البطاقة الشخصية للإمام
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [من سرّه أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي]
الاسم: الحسن عليه السلام.
الكنية: ابو محمد [كناه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم].
اللقب: التقي، الزكي، السبط.
أسم الأب: علي أمير المؤمنين عليه السلام.
أسم الأم: فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
العمر: 48 سنة.
تاريخ الولادة: في النصف من شهر رمضان سنة 3 من الهجرة.
مكان الولادة: في المدينة.
مكان الشهادة: المدينة.
اسم القاتل: دس اليه السم معاوية لعنه الله بواسطة زوجة الامام الحسن عليه السلام جعدة بنت الاشعث بن قيس لعنهم الله.
مكان قبره: البقيع.
الإمام من بعده: الامام الحسين عليه السلام.
أولاده: زيد، الحسن، عمرو، القاسم، عبد الله، عبد الرحمن، طلحة.
بناته: أم الحسن، ام الحسين، فاطمة، ام عبد الله، ام سلمة، رقية.
مدة امامته: عشر سنين.
سيرته عليه السلام
شق على معاوية ان يرى بيت النبوة عامراً ولو من غير حكم ظاهري وهو الذي حاول هدم صرح الرسالة بمعول الجاهلية وفاس تغيير سنّة النبي صلى الله عليه وآله بشتى الطرق الملتوية وخصوصاً حينما ارسى دعائم الحكم الاموي لذا توجه صوب الامام الحسن عليه السلام باعتباره الممثل الحقيقي لرسالة جده المصطفى فقرر اغتياله بالسم واولى هذه المهمة الى جعده بنت الاشعث زوجة الامام الحسن عليه السلام ومناها بمائة الف درهم وبالزواج من ابنه يزيد الفاسق فكان ما اراد معاوية وتحقق حلمه المشؤوم على يد هذه الخبيثة ابنة الخبيث الاشعث الذي اشترك بدم امير المؤمنين عليه السلام. والذي قاد الحركه النفاقيه ضد الامام علي عليه السلام في الكوفة كما ان ولده قيس ابن الاشعث قاد قبيلة كنده لحرب الامام الحسين عليه السلام وقد قام بسرقة قطيفة الامام عند استشهاده فسمى بـ (قيس القطيفة) وولده الاخر محمد بن الاشعث الذي قام بمحاربة مسلم بن عقيل واسره بعد ان اعطاه الامان حتى اذا قتل مسلم اشترك في قتال الامام الحسين عليه السلام فيالها من عائلة لطخت ايديها بدماء الازكياء من آل الله، وانها من تلك الشجرة الخبيثة التي التصقت بالشجرة الملعونة في القرآن، باعت دينها بدنيا غيرها ولم تحصل على ما رامت اليه، فقد هلك الاشعث بعد شهادة امير المؤمنين عليه السلام بايام قلائل وكسبت بنته جعده العار والشنار وكذلك كانت نهاية قيس بن الاشعث حيث قتله مختار الخير الثقفي. فالمتتبع لحياة الحسن السبط عليه السلام وأخيه الحسين عليه السلام لابد أن يصل إلى حد القطع أنهما قد توافرت لهما من التربية والإنشاء الروحي والفكري ما لم يتسن لسواهما بعد جدهما صلى الله عليه وآله وسلم وأبيهما عليه السلام، فبصمات الوحي والاعداد الإلهي، صارا طابعاً مميزاً لشخصيتهما في شتى الملامح والعناصر والمنطلقات، فانهما تلقيا أرقى ألوان التربية الاسلامية على يد جدهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأبيهما علي عليه السلام، من خلال القدوة والتوجيه المباشر الحي، ولئن فقدا جدهما وأمهما في سن مبكر، فان الامداد التربوي بقي هو هو، يتلقيانه في ظلال ابيهما علي بن أبي طالب عليه السلام تلميذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وربيب مدرسة الوحي، التي تشع على الناس هدى ورحمة. وهكذا عايش الحسنان مرحلة الاعداد الإلهي واُعّدا لتحمل أعباء الدعوة لرسالة الله، بشكلها ومضمونها، فكانت ثمرة ذلك الاعداد الفذ أن صار الحسنان إسلاماً يسير على الأرض. وبما أن عناصر شخصيتي الامامين لا تختلف بحال، لذا كانا نسخة واحدة من حيث السلوك والمسار والخطى والأهداف، حسب ما يحكم به الاسلام بالنظر إلى الواقع. وإنَّ طبيعة حديثنا تقتضي أن نسوق أمثلةً حية من نشاطات الامام الحسن السبط عليه السلام الروحية والعلمية والخلقية:
1 ـ الجانب الروحي: إنَّ الاعداد الأصيل، الذي توفر للامام السبط عليه السلام، قد وفّر لكيانه الروحي سمّواً شاهقاً ، فكان تقرّبه إلى الله وانشداده إليه سبحانه أمراً يهز القلوب ويخشع له الوجدان.
