مذكرات شيعي ليبرالي في رحاب السيدة زينب {عليها السلام} (1)
زكي لطيف
تأسس مقام السيدة زينب (ع) في عام 1840م على يد السيد موسى مرتضى ، في عام 1870 انهار السقف القديم لحرم المقام بسبب غزارة الأمطار وتسربها إلى المواد الإنشائية، الأمر الذي تطلب وجوب تجديد السقف على عجل، وقد قام السيد موسى ببناء السقف الجديد من القرميد المحمول على هيكل خشبي ، كان موقع ضريح السيدة زينب يعرف قديما باسم قرية "راوية " وكانت مؤلفة من بضعة بيوت طينية



بسيطة ومتواضعة ، زينب الكبرى ابنة علي وفاطمة وحفيدة رسول الله (ص) وأخت الحسن والحسين وبطلة كربلاء ، التي وقفت ببسالة نادرة ضد حكام بني أمية في الكوفة والشام، واشتهرت بخطبها الجبهرية في بلاط الحكم الأموي، اغلب المحققين الشيعة يقولون بان قبرها
في الشام وليس في المدينة المنورة أو القاهرة كما يرى ذلك بعض المؤرخين ، لذلك كان الزوار الشيعة يتوافدون على الشام منذ عقود طويلة، قاصدين مقام شريكة الحسين في ثورة كربلاء ، في عام 1952م أعد السيد المهندس محمد رضا مرتضى مخطط مبنى مقام السيدة زينب الكبرى ، وأكمل البناء في بداية الستينات الميلادية ، وأدخلت تحسينات وإضافات عليه خلال العقود التالية ، خاصة بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران ، آل المرتضى القائمين على هذا المقام جدهم السيد حسين المرتضى بن شيخ الإسلام في القرن السادس الهجري ، يعد أول من تسلم الولاية على مقام السيدة زينب وأوقف أملاكه عليه، وعهد بالولاية من بعده لابنه ومن ثم لذريته الارشد فالارشد، وفق وقفية حدد فيها قواعد إدارته العامة، وهي محفوظة لدى لجنة الإشراف على المقام ،المؤلفة من نخبة من آل المرتضى ، منهم الدكتور هاني مرتضى والسيد المهندس محمد رضا مرتضى.



فيما مضى وقبل ثلاثين عام كان زوار مقام السيدة زينب قليلين بشكل عام ، حيث إن الأغلبية العظمى من زوار مقامات أهل البيت (ع) يتوافدون على كربلاء والنجف، ليقضون في مدن العراق الشطر الاكبرمن الوقت ، وقليل منهم من يقصد الشام لزيارة السيدة زينب، ثم يقفل عائدا على وطنه ، إلا انه مع حرب الخليج الأولى ثم الثانية وما نتج عنها من إغلاق العراق بوجه الزائرين، خاصة بعد عام 1990، أصبحت السيدة زينب الجهة الوحيدة للزيارة تقريبا ،لا سيما مع عدم السماح لحملة الجنسية السعودية بزيارة إيران في عقدي الثمانينات والتسعينات ، والذين كانوا وما زالوا يشكلون نسبة كبيرة من السياح الخليجيين للمقامات الدينية.
كانت النتيجة أن أصبح مقام السيدة زينب بدمشق مقصدا سنويا للآلاف من الزوار القادمين من دول الخليج ، وبعد السماح للعراقيين بدخول سوريا أصبحوا يزورون باستمرار حي السيدة زينب ، وتملك العديد منهم العقارات والأبنية ، وبعد انهيار النظام ألبعثي في العراق وفد ما يناهز المليون عراقي على سوريا طلبا للأمن والاستقرار، فكان الشيعة يقصدون حي السيدة زينب للعمل والاستقرار، بينما يقصد السنة والمسيحيين حي جرمان الواقع إلى الشرق من العاصمة ، انه تناقض صارخ لا شك فيه بين أتباع كلا المذهبين .
السيدة زينب.. الملجأ والمقصد
حي السيدة زينب الذي كان قبل ثلاثين عاما قرية صغيرة تحيط بها البساتين ، أصبح اليوم حي عشوائيا محاط بالأبنية والعمارات والبيوتات ، تقطنه أغلبية مهاجرة وأقلية مواطنة ، وهو الآن يعج بالعراقيين الهاربين من جحيم الحرب الطائفية في بلادهم ، كان قبل 20 عاما ملاذا لحركات المعارضة الشيعية الخليجية والعراقية ، منها الحركة الإصلاحية في الجزيرة العربية والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين ومنظمة العمل الإسلامي ، وتتخذه حتى الآن حركتي أمل وحزب الله كمقار لمكاتبها السياسية والدينية .
في منتصف التسعينات أعلنت الحركة الإصلاحية إنهاء المعارضة والعودة للبلاد، إلا أن ثمة بعض العقارات التابعة لها ما تزال تدار من قبل بعض الأشخاص ، بعض أعضاء الحركة السابقة يمتلك عقارات متواضعة البناء، يعودون إليها كل عام للاستجمام والراحة وهربا من الرطوبة العالية التي يشهدها الخليج سنويا في أغسطس وسبتمبر ، في عام 2000م أنهت الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين المعارضة اثر عهد الميثاق الذي أصدره عاهل البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بعد استفتاء شعبي ، ومع سقوط النظام العراقي عاد معظم أفراد الحركات العراقية المعارضة للنظام العراقي إلى العراق مع بقاء بعض الأشخاص لإدارة عقاراتها وممتلكاتها ، ثمة في الحي ممثليات للمرجعيات الدينية كالسيد محمد حسين فضل الله ، الذي يعقد باستمرار منذ سنوات ندوة حوارية كل يوم سبت ، والسيد الخامنئي والسيد صادق الشيرازي والسيد السيستاني وغيرهم .
تقام الاحتفالات والأنشطة الدينية باستمرار ، خاصة في فترات المواسم الدينية كمحرم وصفر ، كانت المنظمات المعارضة للأنظمة الخليجية تمارس أنشطتها السياسية والإعلامية والجماهيرية المعارضة انطلاقا من هذا الحي ، الذي يشهد تدفقا للزوار خاصة في المناسبات الدينية وفترة الإجازة الصيفية التي تمتد ما يقارب الثلاثة شهور في العام ، وذلك قبل أن تنهي أنشطها وتعود لأوطانها بعد غربة ناهزت العشرين عاما .
في حرب تموز كان الشيعة اللبنانيون ، خاصة من أهالي الجنوب قد اتخذوا من حي السيدة زينب مقر مؤقتا لهم ، فبعد أن كانوا يقصدونه كسياح على غرار الخليجيين اتخذوه ملجأ من الحرب الضروس التي اشتعلت بين إسرائيل وحزب الله ، على اثر عملية الوعد الصادق التي قام بها الجهاز العسكري لحزب الله في صيف 2006م .
لعل من أهم المؤسسات العاملة في الحي الحوزة العلمية الزينبية ، التي أسسها المرحوم الشهيد السيد حسين الشيرازي، وذلك في عام 1975م ، وتعقد فيها علاوة على الدروس الدينية التقليدية الأنشطة الدينية والاجتماعية المختلفة ، وتعج برجال الدين المدرسيين والدارسين من مختلف البلدان الإسلامية خاصة من العراق والخليج وباكستان وأفغانستان .
حي اللامكان واللازمان
حي غريب بالطبع، فهو ملجأ الشيعة منذ تأسيسه، لقد كان مقرا للمعارضين وهو الآن مصيف لهم ! وهو ملجأ للشيعة العراقيين أثناء حكم صدام وبعده، وفي حرب تموز كان ملجأ للبنانيين أيضا، أول ما يقصده الشيعي الخليجي أو العراقي أو اللبناني أو غيرهم من حملة الجنسيات العربية والإسلامية هو هذا الحي رغم بؤسه ! فالخدمات الحكومية متدنية لدرجة غير عادية ، فزحامه شديد وعشوائي معظم أيام السنة ، ومستوى النظافة في شوارعه وأزقته تعتبر الاسوء بين إحياء دمشق، يمكن ملاحظة ذلك بكل سهولة عند النظر للفضلات المكدسة عند حاويات النفايات الكبيرة، فضلا عن إلقاء القمامة في أماكن تعارف عليها السكان ، وتنبعث منها الروائح المقززة والحشرات الطائرة ، علاوة على سوء النظافة بشكل عام ، ومشاكل الانقطاع المستمر في الكهرباء وضعف الخدمات الصحية والتعليمية ، رغم ذلك يشعر الشيعي بانجذاب نحوه وعدم القدرة على مقاومة هذه الجاذبية .. وصلت فجرا بعد طول معاناة، كان الحي هادئا.. بعد تفتيش الأمتعة من قبل رجال المخابرات المنتشرين بكثافة بعد اكتشاف أجهزة الأمن محاولة تفجير سيارة مفخخة في احد أحياء دمشق سرت في الحي قاصد الشقة التي حجزتها وأنا في القطيف ، لم يتغير شي في هذا الحي، ما يزال كما كان ، طرقاته غير نظيفة والنفايات مكدسة في كل مكان ، أما هواءه فقد كان لطيفا وجميلا، خاصة قبل شروق الشمس وبعد غروبها وحلول المساء بنسائمه الباردة العليلة ، وصلت للشقة وارتحت قليلا ، خرجت لشراء بعض المستلزمات ، لمحت قبر المعلم ، فوقفت برهة اتامله واقرأ لروحه الفاتحة..، اغتيل الدكتور علي شريعتي في باريس عام 1977م ونقل جثمانه إلى الشام، حيث دفن في هذا الحي، الذي يحوي ثلة من قبور الأعلام والشخصيات المرموقة، لعل من أشهرها الشاعر الكبير ألجواهري.. حي غريب فعلا ! انه مقصد الأحياء والأموات على السواء ، مقصد الإسلاميين والليبراليين، رجال الدين والشعراء والسياسيين ، على مختلف مقاصدهم ومشاربهم وانتماءاتهم .؟
دولة رخيصة لماذا؟
يشد الكثيرون الرحال لسوريا كل عام مستفيدين من رخصها مقارنة بمستويات المعيشة المكلفة في دول الخليج ، علاوة على ما تحتويه أرجائها من معالم سياحية وطبيعية وتراثية وترفيهية ودينية، إن الكثير منهم على ما أظن لم يفكروا بالسبب الذي يجعل دولة كسوريا تمتلك أراضي خصبة شاسعة وقاعدة سياحية وبنى صناعية لا باس بها ورصيدا جيدا من الاحتياطات النفطية والمعدنية، تعتبر بالنسبة لهم ولغيرهم دولة رخيصة ، كل شي فيها يعد زهيدا، ابتداء بالأكل والشرب والسكن وحتى الجنس! ذلك إن سوريا تعمد منذ حكم البعث في الستينات ( أي بعد الانقلاب الشهير الذي أطاح بدولة الوحدة المصرية السورية ) نظام التخطيط المركزي للاقتصاد ، أي الاشتراكية ، كان عبد الناصر قد أمم كل المرافق الحيوية في سوريا وجعلها تحت إدارة السلطة المركزية في القاهرة ، بعد انفكاك عرى الاتحاد وانهيار الجمهورية العربية المتحدة، عمد النظام السوري الجديد، الذي كان يحمل الاشتراكية كعقيدة سياسية واقتصادية إلى ترسيخ ما قام به عبد الناصر، إن المرافق الاقتصادية في هذا القطر العربي تحت سيطرة الدولة ، ومعظم القوى العاملة تعمل في المنشات الحكومية الخدمية والاقتصادية ، تسيطر الدولة على التجارة والزراعة والقطاع المصرفي والخدمات البنكية ، القطاع الخاص محدود في سوريا، وتفرض ضرائب عديدة على المواطنين ، فعند رغبة المواطن بتأسيس أسرة فانه يدفع ضريبة خاصة بالأسرة لا تقل عن عشرين ألف ليرة سورية ، وعند شراء سيارة جديدة، تفرض عليه غرامة ضخمة تقارب ال150 ألف ليرة نظير امتلاكها، عدا فرض رسوم جمركية باهظة تتجاوز ثمنها ، يدفعها المشتري في نهاية الأمر ليكون سعر السيارة في سوريا أكثر من ثمنها الحقيقي ب200% على الأقل ، في مقابل ذلك فان الخدمات الصحية والتعليمية مجانية للمواطنين، إلا إنها متواضعة ، وتقدم الحكومة لمواطنيها تسهيلات محدودة لمن أراد منهم الاستثمار في القطاع الزراعي، كما وان نظام التأمينات الاجتماعية( رغم كون سوريا دولة اشتراكية ) عديم الفاعلية ، الوضع الاقتصادي في سوريا رغم إمكانياتها الكبيرة يعتبر متردي ، ونسبة يعتد بها من السكان تحت خط الفقر، بسيطرة الدولة على كافة مرافق الحياة الاقتصادية أصبحت المؤسسات الحكومية غير منتجة وسعيها للمنافسة وجني الإرباح محدود .
