محمد الطائي
www.iraqstudent.net
Alromiethy@yahoo.com

ما هكذا تورد الإبل يا أستاذ غالب أبو عمار الشابندر هذا المقال يكشف المفارقة التي يخفيها أبو عمار في نقده لحزب الدعوة الإسلامية في العراق .
مقدمة لا بد منها
لم يعد المجال يتسع لذكر العراق دون أن يشار إلى حزب الدعوة الإسلامية الذي أسسه و أرسى نظمه الحزبية العالم و المفكر الكبير السيد محمد باقر الصد ( رض ) في عام 1957 – 1958 هذا الحزب الذي امتاز و يمتاز عن باقي التنظيمات الأخرى سواء من كان منها إسلامي أو غير إسلامي في أصالة فكره و منهجه وقد لا يجد الباحث صعوبة في الوصول إلى تلك النتيجة وحجم تضحياته تعزز من هذه المقولة التي لا أجد نفسي مضطرا للإسهاب فيها غير أنني أريد التأكيد على حقيقة واحدة لا غير أن حزب الدعوة اليوم أصبح وجه العراق و تاريخه المشرف فمن أراد أن يدق إسفينا فعليه أن يعلم إنما سيكون هذا الوشم مطبوعا على جبين العراق و العراقيين .

ظروف النشأة و التأسيس
ليس بالإمكان في هذه العجالة الوقوف بالكامل على الظروف التاريخية التي سبقت نشأة حزب الدعوة الإسلامي لكن يكفي التذكير بأن الأوضاع السياسية و الاجتماعية التي سبقت حزب الدعوة وتحديدا بدايات القرن الماضي التي تمثلت في سقوط الدولة العثمانية التي كانت تمثل آخر أشكال الحكم الإسلامي ودخول العالم حربين عالميتين و انقسام العالم بعدها إلى عالم شرقي و آخر غربي و غياب العامل الإسلامي من موازين القوى العالمية انسحب بالنتيجة على مجمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية و السياسية .لذا لم تكن حصة الأمة الإسلامية بالقليلة في نصيبها من المواجهة لمخططات الدول الكبرى و التي أفرزتها طبيعة الانقسام الجديد .ففي الجانب الفكري و الثقافي من هذا الغزو الذي ركز و بكل ما يستطيع على تدمير المنظومة الثقافية الإسلامية و العمل للحلول كبديل لها , وبعد أن انتشرت هذه الثقافة المستوردة استطاعت أن تحقق لها موطئ قدم بيد بعض المثقفين الذين تناولوا شيئا من هذا الفكر الهجين وعلى الصعيد العسكري واجهت الأمة غزوا استعماريا عسكريا ساهم وبقوة في إسراع حالة الانقسام فكريا و ثقافيا وقطع أواصر الماضي في محاولة لعزل الأمة عن ميراثا الثقافي الثري و الأصيل وبدا واضحا حجم المواجه و قوتها التي أصابت الأمة في مقتل ومدى الضعف و العجز عند المفكر الإسلامي الذي راح يدافع و بكل ما يستطيع من قوة في رد تلك الشبهات و الإشكاليات .ولكن من أين تأتيه القوة والصلابة !؟ و الفكر المضاد يتخذ آليات تنظيمية منهجية تعزز من حركته , و تقوي من سطوته داخل المجتمع الذي يعاني من التفكك و التناحر وعدم الرؤية إضافة إلى غياب المشروع السياسي المستقبلي .