بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا نجانب الحقيقة اذا ما قلنا بان مفهوم الثقافة / المثاقفة بات اليوم (معظمه) مرتبطا ارتباطا وثيقا بالبنى والنظم السياسية والايديولوجية ، وهي ربما اشد ارتباطا وتماهي في ظل الانظمة الشمولية والدكتاتورية ،او نصف الدكتاتورية لسيادة الوحدوي الاقرب في بعض سياقاته الى القدسية .
هذا التماهي والذوبان اعجب به بعض المثقفين / المتثاقفين ، فسلكوا دروبه الضيقة بكل اتساعها ورحابتها ، والمظلمة بكل الاضواء والانبهار المسلط عليها / عليهم ،وكان ان باتوا يمارسون تماما القمع الفكري على المتلقي العادي بهدف تسويق النظم والبنى السياسية التي يرتبطون ويتماهون بها ، فكانوا ان وصفوا بحق ( قتلة الارواح ) فكريا وثقافيا ، كما هم السياسيين ماديا .
وهذا ربما يلقي بعضا من الضوء على السؤال المبهم ،لماذا نعاني حتى اليوم من العثور حقيقة على عناصر الهوية الثقافية التي نحاول البحث عنها تحت ركام من التراكم الايديولوجي المطمورة تحته ، فالتراكم الثقافي الهائل لكل دولنا العربية بكل سياقاته الايديولوجية المتواءمة والمتضادة والمتنافرة ، تراجع خلفا امام ثقافة واعلام آخر ليس بالحقيقي ولا بالاصيل ، سعى بعد ان طمر كل ذلك التراكم الى تحويل الثقافة / الاعلام الى العوبة لا حراك روحي وعقلي لها ، هدفها الاوحد تدعيم النظم السياسية الشمولية والدكتاتورية ، وترسيخ وجودها قسرا وعنوة على المتلقي المغلوب على امره .
وهي اذ تسعى لخدمة سيدها الاعظم ، وترسخ الخطاب الوحدوي الشمولي فانها لا تعدم الوسائل والاكاذيب والاختلاقات لتعزيز وترسيخ ذلك الخطاب الذي تتبناه وترعاه ، ومنها واقعا استدعاء بعض من وضعهم التاريخ الانساني في مزبلته ، واعادة تلميعه ، واظهاره من جديد بمظهر آخر ، وبصورة جديدة ، ربما تستغرب لها تلك الشخصية اذا ما نظرت الى نفسها وهي في هذه الصورة الجديدة ، وذلك كله طبعا من اجل عيون النظام السياسي ، ونظرياته السياسية المسوقة .
ففي رؤية لا تزال حتى الان مقننة وباشارات بسيطة ، خرجت علينا صحيفة الشرق الاوسط بحوار طويل مع من سمته بانه زعيم الجماعة الاسلامية ( اكرم زهدي ) ، كان الهدف الرئيسي منه اطلاق بالون اختبار ، ليتم اختبار ردود افعال المثقفين الحقيقيين وعامة الناس حول هذا الامر ، ليتم من بعد ذلك اذا ما جاءت النتائج بحسب ما هو موضوع لها مسبقا ، اطلاق بالون ثاني وثالث ، وربما رابع لتأكيد وترسيخ بدايات واساسات الفكرة المنوي طرحها على الواقع العربي ، وليتم اخيرا اطلاق الفكرة بكل وضوح وكامل سياقاتها المتعددة ، بعد ان تكون الاجواء قد اعدت مسبقا بواسطة البالونات الاختبارية المزدوجة الوظيفة .
فقد قالت الصحيفة على لسان كرم زهدي من سجنه ، بان ( الرئيس انورالسادات مات شهيدا ) ، وان عملية قتله كانت ( فتنه ) وانه لو عاد الزمان به ( لما أجاز قتله بل لعمل على منع ذلك ) .
وهنا علينا التاكيد على امرين ، الاول : ان الناس جميعا على اختلاف درجاتهم الايمانية ، يجلسون في قفص اتهام واحد طوال حياتهم في الدنيا ينتظرون محاكمة القاضي العادل يوم القيامة ، وهو وحده الذي يملك في تلك اللحظة ان يصف احدا بالكفر او يصف آخر بانه شهيد ، انه هو وحده الذي يملك ان يفتح ابواب الجنة امامنا او يلقي بنا في النار ، لا احد غيره يملك هذا الحق مهما تكن درجة تعمقه في الدين .
الثاني : ان اطلاق هذا البالون ياتي في وقت تعيش فيه منطقتنا العربية مرحلة غاية في الحراجة والدقة ،ن مرحلة اذا ما انتبهنا جيدا لسياقاتها والمخططات المرسومة ، فاننا حتما سنشهد في وقت قد لا يطول كثيرا باننا لا نملك ايا من الثوابت الحقيقية التي عشنا طويلا في ظلها ومعها ، حتى نمت في دواخلنا وعاشت فينا وبنا في بعض الظروف .
ان هناك فكرا جديدا يلقى علينا بطريقة مقننة ، حتى لا يواجه بردة فعل عنيفة وقوية تهدم هذا الفكر ، فكرا اعد بدقة وتم طبخه وتهئيته في المطاخ الاسرائلية والامريكية ، ودعيت النظم السياسية العربية للاطلاع على الوجبة الفريدة والاكل منها ، فلما اعجبتهم جاءوا ببعض منها الى اولئك الذين تماهوا وذابوا مع تلك النظم السياسية من متثاقفين ، لياكلوا منها ويحاولوا بكل ما عندهم ان يصفوا طعم هذه الاكلة الى عامة الناس ، ضانين ان الناس لا تزال تعيش في عصور الجهل والامية التي كان عليها العالم العربي طوال النصف الاول من القرن العشرين .