتدى الصدر بعد سقوط نظام صدام حسين. والتيار الصدري يعارض الوجود الامريكي بالعراق ويطالب بجدولة انسحابه، ويبدو خصما عنيدا ويظهر عداءا حذرا للمجلس الاعلى، ويعتمد مقتدى الصدر في ادائه السياسي عاى الدور التاريخي لأبيه محمد صادق الصدر وعمه محمد باقر الصدر، وينتمي اغلب أتباع الصدر إلى الفئات الشابة والفقيرة بخلاف المجلس الاعلى الذي يجتذب النخب الاقتصادية والاجتماعية للشيعة، وحزب الدعوة الذي يعتمد أساسا على النخبة العلمية. مانع التيار الصدري العملية السياسي، لكنه إأنضم البها فيما بعد.

الواقعية السياسية وحسين الصدر

ويمثل اية الله حسين اسماعيل الصدر الذي يعيش في الكاظمية، تيار الواقعية السياسية ويدعو الى الحوار لحل المشاكل، كما ان اراءه غير متطرفة، وهذا ماشجع بول بريمر لزيارته اكثر من مرة وفي احدى المرات اصطحب معه كولن باول وزير الخارجية الامريكية السابق. ويروي بريمر في كتابه " عامي في العراق" كيف ان السيد حسين اسماعيل الصدر كان احد القنوات السرّية للاتصال بالسيد السيستاني. ويقول ليث الكاظمي في اتصال هاتفي مع ايلاف وهو من مقلدي حسين الصدر: ان الكثير من اهل مدينة الكاظمية هم من مقلدي السيد الصدر، وهذا الرجل نال ثقة المجتمع ورجال الحكم لاسلوبه الهاديء في الحوار وحل الخلافات الدينية والسياسية.

الخالصية.. أمريكا يجب ان ترحل

والتيار الخالصي يقوده الشيخ جواد الخالصي وهو حفيد العلاّمة مهدي الخالصي الذي عُرف بمحاربته للاحتلال البريطاني للعراق حيث تعرّض بسبب ذلك الى التنكيل والنفي بعد قيام المملكة العراقية.
ولتيار الخالصي علاقات عمل مشتركة وتقارب في المواقف من الاحداث مع مجموعة السيد احمد الحسني البغدادي،، وتتمتع مجموعة الخالصي رغم قلة عددها بنفوذ معنوي ساعية لتقديم نموذج وطني وليس فئوي. ويقول حسنين السلطاني لايلاف: ان تيار الخالصي ليس له تاثير في الجنوب والوسط وينحصر تواجد مؤيديه في بغداد وديالى و كركوك.


السيستانيون.. الغالبية الشيعية

و آية الله السيد علي السيستاني يمثل المرجعية المحافظة، تمام مثلما كان سلفه السيد أبي القاسم الخوئي، واتبع السيد السيستاني سياسة الحياد في نزاعات الافراد والاحزاب، حتى اطلق اسم سيستاني على من لايريد التدخل في السياسة وكان ذلك في عهد صدام ايضا. ويمكن القول ان النخبة واصحاب رؤوس الاموال والتجار من الشيعة اضافة الى المتعلمين والخريجبن يؤيدون السيد السيستاني. ومن مواقف السيستاني المعبرة اعتكافه في بيته، وعدم استقبال أحد احتجاجا على الفوضى التي عمت المدن العراقية، غير أنه استثنى من احتجابه الزعيم الكردي مسعود البرزاني فاستقبله في منزله. وبدا موقفه من السياسة اكثر قربا حين اصدر بيانا قال فيه ان الأميركيين لا يصلحون لكتابة الدستور العراقي. وتقول بتول حسين وهي عراقية تسكن مدينة ايندهوفن بهولندا وهي من مقلدي السيستاني: ان السيستاني يذكرني بغاندي الهند. ويمكن ان نضم تيار السيد الخوئي تحت اسم السيد السيستاني.


الشيرازيون.. تيار حداثوي

ويقول حسن المولى من بغداد لايلاف ان الشيرازيون يتجنبون مواجهة التيارات الاخرى واغلبهم نخبة مثقفة، تدعو الى الانفتاح السياسي والاقتصادي والفكري، ولكن ينبغي أن لا يتعارض هذا الانفتاح مع منهج أهل البيت.
ويقود الشيرازيون المرجع الديني صادق الشيرازي الذي تولى المهمة قبل عامين بعد وفاة أخيه السيد محمد الشيرازي الذي أرسى دعائم هذا التيار منذ الستينات. و هذا التيار حداثوي وظهر كرد فعل على المرجعية الشيعية المحافظة، حيث دعا الى التجديد تمام مثلما فعل السيد الخميني في ايران. لكن هذا التيار ليس ذائع الصيت وربما لحداثة عهده.وتيار الشيرازي يضم العديد من الأجنحة ومراجع الدين، كمرجعية آية الله محمد تقي المدرسي الموجود حاليا في العراق، وكذلك آية الله مرتضى القزويني، كما يضم العديد من الأحزاب السياسية كمنظمة العمل وحركة الوفاق والجبهة الوطنية الإسلامية وحركة الجماهير.

المجمّع العراقي وتيار المؤيد وجماعات اخرى

ويمثل الدكتور محمد بحر العلوم نخبة شيعية محدودة، وقد صرح ذات يوم في مقابلة مع بي بي سي العربية " إذا رأيت اللامبالاة مستمرة فسوف اضطر إلى أن أتعاون في تشكيل ميليشيات شعبية وأكون المسؤول عنها لحماية هذا البلد".
اما السيد حسين الصدر وكان مقيما بلندن، فيمثل تيار شيعي متفتح غير متعصب، وقد شكل تنظيماً بإسم "المجمّع السياسي العراقي". وقبل ذلك انضم الى جماعة علاوي واصبح عضواً في البرلمان. كما يمثل آية الله حسين المؤيد تيارا يدعو ال ايقاف التدخل الايراني بشان العراق.وهو عراب مشروع الميثاق الوطني العراقي الذي يتضمن برنامجاً سياسياً وطنياً تجتمع عليه كل القوى والشخصيات الوطنية. ولاشك في ان هناك الكثير من التيارات التي لم تظهر على السطح بعد واخرى في طور التشكيل، واخرى لم يتناولها التقرير لانحسار دورها في الاحداث، وكلها علامات لمخاض اخر يمر به العراق.

adnanabuzeed@hotmail.com


التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 1 شباط 2007