وسياسيا فسقوط الإمبراطورية الإسلامية المترامية الأطراف و تخليها عن هويتها الإسلامية في عقر دارها و خضوع اغلب الدول الإسلامية تحت السيطرة الاستعمارية هذا و غيره من الأسباب ساعد كثيرا على طمس الشخصية السياسية لدى الفرد المسلم و جعل منها شخصية تقبليه تنساق وراء الكثير من الأفكار و التوجهات السياسية التي برزت على السطح , و كما أن غياب المشروع السياسي الإسلامي الواضح المعالم هيئ فضاءً رحبا للمشاريع الأخرى التي لم تنتظر طويلا للتحرك و الانتشار من دون أن تجد البديل المناسب الذي يعبر عن أصالة الأمة و تحقيق آمالها .فقد شهدت الفترة التي سبقت حزب الدعوة الإسلامية في العراق بعض من إرهاصات في محاولة تشكيل نموذجا سياسيا يلبي حاجة الأمة وطموحها ولم يكن من بين تلك المحاولات ما يميزها غير حركة الإخوان المسلمين التي أسسها المرحوم الإمام حسن ألبنا والتي ابرز ما يلاحظ عليها تبنيها الموقف الإصلاحي في التغيير .و في العراق خصوصا فلم يكون الحال أحسن من غيره فالتردي الثقافي و الأمية بلغتا نسبة يصعب تصورها ولعل ابرز مؤسسة مدنية تعنى بإدارة المجتمع دينيا و دنيويا كانت متمثله في الحوزة العلمية الممثلة بالمراجع آنذاك وبعيدا عن النظرة الأتهامية أو التخاذلية و بشيء من الحيادية نستطيع أن نفهم الكثير من المواقف و التبريرات التي رافقت تلك المرحلة وما ترتب عليها .يصعب القول أن الحوزة واجهة سياسية بما تعنيه الكلمة من دلالة سياسية لأنها مؤسسة دينية علمية أولا واجتماعية ثانيا حيث لا يخفى الدور البارز الذي تؤثره اجتماعيا و فاعليتها في النسيج الاجتماعي العام .وبهذا الفهم الواضح و الدقيق لماهية الحوزة و محيط حركتها ندرك الدور الذي رسمته الحوزة لنفسها و سعت إليه في مسيرتها .غير أن الأمة لا تشاطر الحوزة هذا الفهم أو التوجه كانت ترسم دائما للحوزة دورها القيادي سياسيا مع ما ينسجم مع مكانتها و حجمها الطبيعي الذي تحظى به داخل الأمة .وهكذا نتعرف على أول انقسام وظيفي بين الأمة و زعامتها المنشودة . لقد مرت الحوزة في عدة مراحل نمت و تطورت خلالها حتى خلفت تراثا علميا لا يمكن تجاوزه و أصبحت معلما وصرحا علميا يشار إلية بالبنان مع ملاحظة أن هذا التطور العلمي لم يكن بالقدر نفسه في ما يتعلق بالجانب السياسي ولعل مرد هذا لعوامل كثيرة من جملتها نظرية الانتظار السلبي التي تتعلق بالإمام المنتظر (عج) وأخرى ارتضائها بالدور الاجتماعي وقبولها به و غياب المشروع السياسي المعبر عن آمال الأمة ورغباتها .