وهذه إضمامة من هذه المظاهر التي تكشف هذا الجانب من شخصيته.
فعن الامام الصادق عليه السلام قال: [إنَّ الحسن بن علي عليهما السلام كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم]. ورد في روضة الواعظين: إنَّ الحسن عليه السلام كان إذا توّضأ ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك، فقال: [حق على كل من يقف بين يدي رب العرش، أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله]. وعن الامام الصادق عليه السلام: [إنّ الحسن بن علي عليهما السلام حجّ خمساً وعشرين حجة ماشياً، وقاسم الله تعالى ماله مرتين، وقيل ثلاث مرات]. وكان عليه السلام إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر القيامة والعرض على الله يشهق شهقة يُغشى عليه منها. وكان اذا ذكر الجنة والنار أضطرب أضطراب السليم، وسأل الله الجنة، وتعوذ بالله من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عزوجل "ياأيها الذين آمنوا" الا قال: لبيك لبيك اللهم لبيك. ولا يمر في شيء من أحواله الا ذكر الله سبحانه.
2 ـ الجانب العلمي: اذا كان العقل الحي المتفتح ركيزة أساسية من مرتكزات الشخصية الاسلامية، وإذا كان الرسول صلى الله وعليه وآله وسلم والأئمة الهداة من أهل البيت عليهم السلام قد تسنموا قمة التسلسل في درجات الشخصية الاسلامية، باعتبار خضوعهم للاعداد الإلهي المباشر، في شتى عناصر الشخصية ومكوناتها، فمن خلال هذا التصور الدقيق، فإن الامام السبط عليه السلام والهداة الميامين عليهم السلام، قد توافر لهم من النشاط الفكري الرائد، في شتى مجالات الحياة، مالم يتوافر لسواهم من البشر، يعلل ذلك طبيعة التلقي، الذي يتوافر للأئمه، فالامام إما أن يتلّقى العلم عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، أو يتلقاه بالواسطة عن طريق إمام سابق عليه.
إن الانفتاح الروحي والفكري الكامل للامام عليه السلام على كتاب الله وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، قد هيأت له الاستيعاب الشامل للفكر والتشريع الرباني بدقته وواقعيته، بعيداً عن الخطأ والاشتباه. وبمقدور أي منصف أن يدرك هذه الحقيقه، من خلال تتبعه لحياة الأئمة عليهم السلام، الذين لم يحدّثنا تاريخهم قط ان أمراً قد أشكل عليهم في أي باب من أبواب الجانب المعرفي، أو أنهم تعذرت عليه الاجابة عن سؤال، او استفسار أو إشكال سواء في أمر فكري أو تشريعي أو علمي أو نحو ذلك وإليك بعض الأمثلة:
1 ـ سأله معاوية لعنه الله: يا ابا محمد ثلاث خلال ما وجدت من يخبرني عنهن.
قال عليه السلام: وما هي: قال المروءة، والكرم، والنجدة. فقال عليه السلام: اما المروءة: فاصلاح الرجل امر دينه، وحسن قيامه على ماله، ولين الكف، وافشاء السلام والتحبب الى الناس.
والكرم: العطية قبل السؤال، والتبرع بالمعروف والاطعام في المحل.
ثم النجدة: الذب عن الجار، والمحامات في الكريهه، والصبر عند الشدائد(1).
2 ـ كتب ملك الروم الى معاوية لعنه الله يسأله عن ثلاث عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن اول قطرة دم على الأرض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة. فلم يعلم معاوية لعنه الله ذلك. فاستغاث بالحسن بن علي عليهما السلام. فقال: ظهر الكعبة، ودم حواء، وارض البحر حين ضربه موسى(2).
هذه نبذة من علومه وقبسات من أنوار معرفته وكمال عقله الذي حباه الله به، ذكرناها كنماذج من الإرث الفكري الزاخر الذي تركه لأجيال الأمة الاسلامية بامتدادها التاريخي.
