[ALIGN=RIGHT]
كتابات - طــاهــر الـخـزاعـي

تشكلت أول حكومة لعراق ما بعد صدام , تشكلت في أحرج اللحظات التي يمر بها العراق .. في مخاض من أعسر المخاضات حيث العراق يُراد له أن يتهاوى على كفِ هي من أخطر أكف العفاريت ! .. حكومة انتقالية مؤقتة أنجبها مجلس انتقالي مؤقت "محكوم" بقوات احتلال .. وبغض النظرعن محكومية أو حكومة مجلس الحكم .. وبغض الطرف عن كل السلبيات ولعل كل الايجابيات لا ترقى الى مفردة واحدة اسمها "الاحتلال" .. فالاحتلال شر مطلق , والاحتلال ظلام حالك بكل تفاصيله .. ولا شك إنَّ أدنى شعور بالوطنية تحتم على العراقي أن يرفض هذا الاحتلال وأن يعمل ما بوسعه لازالته وتحقيق حرية البلد واستقلاله .. والعيش تحت الاستبداد لا يختلف كثيرا عن "الحرية" - المشوبة بالفوضى - تحت نير الاحتلال , وكلاهما يوجب العمل على مقاومته وعلى التحرر منه , فتماما يجب أن تكون الدعوة والعمل للتحرر من استبداد صدام كالدعوة والعمل للتحرر من "حرية" الاحتلال ! .. فالحرية شعورٌ وهمٌّ ومجالٌ للتنفس الطبيعي يخنقها الاستبداد كما يخنقها الاحتلال وإن اختلفت العناوين والمسميات وحتى الوجوه ! .. وهذا يستدعي العمل بالأصل وتقديمه ذلك هو مقاومة الاحتلال كما كانت مقاومة الاستبداد .. لكن ما حدث للعراق وما آلت اليه الأمور من تداعيات الحرب وانهيار كامل لكل مؤسسات الدولة ليصبح العراق أشبه بغابة يسرح فيها المسالم والعدواني والوديع والمفترس , والأفواه الفاغرة التي تريد أن تلتهمه لقمة سهلة لتُشبع غرائزَ متجذرة فيها !! . هذا التحول أحدث اشكالية مَنْ الأولى بالتقديم المقاومة المسلحة أم المقاومة السياسية حالما يستقر العراق أو تعود له مؤسساته لتسيير أمور الناس ؟ .. ولا شك في حل هذه الاشكالية أن النظام مقدم على الفوضى وأن الحكومة - أياً كانت - أفضل من اللاحكومة .. ولكن في نفس الوقت يجب أن لا تُستغل مثل هذه الأولوية التي فرضها الظرف الخاص ويُساء استخدامها كي تكون مطية يركبها المحتلون خاصة وأن مسؤولية أمن العراق بيد المحتلين ويستغلها المتأمركون . هذه المقدمة الوجيزة أتيت بها لأوصل كلمات للحكومة العراقية الجديدة التي تشكلت اليوم وأدت القسم أمام
الشعب بل وأمام العالم بأسره وربما أول مرة بالتاريخ يتابع العالم كله أداء قسم وزراء في حكومة ما ! . وهو يعني أن الأنظار متوجهة كما هي متوجسة - بين الخيفة وبصيص الأمل - نحو الحكومة وبالتالي يجب أن يكون أول هاجس أمامها هو الاسراع لتحقيق الأمن لشعبهم .. هذا الشعب الذي يستحق كل التضحيات من أجله , الشعب الذي أثبت تماسكاً أذهل الأصدقاء والاعداء معاً وسجل حضوراً ووعياً لإفشال كل محاولات تفتيته وتمزيقه إرباً إربا !! والشعب بحاجة الى أمن : الأمن الذي لا تتقدم بلاد ولا تنجح حكومة من دونه .. الأمن الذي لا يزول الاحتلال من دونه !! الأمن الذي لا يزدهر اقتصاد مع فقدانه , فلتكن أولى أوليات الحكومة الجديدة الأمن .. والقَسم المؤدى اليوم من قبل الوزراء الجدد قسمٌ على توفير الأمن للشعب ( .. من أجل خدمة العراق والحفاظ عليه شعباً وأرضاً .. ) . فالأمن وتوفيره اذاً واجب من واجبات هذه الحكومة , وسيكون أول سؤال للشعب حول مفردة الأمن بل سيكون الفيصل في نجاح المهمة المدعاة من عدمها .. وتأتي أهمية الأمن بشكل خاص هنا كونه مقدمة لواجب آخر , واجبٌ من أعظم الواجبات وأشرفها ! ذلك هو الاستقلال واستعادة سيادة العراق من قوات الاحتلال . والشيء المهم والالتفاتة الرائعة في القسم جاءت من خلال تضمينه الحفاظ على سيادة العراق فكان القسم كما يلي : ( اقسم بالله العلي العظيم , أن أبذل كل ما بوسعي من أجل خدمة العراق والحفاظ عليه , شعبا وأرضا وسيادة , والله على ما أقول شهيد ) فالحفاظ على سيادة العراق أمر أقسم كل وزير اليوم أن يبذل كل ما في وسعه من أجلها .. والقضية لا تحتاج الى تأويل أو تفسير من أحد فالسيادة تعني الاستقلال وتعني بكلمة واحدة واضحة : إنهاء الاحتلال الانجلوأمريكي للعراق .. ومن هنا توجب علينا نحن أبناء العراق ممن يتطلع الى انهاء
الاحتلال في أسرع وقت ممكن توجب علينا تذكير أعضاء الحكومة الجديدة لنقول لهم : أيها السادة الوزراء , لقد أقسمتم على بذل كل ما في وسعكم من أجل الحفاظ على العراق شعبا وأرضا وسيادة , وبالتالي فإنكم تحملتم مسؤولية إنهاء الاحتلال وصار من حقنا أن نلزمكم بما ألزمتم به أنفسكم فأقسمتم أمام العالم بأسره وإنه بوسعكم عمل الكثير وبوسعكم أن تنفذوا ما أقسمتم عليه وإنَّـه قسمٌ لو تعلمون عظيم .
[/ALIGN]