هذه الأسباب و غيرها شكلت حجر العثرة أمام كل تحرك إسلامي سياسي و الشيء الآخر الذي تجدر الإشارة أليه تعدد المراجع في الفترة الواحدة ساهم أحيانا في تعدد القيادة و اختلاف وجهات النظر بالتصدي و تبني المواقف المتناحرة و المتضادة و من الأمثلة الواضحة الحركة الدستورية أو بما يعرف بالمشروطة حيث بدا الخلاف واضحا وجليا بين المراجع حول هذه الحركة فمنهم من أيد و آخر من تصدى لهذا التأييد و كانت المواجهة شرسة ومؤلمة وشملت آثارها أوساط الأمة بحضور العشائر العراقية مسلحة في ذلك المشهد الخطير باصطفافها مع مرجع ضد آخر في حالة من الانقسام و المنازعة مع نفسها . أن اخطر ما حملته أحدث المشروطة هي الفتاوى المتضادة بين الطرفين وكاد يحصل انشقاق بين الأمة يصل إلى الاقتتال . و المثال الثاني الذي يتضح فيه غياب المشروع السياسي الواضح المعالم هو أحداث ثورة العشرين حيث كانت القيادة بيد العلماء و مساندة العشائر العراقية التي تصدت و بكل قوة و بسالة إلى الغزاة المستعمرين , ألا أنها انتهت بنهاية مأساوية في مشهد سياسي فضيع و رغم أنها لم تحقق مكاسب سياسية تنسجم مع حجم وعمق الثورة إلا أنها دلت بما يقطع الشكوك على حجم و قوة الحوزة و مكانتها و مدى تأثيرها في الأمة. و بوصول عبد المحسن السعدون رئاسة الوزارة وتنفيذ مخططه الشرس في أبعاد الشيخ محمد حسين النائيني مع عدد كبير من العلماء إلى إيران عام 1923 و بعد عودة المنفيين و قبولهم الشروط المفروضة عليهم في تخليهم عن أي دور سياسي مستقبلي هذه الأحداث أبرزت حالة جديدة تعاملت معها الأمة على إنها تفتقر إلى القيادة الدينية السياسية و تعاملت المرجعية على إنها تفتقر إلى القاعدة الجماهيرية الواعية و قد سادت هذه الحالة إلى أواخر الخمسينات من القرن الماضي و لا يفوتني هنا التذكير أن هذا التراكم الكبير من الأحداث السياسية التي واجهتها الحوزة في مسيرتها الطويلة شكلت الركن الأساسي في الكثير من وجهات النظر و تبني المواقف لدى بعض المراجع في تعاملهم السياسي حيث و قف الكثير منهم أمام أمرين الأول خوض معترك سياسي معلوم النتائج مسبقا و خيار آخر هو الحفاظ على ما تبقى من التراث العلمي الحوزوي الكبير ! . وبكلمة أدق تميزت المرجعيات الدينية باختلاف الاستراتيجيات النهائية لتحركاتها و مطالبتها و إذا صرفنا النظر عن المرجعيات التقليدية التي لم تطرح في برامجها مسألة السلطة و العمل السياسي فأن المرجعيات الأخرى التي أولت اهتماما لهذا الجانب الحيوي من حياة الأمة انقسمت إلى :
1 - مرجعيات مٌطالبة و إصلاح لا تنهض إلى مهمة إسقاط دولة أو إقامة حكومة إسلامية أو حتى المشاركة بحكومة ائتلافية و حصرت اهتمامها في معالجة شؤون المجتمع و تقديم طلبات إلى السلطة الحاكمة لتعديل قانون الأحوال الشخصية أو تخفيف الضغط على الحوزة أو الاحتجاج على ممارسات حكومية ضد هذا المرجعية أو تلك .
2 - أما النمط الثاني من المرجعيات فهي الثورية و المتصدية تهدف إلى تغيير سلوك المجتمع و إقامة حكومة إسلامية ولا تعول على المنهج الإصلاحي كخيار وحيد لهدفها .
هذه الأمور و غيرها كانت حاضرة في الذهن عن الشهيد الصدر (رض) فلو سلطنا الضوء على جانبا من تجربته في التغيير التي تبناها لوجدنا هذه المعاني كلها كانت حاضرة و مشخصه جيدا في مشروعه الحضاري الذي رسمه للأمة من اجل نهضتها و الخروج من عزلتها الثقافية و اخذ مكانتها الطبيعية بين الأمم فقد كان يتحرك على جميع المستويات دون أن يترك لأعدائه ثغره يبثون عبرها شرورهم كما انه و من البداية أدرك و بنظرته الثاقبة و تشخيصه المبكر أن الأسلوب الدفاعي قد اثبت عجزه عن المواجه و سجل الكثير من التراجعات التي أنهكت الأمة في مواجهاتها ضد الباطل و لذا نراه و من البداية رسم استراتيجية واضحة في مهاجمة كل أشكال الانحراف و استطاع التغلب عليها و شكل معادلات سياسية جديدة و لم يبقى لميزان القوى ذلك الشكل الشرقي و الغربي في الانقسام فقد أضاف أليه بعدا ثالثا إسلاميا قويا اقتحم عنوة ميزان القوى و معادلاته السياسية لا يمكن تجاوزها و لم تكن السياسية هي الصيغة الوحيدة التي أضافها للمشروع بل على العكس من ذلك فقد شيد مشروعا حضاريا إسلاميا متكامل المعالم أصيلا ينسجم مع متطلبات الأمة و ثوابتها .فأول انطلاقة كانت فكرية لما للفكر من أهمية بالغة عند الشهيد الصدر بعد دراسة جادة لما أصاب فكر الأمة من تلوث أفكار واحتضانها لثقافات دخيلة مستوردة لا تنسجم مع أصالتها و تاريخها فكان لفلسفتنا و اقتصادنا الأثر الكبير و البالغ في مجمل الساحات الفكرية و لعلنا لا نبالغ إذا قلنا أنهما كانا بمثابة المطرقة و السندان اللذان دمرا كل تلك الانحرافات الفكرية التي أصابت الأمة في مقتل و لمدة زادت على النصف قرن و تراجع تلك الأفكار و غيابها تدريجيا عن الساحة الثقافية كانا الشاهد الأمثل لعبقريته ونبوغه المبكرين حتى ننقل عنه كلمته ( كفانا استيرادا لتلك المفاهيم فعلينا أن نصدر بعض ما عندنا ) و ذلك بعد نشر كتاب الأسس المنطقية للاستقراء وشهدت المكتبة الإسلامية ازدهارا أعاد لها مجدها الدفين بعد ما صدرت للشهيد العديد من الكتب و المؤلفات التي عالجت الكثير من الإشكاليات التي أفرزتها طبيعة المواجهة ولم يكن دور الحوزة و ما أصابها جراء تلك المواجهات غائبا عن مشروعه فقد شخص وبدقة هذه المؤسسة العلمية حتى تبلورت و بوضوح فكرة إعادة صياغتها بالشكل الذي يحقق طموحات الأمة و ينسجم مع مكانتها و دورها الكبير الذي تتمتع به و طرحها كواجهة قيادية إسلامية ولعل من المناسب القول أن الشهيد الصدر وضع شروطاً مغايرة لتلك الكلاسيكية التي تتعلق بالانتساب لطلبة العلوم الشرعية حيث أعطى أولوية في قبول الخريجين من الجامعات أو المرحلة الثانوية مع التركيز على أهمية الإصلاح في ما يتعلق بالمنهج ألتدريسي و طبيعة المواد العلمية و المعرفية التي تُدرس في الحوزة ولم يسقط الجانب المادي حيث كان يهتم كثيرا في سد الحاجة المادية للطلبة و المتصدين لأنه كان يعتقد أن إعداد القادة الميدانين لا ينبغي لهم أن يعانون من الضيق و العوز المادي في هذا الجانب فقد كان يشدد على الوكلاء أن يكونوا مستقلين ماديا و لا يعتمدون على الهبات و العطايا التي يتبرع بها بعض الميسرين لأنها كانت تمثل جانب ضعف في شخصية القائد فلم يهمل تلك التفاصيل البسيطة في شكل المشروع الحوزوي فضلا عن اعقد التفاصيل والذي يبدو واضحا في نظرية المرجعية الصالحة و من مفردات المشروع التغييري لحزب الدعوة الإسلامية في الساحة العراقية التي اختزلت فيها كل التجارب الإنسانية التي استحدثتها كآلية حزبية عصرية لحمل نظرية الإسلام ونشرها في أصقاع العالم فبهذا العمل الجبار و المبارك الذي تقوم نظريته في إنجاز مهامه وأداء دوره في الوصول إلى أهدافه ألنهائيه على ( المرحلية ) . وتقوم فكرة المرحلية على ضرورة إرساء قاعدة انطلاق فكرية ثقافية صلبه تُمهد للانطلاق و دخول المعترك السياسي كممارسة ميدانية و قد جاءت المرحلية لدى حزب الدعوة الإسلامية على أربع مراحل :
1 - المرحلة التغييرية – أو المرحلة الفكرية .
2- المرحلة السياسية .
3. مرحلة تسلم السلطة .
4- مرحلة الحكم والمتابعة.
وجاءت هذه الرؤية كما اشرنا لأسباب عديدة بشكل اختزل كل التجارب الحزبية و استعانة بالتاريخ الإسلامي و انسجاما مع النمو الطبيعي لأي ولادة .فقد أصبح لدى الإسلاميين نظريات مبلورة وجاهزة يحملها رجال يؤمنون بها و يستوعبونها ويبذلون الغالي والنفيس في العمل على نشرها في العالم ببرامج و مخططات حركية فاعلة مقابل الحركة التقليدية التي كان يتحرك فيها الفكر الإسلامي في ظل مؤسساته التي لم تلبي حاجات و طموحات المجتمع من هنا عمد الشهيد إلى إعداد وتربية طليعة منظمة حركية واعية تتحمل مسؤولياتها في الأمة , وجاءت مبادرته لتأسيس حزب الدعوة الإسلامية في نهاية الخمسينيات معلنا بداية المشروع الإسلامي العالمي . واخذ الشهيد الصدر على عاتقة في الانطلاقة الأولى كتابة الاسم و المبادئ والأسس وتشكيل الحلقة الحزبية الأولى . لم يكن الحديث قبل حزب الدعوة مسبوقا حول السياسة إلا ما ندر فقد كانت أمنيات وطموح يرددها البعض على استحياء فليس لهذا الحديث من مصداق خارجي كما يقال في الحوزة العلمية فإلى زمن قبل قيام الجمهورية الإسلامية أو بالدقة كتاب الحكومة الإسلامية لا احد ينظر لدولة و لا حكومة إسلامية فضلا عن تنظيم إسلامي يتبنى في منهجه المرحلية في العمل و التصدي ولعل الملاحظة الهامة في المجال السياسي وأثر حزب الدعوة الإسلامية في العراق يتجلى في قيام الثورة الإسلامية في إيران وعشية انتصار الثورة و التي يفترض أنها كانت قد أعدت العدة ثقافيا و سياسيا و معنويا كما هي باقي الثورات في العالم لخطوتها القادمة إلا وهي الحكم و السلطة كان طلب بعض الفضلاء كما عبر عنه في مقدمة الدستور الذي كتبه الشهيد الصدر الذين طلبوا من الشهيد أن يكتب لهم دستور الجمهورية الإسلامية في إيران له الدليل البالغ في تأثير ثقافة الدعوة على العالم الإسلامي في المجال السياسي . كما و تجرد الإشارة إلى اغلب التنظيمات الإسلامية و ابرز الشخصيات السياسية والنخب المثقفة الواعية اغلبها خرجت من رحم الدعوة ولعل المطلع على مجريات الإحداث و العارف بدقائق الأمور لا يسعه أن ينكر ذلك على حزب الدعوة . ولست مبالغا في هذا القول أن حركة البنوك الإسلامية لم تكن لتبصر النور لولا كتاب البنك اللاربوي الذي جاء ردا على سؤال من دولة الكويت و غير هذه المؤلفات هناك الكثير مما أسهم في خلق ثقافات جديدة كان و ما زال لها أثرها الملموس في العالمين العربي و الإسلامي . كان من الضروري أن أضع مقدمة طويلة عن مسيرة الحزب و ظروف نشأته حتى يتبين للقارئ الكريم مدى تأثير ثقافة الدعوة في ألامه لا أن ينطلق المقال بشكل يفترض أن القارئ مطلع على هذه المسيرة الطويلة من العمل و الصمود و التحدي فكان حري بموقع ( الملف و الكاتب غالب الشابندر ) و من فتح ملف حزب الدعوة أن يمهد لملفه الساخن بمقدمة تاريخه لمسيرة هذا الحزب الذي أصبح من الصعبة بمكان الحديث عن العراق بمعزل عن تضحياته و شهدائه الذين عرفوا بحبهم للعراق و بثقافتهم الغزيرة و الأصيلة .

هل حزب الدعوة حزب مثقفين حقا ؟
بعد هذه المقدمة الطويلة نعود إلى مقالة الأستاذ غالب حسن الشابندر و التي بعنوان ( هل حزب الدعوة حزب مثقفين حقا ؟ ) في البداية أود الإشارة إلى أن حزب الدعوة عانى كثيرا في السبعينات من انه كان متهم بأنه حزب النخبة المثقفة و انه كان يعاب عليه انه لا يوجد في صفوفه احد من طبقة العمال أو الفلاحين وانه حزب منحصر في أروقة الجامعات و يتداول بين طلاب المعاهد و الكليات أقول جميل أن ينبري مثقف و كاتب و مؤلف و سياسي بارع بالتحليل و يقول أن الدعوة لا يوجد فيها مثقفين فالثقافة ليست سبة سواء كانت تهمة ممن كان يلصقها بالحزب أو ممن ينفيها اليوم عن كوادره و قبل التفصيل بهذه الصفة التي يبدو لي أنها ذات أوجه يفسرها قائلها كيف يشاء و يستخدمها متى أراد دعوني أسأل الأستاذ غالب الشابندر ماذا يقصد بالثقافة !!!! فهو يقول ( وفي الحقيقة طالما سألت نفسي وقلت: ترى أين هؤلاء المثقفون الذين يدعيهم حزب الدعوة ؟أين هي مثلا كتبهم التي أثارت ضجة آو صرخة أو تغييرا في بنية المجتمع العراقي ؟أين مثلا هم فنانو الحزب الذين شهدت لهم سوح الفن باللوحة الفنية الراقية أو الرواية المتميزة أو المسرحية المثيرة؟بل أسال بكل صراحة أين هم منظرو الحزب نظميا ؟ بل لنكون أكثر صراحة لنسأل ببرائة : أين هم محللو الحزب السياسيون وهم في صميم ما يسمى بالعملية السياسية ؟)
نعم نحن بحاجة يا أستاذنا الفاضل أن نعرف منك من هو المثقف الذي تقصد فأنت تشير إلى الكتب بمعنى أن المثقف من يؤلف الكتب و ليس كل كتاب بل يجب أن يحدث ضجة أو .. الخ ثم تعرج على الفنانين فتقول أين فنانو الحزب و أين لوحاتهم الفنية ولم تضع لهذه اللوحات شروطا مثل الكتب و اكتفيت بالراقية و الظاهر افتقارك إلى المذاهب و المدارس الفنية عموما ليس هنا مجل لتلك المدارس الفنية وطالبت بالمسرحيات المثير ( المثيرة تعبير لم توفق به لأنه عادة يقول النقاد عن المسرح الهادف و البناء و ليس الإثارة خوفا أن ينصرف الذهن إلى الفن المسرحي الرخيص أو الهابط ) ثم تقول وأنت تبحث عن المثقف أين منظرو الحزب نظميا هل المثقف من ينظر نظميا !! و كالعادة تترك برأتك إلى الأخير لتسأل بها عن المحلل السياسي في حزب الدعوة . قبل أن نكمل في نقاشنا عن من هو المثقف أو ما هو تعريفك للمثقف أريد أن أقول و بعجالة إذا كنت تعتمد في نقدك الذي و عدت أن يكونا بناء و ها نحن نقع في بداية المشوار مع هذا النقد على إشكالية تعريف المثقف عموما إذا أنت تقول أو تريد القول أن عدد المؤلفات هو المقياس على ثقافة الحزب فهل لي إن اسأل سؤالا عندما كنت في حزب الدعوة و تقدم لهم تحليلاتك السياسية المعتمدة ففي تلك الفترة هل كانت مؤلفاتك تحسب على حزب الدعوة أم أنها شأن خاص بك و على تلك الكتب اسمك و توقيعك دون أن تذكر صفتك الحزبية فإذا كانت كذلك و ليس للحزب فهناك الكثيرين ممن أنا و أنت نعرف إنهم كتبوا الكتب و الدوريات و كانت وما زالت إسهاماتهم تعج بها المكتبات ولولا حرصي عليهم و عدم معرفتي بموافقتهم لنشرت لك قائمة من الأسماء بالكتب و المؤلفات و التي أحدثت ( ضجة ) في حينها ممن تقول أنت في احدهم انك تعتبره مثل والدك وتعتز به إلى الآن أما في الفنون و الأدب فلحزب الدعوة نشيده و شعرائه سواء ما كان منهم عموديا أو شعبيا فلماذا تتخطاهم وتجعل بينهم و بين قرائك نظارتك التي ترى بها أنت ما تريد من الأمور هذا من جانب وأخر أنت كمثقف مؤتمن على قول الحقيقة لا أن تنكرها و تصورها على أنها لا و جود لها إما ما يتعلق بنشرات الحزب الخاصة فهي كثيرة و فيها من الفكر و الثقافة ما كان معينا للدعاة وهي خاصة بأعضاء الحزب و لعل حديث كرة الثلج الذي ذكرته أنت قبل أيام خير دليل يذكرك ما كانت عليه أدبيات الحزب أما الصحف فكانت للحزب ثلاث جرائد واحدة من إيران وأخرى من سوريه و الأخيرة من لندن هذه التي كانت صحافة رسمية فإذا سلمنا انك كنت تنشر الأولى من إيران فالباقيات كانتا على اقل تقدير تتابع و تحلل الحدث السياسي على يد دعاة غيرك في دول مختلفة و غير متجاورة و على حد علمي لم تكن سرعة الاتصالات كما هي اليوم عليه . فيما يخص التنظيم أنت جئت إلى الحزب وانتميت إليه و هو كان منظم و تعرض الحزب إلى هجمات شرسة و ضربات قوية و استطاع إن يعيد تنظيمه أكثر من مرة فلا دخولك إليه زاد من قوته تنظيمه و لا خروجك منه اضعف من بنيته ألتنظيمه فهذا يعني أن هناك من يقدر على الحفاظ على تنظيم الحزب و الاستمرار به كتنظيم قوي و فعال و في مجال التحليل السياسي و اتخاذ القرار المناسب فقط أريد إن أذكرك واختصر المقالة عندما تحركت القوى السياسية العراقية و اجتمعت في لندن كانت الأنظار تتجه إلى حزب الدعوة و كيف اجبر ( اجبر ) هذا الحزب جميع القوى السياسية على الاستماع إليه و عدم تمكنها من تجاوزه بل أكثر من هذا عندما دخلت أمريكا على الخط و اتصلت بحزب الدعوة من غير وسطاء و أنت تعرف لماذا كانت الوسطاء بالسابق اثبت هذا الحزب للعالم انه ذو حنكة و خبرة سياسية يقل نظيرها وباختصار تميزت رموز حزب الدعوة السياسية بالشعبية و الصلابة و لعل أخرهم المالكي الذي استطاع أن يفرض على الرئيس الأمريكي و على العرب في الأردن في المؤتمر الثلاثي ما كان يريد و ما زال المالكي رهانا بيننا و ستخبرنا الأيام القادمة من هو ذو الحنكة و الخبر و الدراية السياسية فضلا عن الصلابة و الإرادة القوية . قبل أن اختم عليك أن تعرف لنا المثقف فأنت تركت الباب مشرعا وخرجت و أنت تقول ( يقيني إن الحزب في طريقه إلى الانهيار فكريا وسياسيا ، وإذا ما استمر ، فاستمرار ميت ، استمرار بلا حراك ) عرف لنا المثقف حتى نصل معك إلى نفس النتيجة فلن تجد احرص من الدعوة في التعامل مع من يصدقها لا أن ينافقها ما هكذا تورد الإبل في منهجية الدعوة يا أبا عمار .