3 ـ الجانب الخلقي: حين نتناول هذا الجانب من شخصية الامام السبط عليه السلام بالدراسة لا نقصد أن الأئمة الهداة عليهم السلام يتباينون في هذا الجانب أو سواه من عناصر الشخصية الاسلامية المثلى، فهم سواء في ذلك، وحين نسلط الضوء على الجانب الأخلاقي من شخصية الامام السبط عليه السلام، فإنما نعني بذلك عرض نماذج من أخلاقه واسلوب تعامله مع الناس، نذكر طرفاً من أخلاقه المثلى، لكي تكون مثلاً يحتذى ومنهجاً يُقتدى:
أ ـ روت كتب السيرة انه عليه السلام مرَّ على جماعة من الفقراء. قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز، كانوا قد التقطوها من الطريق، وهم يأكلون منها، فدعوه لمشاركتهم في أكلها، فأجاب دعوتهم قائلاً: [إن الله لا يحب المتكبرين]. ولما فرغ من مشاركتهم، دعاهم لضيافته، فأغدق عليهم المال واطعمهم وكساهم.
ب ـ روي عنه أنّه عليه السلام مرّ على صبية يتناولون طعاماً، فدعوه لمشاركتهم فأجاب الدعوة، ثم دعاهم إلى داره وأجزل لهم العطاء.
المخططات والمواجهات
عاصر الامام الحسن عليه السلام خضم الصراعات السياسية والاتجاهات العقائدية المنحرفة بعد وفاة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حيث انحرفت الامه عن خطها الرسالي وابتعدت عن قيادتها، الحقيقية والشرعية، نتيجة لبروز التيار السياسي الاموي الذي حاول وبكل الوسائل الخبيثة تشويه وطمس معالم الخط الاصيل وذلك وفق دراسات وخطط اتخذت الطابع الديني وسيلة في عملية التوغل والتدرج في نفوس الامة، وقد اتخذت هذه الممارسات اشكالاً مختلفه، من الاطروحات المنحرفه وقد تجذر وتعمق هذا الخط في جسد الامة الاسلامية علنا على الارضية الاجتماعية والسياسية وراح يتلاعب بمقدراتها وطاقاتها وبشكل سافر. وقد وقف الامام الحسن عليه السلام مع ابيه امير المؤمنين عليه السلام في عملية التغيير والتصدي، وارجاع الامه الى رسالتها ومبادئها الاسلامية، لذا جاءت مشاركته لابيه في معاركه الثلاث تجسيداً لمواقفه الرسالية في مواجهة السياسه الاموية المشوهة. وبعد شهادة الامام علي عليه السلام تولى قيادة المسلمين في جو سادته الفوضى وعدم الاستقرار، وذلك يعود لما وصلت اليه الامه، من حالة الضعف والاستكانه والتي برزت في الاربعينات من الهجرة. وبالرغم من كل الظروف الصعبه والحساسة، اخذ الامام الحسن عيله السلام مسؤوليته الشرعية في مواصلة جهاده من اجل القضاء على الخط الاموي المنحرف، حيث استنهض الامه لقتال معاوية، من خلال بياناته وخطبه التي تدعو الى المواجهه والقتال، وترسيخ مفهوم الجهاد في نفوس الامه. لكن الاستجابة من قبل الامة كانت ليست بالمستوى المطلوب، فبدل أن تتهيأ وتستعد للمواجهة راحت تشكك في عملية المواجهة، حيث كانت استجابتها ِثقيله ومتباطئه بل تخاذلت عن النصرة. اما المخلصون فكانوا ثله قليلة، هذه الحالة جاءت ضمن المخطط الاموي الذي كان يرسمه معاوية لعنه الله في داخل العراق والحجاز من قبل، فاستغله واخذ يبذل العطاءات والاغراءات المادية الى رؤساء العشائر والقبائل التي كان لها الدور السياسي والاجتماعي في تسيير حركة المجتمع فوصلت بهم الحالة الى الاستعداد لقتل الامام الحسن عليه السلام او تسليمه الى معاوية في أي مواجهة عسكرية اضافه الى ذلك عمد معاوية الى تمزيق وحدة جيش الامام الحسن عليه السلام عن طريق الاغراءات وبث الإشاعات الكاذبه مستغلا الفراغات الروحية والفكرية المنهارة لجيش الامام الحسن لذا الحّ على الامام بقبول الصلح وعدم المواجهه الحربية. هذه الصورة الميدانية التي واجهت الامام عليه السلام، وهذا الوضع الاجتماعي والنفسي الجأه الى الصلح ولكن بشروط بعده شروط وذلك حفاظا على بيضة الاسلام وعلى المخلصين من انصاره، وكذلك ليترك الامه وجها لوجه، مع النظام الأموي لتكشف بنفسها حقيقته وطبيعته الشريره، وبالفعل لم تستمر صورة هذا النظام المقنّعه بالصفه الدينية طويلا فقد اتضح زيف وحقيقة هذا النظام في اول خطبه لمعاوية في الكوفة بعد الصلح حيث قال [يا اهل الكوفة اترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تصلون وتزكون وتحجون ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم...] ثم اعقبها بسلسلة من الاجراءات القمعية والوحشية من القتل، والتشريد والتهجير، مستهدفاً القضاء وطمس معالم الخط الرسالي الاصيل المتمثل بالائمه الاطهار وذلك باعلان سب الامام علي عليه السلام على المنابر كما استهدف، مصادرة ضمير الامه وارادتها، وارجاعها الى. جاهلية ابيه (ابوسفيان) محاولةً منه للقضاء على الرسالة المحمدية.
بعض اجوبة الامام عليه السلام
نقدم في هذه المقالة القصيرة بعض اجوبته عليه السلام في مسائل شتى من الاخلاق والعرفان والاداب وجوابه عليه السلام ـ على اختصاره ـ لا نجد في مطولات كتب الأخلاق، وحكماء الاسلام. وبعض هذه الاسئله، سأله عنها امير المؤمنين عليه السلام اظهاراً لفضله، واشادة بمقامه. كما ان بعض هذه الاسئلة بدرجة من الغموض ـ كمسائل ملك الروم ـ لا يمكن الاجابه عنها، والاهتداء اليها. ولكنهم أهل البيت علمهم عن جدهم عن جبرئيل عن الله.
1 ـ سئل عليه السلام عن عشرة اشياء بعضها اشد من بعض فقال: اشد شيء خلق الله الحجر، واشد منه الحديد، يقطع به الحجر، واشد من الحديد النار تذيب الحديد، واشد من النار الماء، واشد من الماء السحاب، واشد من السحاب الريح التي تحمل السحاب،واشد من الريح الملك الذي يردها، واشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك، واشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، واشد من الموت امر الله الذي يدفع الموت(3).
2 ـ وعنه عليه السلام في جواب ملك الروم: ما لا قبله له فهو الكعبة، وما لا قرابة له فهو الرب تعالى(4).
التشييع المهيب للامام عليه السلام
كان تشييع الامام تشييعاً حافلاً لم تشهد نظيره عاصمة الرسول، فقد بعث الهاشميون الى العوالي والقرى المحيطة بيثرب من يعلمهم بموت الإمام فزعوا جميعاً الى يثرب ليفوزوا بتشييع الجثمان العظيم(5). وقد حدّث ثعلبه ابن مالك عن كثرة المشيعين فقال: (شهدت الحسن يوم مات، ودفن في البقيع، ولو طرحت فيه ابره لما وقعت إلا على رأس انسان)(6) ، وقد بلغ من ضخامة التشييع أن البقيع ما كان يسع أحداً من كثرة الناس، وحق على المسلمين أن يهبّوا لتشييع حفيد نبيهم الذي تكفل بمصالحهم، وعال بضعيفهم وعاجزهم، وأوقف نفسه على البر والمعروف اليهم.
الفتنة التي حدثت في تشييع الامام الحسن عليه السلام
واتجهت مواكب التشييع نحو المرقد النبوي ليجددوا بهذا التشييع للجثمان الطاهر للامام عهداً عند جده ويوارونه بجواره، ولما علم الأمويون ذلك تكتلوا وانضم بعضهم الى بعض فقد دفعتهم الأنانيه والبغضاء والحقد الاعمى للهاشميين إلى إحداث المعارضة والشغب في دفن الإمام بجوار جده ذلك لأنهم رأوا أن عميدهم عثمان قد دفن في حش كوكب مقبرة اليهود، ويدفن الحسن عليه السلام مع جده فيكون ذلك عاراً عليهم وخزياً، وأخذوا يهتفون بلسان واحد: (يا رب هيجاء، هي خير من دعة، أيدفن عثمان باقصى المدينة، ويدفن الحسن عليه السلام عند جده!!؟). فقامت عائشه مسرعة مدهوشة، فجيء لها ببغلة فامتطتها وأقبلت الى مواكب التشييع الحاشدة، وهي تصيح بلا اختيار قائله: [لا تُدخلوا بيتي من لا أحب!! والله لا يدفن الحسن ههنا أبداً أو تجزَّ هذه ـ وأومت بيدها الى شعرها ـ]. فأراد بنوهاشم المجادلة فقال الحسين عليه السلام: الله الله لا تضيّعوا وصيّة أخي، واعدلوا به إلى البقيع فأنّه أقسم عليَّ إن أنا مُنعت من دفنه مع جدّه صلى الله عليه وآله وسلم أن لا أخاصم فيه أحداً وأن أدفنه بالبقيع مع أمّه عليها السلام فعدلوا به ودفنوه بالبقيع معها عليها السلام.
أقوال العلماء
هذه كلمات لبعض كبار الصحابه، والتابعين، وغيرهم من العلماء، والشخصيات ما في الامام الحسن عليه السلام وهي وان كانت تفصح عن اكبار هