العراق.. ملامح الأفق الجديد
هل نحن نشهد تغيرا شاملا للمواقف تجاه العراق؟ تأملوا التالي:
عدد من القوى العربية التي كانت قد حاولت أن تتجنب العراق الجديد منذ سقوط صدام حسين في عام 2003 أعلنت تغيرا في سياستها، بما في ذلك اعتزامها إعادة فتح سفاراتها في بغداد. وقد وجهت أربع منها على الأقل دعوات إلى رئيس الوزراء نوري المالكي لزيارتها رسميا، مما يعني تغييرها سياستها التي كان الزعيم العراقي يعامل في ظلها باعتباره منبوذا.
وعند الربط بين تلك القوى، فإن الحدثين يمكن أن يؤشرا إلى إدراك العواصم العربية لاستحالة استبدال المالكي برجل يختارونه.
ومن ناحيتها فإن الجمهورية الإسلامية في طهران فرشت السجادة الحمراء للمالكي، منهية البرود الذي طبع مواقف رجال الدين منذ أن أخفقوا في فرض مرشحهم كرئيس للوزراء في بغداد، فيما انتقد بعض السياسيين العراقيين زيارة المالكي إلى طهران. ولكن كل من يزعم أن العراق يمكن أن يتجاهل إيران، بغض النظر عمن يحكم في طهران، هو شخص واهم لأن ما يقرب من 90 في المائة من سكان العراق يعيشون في مناطق لا تبعد أكثر من 60 ميلا عن الحدود الإيرانية. وإذا ما تركنا جانبا التجارة المرتبطة بوجود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، فإن ما يقرب من نصف التبادلات التجارية في الوقت الحالي هي مع إيران.
ومن المؤكد أن الجمهورية الإسلامية ستفعل كل ما في وسعها من أجل جعل الأميركيين ينزفون في العراق. ولكنني أشك في أن رجال الدين يريدون من قوات التحالف أن ترحل سريعا قبل أن يستقر العراق.
وهذه واحدة من الأشياء الغامضة المهلكة التي طبعت القضايا السياسية الدولية على الدوام.
كذلك أشار بلدان جاران للعراق هما تركيا وسورية إلى ما يمكن اعتباره تغييرا جوهريا في مواقفهما السلبية سابقا، تجاه العراق الجديد.
فتركيا رحبت بالمالكي بشكل لافت، وأعلنت تخليها عن تهديدها باستخدام التدخل العسكري ضد الإرهابيين الأكراد الأتراك المتمركزين في شمال العراق. بل ان رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي، رمى بثقله دعما للمالكي ووعد بالمشاركة في اتخاذ إجراءات مشتركة ضد الإرهاب.
ويعرف اردوغان أن الاستقرار في بغداد سيحرم خصومه خصوصا داخل القيادة العسكرية الداخلية من موقفهم القومي المفضل للتدخل ضد الإرهابيين في شمال العراق.
ولكن الأكثر دهشة هو التغير في الموقف السوري.
فللمرة الأولى اعترفت السلطات السورية بأن الإرهابيين الإسلاميين الذين يقاتلون في العراق لهم وجود داخل سورية. بل ان السوريين اعترفوا أيضا بأن وحدة من قواتهم وقعت في كمين على يد الإرهابيين، حيث قتل ستة جنود سوريين وجرح 11 آخرين. والرسالة واضحة: الإرهابيون الذي يقتلون العراقيين كل يوم، قادرون على توسيع ساحة قتلهم إلى سورية وما وراءها.
وهناك ما يدعى بـ«اللجنة الأمنية» التي تضم جيران العراق مع الولايات المتحدة وبريطانيا وتحولها إلى كيان ميداني، فذلك أيضا ضمن الأخبار الجيدة والمهمة أيضا.
إضافة إلى كل ذلك، هناك التحول من قبل الأمم المتحدة والصورة الجديدة أصبحت أكثر وضوحا. فلأكثر من 4 أعوام ظلت الأمم المتحدة تحاول إبقاء تدخلها في العراق أقل ما يمكن، فيما ظل الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان على قناعة بأنه كان قد حقق اتفاقا مع صدام حسين، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها قاموا خطأ بإسقاطه. في الوقت نفسه ظلت الأمم المتحدة مشلولة بعد اغتيال سرجيو دي ميلو مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق الجديد وصاحب الكاريزما المتميزة.
ولا يعاني الأمين العام للأمم المتحدة الكوري بان كي مون من مشاكل عنان الشخصية بخصوص العراق، بما في ذلك تورط ابنه وعدد من كبار مساعديه في قضية النفط مقابل الغذاء التي كان يديرها صدام حسين. وقد جدد الأمين العام بان التزام الأمم المتحدة بخصوص العراق، ولا سيما في قضية الحاجة السريعة للمساعدات الإنسانية.
وطبقا لأفضل المصادر، فإن نصف سكان العراق يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وفقا للخطوط التي أقرتها الأمم المتحدة في أواخر التسعينات.
كما بدأت الأمم المتحدة أيضا في تغيير موقفها اللامبالي تجاه مشكلة اللاجئين العراقيين.
ولا يعرف احد بالضبط عدد اللاجئين العراقيين بسبب أعمال العنف الحالية. ويزعم الأردن استضافته لمليون لاجئ عراقي. ولكن عندما سألنا في شهر ابريل الماضي لم يكن الأردنيون قد سجلوا أكثر من 18 ألف لاجئ عراقي فقط. ومعظم العراقيين في الأردن يعتبرون أنفسهم سكانا مؤقتين ومعظمهم يدفع نفقات معيشته.
أما بالنسبة لسورية فتزعم وجود 750 ألف لاجئ عراقي، ولكن الأرقام لا تؤيد ذلك. فقد سجلت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة 40 ألف «شخص مشرد» من العراق. ويشمل هؤلاء 25 ألفا على الأقل من أصول فلسطينية، بالإضافة إلى عدد غير محدد من المصريين والسودانيين الذين أتوا للعراق في عهد صدام حسين في إطار خطته لتغيير التوازن الطائفي في العراق.
وفي نفس الوقت عاد 1.5 مليون عراقي الذين كانوا لاجئين في تركيا وإيران لسنوات طويلة، إلى وطنهم منذ سقوط صدام.
ويعني ذلك أن عدد اللاجئين العراقيين يصل إلى نصف مليون لاجئ منذ عام 2003. وهذه الأرقام الجديدة تشمل عددا من المسيحيين الذين اضطروا للهروب تحت ضغط الأعمال الإرهابية من الشيعة والسنة. كما يوجد عدد ضخم من العراقيين المتعلمين، أي نوعية الناس الذين يحتاجهم العراق الجديد لبناء دولة ومجتمع.
والى ذلك فحكومة المالكي لم تبذل اهتماما كافيا بمشكلة اللاجئين ومشكلة المهجرين داخل العراق. (يصل العدد إلى مليون شخص، طبقا لمعظم التقديرات المحافظة). ومبلغ 25 مليون دولار التي خصصها المالكي لهذا الغرض مبلغ تافه. (تمثل أحدث ميزانية عراقية قدمها المالكي 44 مليار دولار، وهو رقم قياسي لهذا البلد).
والآن ونحن نقترب من قلب فصل الصيف، يبدو وكأن إجماعا عاما قد يتبلور بأن استقرار العراق في ظل النظام الجديد هو في مصلحة الجميع. والعراق لم يخرج بعد من مشاكله. ولا يزال العديد من الناس ملتزمين بتدمير العراق، ولا تزال هناك بعض القوى ترغب في دعم رهانها. الصراع من اجل العراق لم ينته بعد.