تفرض السلطات نظام حماية لأسعار السلع الرئيسية، وتعاقب بشدة كل من يخالف التسعيرة الحكومية ، تقوم بعض الحكومات بدعم بعض السلع الرئيسة لتظل في متناول الجميع، عندما يأتي السائح لسوريا يلاحظ كيف أن الأسعار منخفضة قياسا بدول الخليج ،إلا أنها بالنسبة للمواطن السوري غير متكافئة مع ما يحصل عليه من دخل شهري، لقد فشل التخطيط المركزي في معظم الدول الاشتراكية، إن سوريا اليوم تعد من الاقتصاديات المتخلفة عن ركب التنمية ، فسياسة الإحلال وحماية الإنتاج الوطني وفرض الوصاية الاقتصادية والاستهلاكية اثبثت فشلها الذر يع في ظل العولمة واقتصاد السوق .
تسود الرشوة والبطالة أوساط المجتمع الخدمي والعمالي والأمني في سوريا ، وتعج المؤسسات بالبيروقراطية والفساد ، إلا أن السياح الخليجيين يظلون مستفيدين من تردي الأوضاع الاقتصادية وفشل الاشتراكية العربية ، لأنهم ببساطة يتمتعون بمستوى عالي من الخدمات ويحصلون على السلع إلى النصف من أسعارها الحقيقية، ليحضون بالتالي بإجازة صيفية غير مكلفة على حساب الشعب السوري، الذي يعاني من ضعف القوة الشرائية، جراء الاشتراكية الاقتصادية المفروضة بالقوة والغلبة ، و قديما قالوا مصائب قوما عند قوام فوائدا! قال لي احد الأصدقاء السوريين إن جورج قردا حي في برنامج من سيربح المليون سال المتسابق عن الأغنى بين 3 دول وهي: سوريا واليمن والسعودية.. طلب المتسابق حذف دولة فكانت اليمن ، واختار السعودية كأغنى دولة ، إلا إن جورج قردا حي أعلن خسارة المتسابق! فالإجابة الصحيحة إن سوريا أغنى من السعودية رغم امتلاك الأخيرة احتياطيات هائلة من النفط!
لعل هذه الرواية صحيحة فسوريا على غرار العديد من الدول العربية تمتلك موارد ضخمة إلا إن سوء الإدارة يظل عائقا أمام التنمية والاستغلال السليم للموارد.
التيارات المتلاطمة في الحي
حي السيدة زينب ليس سوى صورة مصغرة من عالم الشيعة الكبير، انه صورة من قم والنجف والمجتمعات الشيعية في كافة أنحاء العالم الإسلامي ، كافة التيارات الدينية الرئيسية حاضرة فيه بقوة، إلا إن لأتباع المرجع السيد صادق الشيرازي حضورا متميزا ، من خلال الحوزة العلمية والحسينيات والهيئات التابعة لها، يسيطر أتباع السيد الخامنئي على المقام من خلال مسجد المقام الذي تؤم فيه صلاة الجماعة وخطب الجمعة بإمامة السيد احمد الفهري الإخباريين والشيخيين ينذر وجودهم ، ممثلي السيد السيستاني وأتباعه كثيرون هنا ، التيارات الدينية والسياسية العراقية حاضرة ، لا سيما أتباع منظمة العمل الإسلامي بقيادة المرجع المدرسي، وكذلك المجلس الإسلامي العراقي الأعلى، أما أتباع رجل الدين الشاب مقتدى الصدر فلم الحظ لهم وجود ، أتباع حزب الله اللبناني يلحظ وجودهم بسهولة ، سواء في منافذ بيع المطبوعات الصوتية والورقية في أروقة المقام أو من خلال حسينياتهم ، يمكن رؤية صورة السيد حسن نصر الله إلى جانب الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد ، كما يمكن رؤية صورة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاة إلى جانبهما أو احدهما، لحزب الله وحركة أمل في الحي وجود من خلال المؤسسات الدينية ومكاتب تمثيلهما الرسمي في سوريا .
النظام السوري ليس نظاما دينيا كما هو معروف ، وإنما نظام يحمل فكر أيدلوجيا قوميا، بيد انه لا يكن عداء صارخا للإسلاميين ما داموا لا ينافسون الحزب الحاكم على السلطة ، عائلة الأسد وبعض العائلات التي يحتل أبنائها مناصب رفيعة في الدولة السورية يعتنقون المذهب العلوي، وهو مذهب ينتمي للاثنى عشرية على غرار الأصولية والإخبارية والشيخية وأخيرا التأويلية! شيعة الشام يطلق عليهم العلويين، وتنتمي إليهم عائلة الأسد ، مما يحكى إن وفدا علمائيا من الحي زار الرئيس الراحل في منزله الخاص بالشام، وعندما جلس الأعضاء في مكتبته شاهدوا لوحة ضخمة مكتوب عليها أسماء المعصومين الأربعة عشر، وكتب دينية كثيرة تتحدث عن فضائلهم ومناقبهم .
إن هذا هو السبب الذي جعل الحكومة السورية على الدوام لا تتخذ موقفا مناوئ من الشيعة في تناقض مع نظرائها من الدول العربية الأخرى، ولعله احد أسباب التحالف الوثيق بين سوريا وإيران وحزب الله، وتشكيلهم الجبهة الوحيدة تقريبا ضد المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط.
، فكون نظام الحكم يعتنق المذهب الشيعي ساعد كثيرا على صياغة علاقة متميزة مع إيران وحزب الله والقوى الشيعي الدينية والسياسية في معظم أنحاء الوطن العربي.
حي السيدة زينب شيعي صرف تقريبا، وسط أغلبية سنية ضخمة ، وتوفر الحكومة السورية لسكانه الأمن وحرية ممارسة الشعائر ، وتنعدم في سوريا أية أنشطة مناوئة للمذهب الشيعي أو أي مذهب آخر ، فذاك محظور في سوريا فكيف إذا ما كان النشاط العدائي موجها نحو مذهب البيت الحاكم في حزب البعث العربي والأحزاب المتحالفة معه ؟ وعلى العكس من بعض البلدان العربية التي تنظر شعوبها للشيعة نظرة ازدراء وجفاء ينظر السوريين للشيعة باحترام وتقدير على وجه العموم .
تسيطر على الحي التيارات الدينية التقليدية وتتحكم بشئونه تماما ، ثمة تيار مارقا تأسس قبل سنوات أطلقت عليه في إحدى مقالاتي تيار" التأويليين" أسسه الشيخ احمد البحراني ، وهو رجل دين كان في حوزة القائم بطهران قبل إغلاقها وطرد طلابها ومدرسيها ، وتوجههم إلى سوريا والحوزة العلمية الزينبية ، هذا الرجل ألف كتاب بعنوان "التأويل" مكون من ألف صفحة تقريبا باختصار انه يدعو إلى تأسيس نظام ديني وفقهي وعقائدي جديد للشيعة ، يقول في كتابه إن نظام التقليد والمرجعية والنيابة العامة للفقيه ليس سوى صورة أخرى من التسنن ولكن في قالب آخر وان نظام الحكم في الطائفة الشيعية بعيد تماما عن روح التشيع وأهداف أئمة أهل البيت وتضحياتهم ، تناول هذا الموضوع ليس بالأمر السهل لأنه عميق ومتشعب وسوف نخصص له وقفة مستقلة إن شاء الله ، بيد أن الشيخ البحراني استغرق منه تأليف كتابه أكثر من 7 سنوات، انه وأتباعه القلائل منعزلين ومعزولين عن التيارات الحاكمة في الحي ويواجهون معارضة عنيفة من قبل رجال الدين المسيطرين على حركة الحي واتجاهاته الفقهية والعقائدية ، تشرفت بلقاء الشيخ ومثلما رسمت صورته في ذهني، ليس سوى صورة أخرى من الاستبداد الحاكم ، انه يريد إزاحة نظام الحكم الديني الحالي ليحل نظامه محله ، سألته : من خلال منهجك في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية هل ترون الرق جائزا في الإسلام أم لا؟ إلا انه لم يجيب ، وظل يراوغ ، وأظنه يقول بالرق على غرار المشهور في الفقهين الشيعي والسني منذ تأسيسها وحتى اليوم ، ولم يجب على معظم الأسئلة التي سألتها إياه ، قلت في خاطري : ليست المشكلة إن عندك نظرية ورأي، الخلل الرهيب في داخلك انك تحاول فرض رأيك ونظريتك على الآخرين واعتبارها في وعيك وعقلك الباطن حقيقة علمية مطلقة القطع والصحة واليقين ........ يتبع