لاعبان كردي وشيعي وحرب أهلية وأثقال الإحتلال والإنتحار ... العراق الذي جئت تسأل عنه... راح
أربيل – غسان شربل الحياة - 05/05/07//

استقبلني السياسي الكردي مبتسماً ومعاتباً. قال: «تأخرت في تفقد آثار الزلزال». كان يشير الى حجم التغييرات التي حصلت بين زيارتي لشمال العراق قبيل الحرب التي أطاحت نظام صدام حسين وتوازنات قديمة وزيارتي الحالية للإقليم. ولا مبالغة في استخدام كلمة الزلزال. فور هبوطك في الأرض العراقية تشعر بأنك تزور حطام العراق. ومن السهل ان تسمع «ان العراق الذي تسأل عنه راح» و «ان ما يجري حالياً هو آلام ولادة العراق الجديد المختلف».

في الطريق الجبلية من أربيل الى دوكان لا أعرف لماذا تذكرت يوم وقفت قرب جدار برلين المتداعي. ففي ذلك اليوم بدأت نهاية دولة وامبراطورية وحسمت نتيجة «الحرب العالمية الثالثة» من دون إطلاق رصاصة واحدة. ومن حسن حظ العالم ان أوروبا الديموقراطية المستقرة كانت قادرة على احتواء الأثقال الأوروبية لسقوط الجدار. وها أنا أشعر بأن العاصفة التي اقتلعت تمثال صدام حسين أشد خطورة على المنطقة من انهيار ذلك الجدار على القارة القديمة. واستوقفني قول السياسي: «ستحتاج المنطقة الى وقت غير قصير لاستيعاب ما شهده المسرح العراقي خصوصاً لجهة بروز لاعبين كبيرين: اللاعب الكردي واللاعب الشيعي».

صحيح. العراق الذي كنا نعرفه راح. فعلى أنقاض النظام الذي كان يشكل سداً في مواجهة الطموحات الإيرانية تقوم حكومة برئاسة نوري المالكي، وهو من هو في المعادلتين الداخلية والإقليمي. ولقب السيد الرئيس يطلق حالياً على سياسي كردي أقام طويلاً في الجبال واسمه جلال طالباني. وفي اجتماعات وزراء الخارجية العرب يشغل مقعد العراق سياسي كردي لامع اسمه هوشيار زيباري. سقطت «القاعدة الذهبية» التي كانت تضع القرار العراقي في يد حاكم عراقي عربي سنّي.

لا يمكن إنكار ان السلطة الحالية ولدت من انتخابات حرة، واستناداً الى ملايين الأصوات. لكن لا يمكن ايضاً إنكار ان البلاد تغرق في حرب اهلية وفي أثقال الاحتلال ومقاومته فضلاً عن أثقال ممارسات المقاتلين الجوالين وارتكابات هذا النهر من الانتحاريين. ولا يمكن تجاهل ان العراق الذي كان لاعباً بارزاً في المنطقة تحول ملعباً للطموحات الدولية والإقليمية وأن إيران باتت حاضرة في القرار العراقي والنسيج العراقي.

بعض المشاهد يؤكد ان الزلزال دفع العراق القديم الى التقاعد او التاريخ. قبل اسابيع أطل رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني باللباس التقليدي على شاشة التلفزيون. أطلق جملة قصيرة متفجرة. خاطب المسؤولين الأتراك قائلاً: «اذا تدخلتم في كركوك نتدخل في ديار بكر». كلام جديد وكبير وخطير. رد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان غاضباً ومحذّراً. لكن الحقيقة هي ان اللاعب الكردي صار حاضراً وعلى تركيا وإيران وسورية ان تعيد تقويم السياسات التي تعتمدها في مخاطبة الأكراد من مواطنيها.

يحرص الرئيس طالباني على تبديد مخاوف اهل المنطقة من اللاعبين الجديدين على المسرح العراقي. يؤكد ان اقليم كردستان جزء من العراق وأن سكانه يعرفون ان الدولة الكردية متعذرة وباهظة. ويعيد التذكير ان الجيش العراقي قاتل ايران وكانت غالبية جنوده من الشيعة. يذهب أبعد من ذلك. يلفت الى ان آية الله علي السيستاني لا يقر بـ «ولاية الفقيه» وأن عدد مقلديه يفوق عدد مقلدي السيد خامنئي. وتسمع في كردستان العراقية من يقول ان ثمة انزعاجاً في بعض أوساط الشيعة العراقيين «من محاولة ايران إدارة الشأن العراقي أو الإمساك بخيوطه». في أربيل الهادئة التي تحلم بالمستثمرين تستمع الى نشرة الأخبار وما تحمله يومياً من أهوال ما يجري في بغداد والأنبار ومناطق أخرى. تفكر في مؤتمر شرم الشيخ والعلاجات الدولية والإقليمية. سيكون موسم الاضطراب طويلاً ومخيفاً. يقول السياسي العراقي. ولا تملك ما يساعدك على نقض أقواله.

سألت الشاب العامل في الفندق: «انت عراقي كردي أم كردي عراقي». فوجئ لكن إلحاحي دفعه الى القول: «انا كردي أولاً وعراقي ثانياً». وتذكرت ما قاله السياسي الكردي: «كل مشكلة العراق سببها ثقافة عدم قبول الآخر المختلف».

بين الزيارتين ضرب الزلزال العراق والمنطقة. اننا في البدايات. وكان السياسي محقاً «فالعراق الذي جئت تسأل عنه راح».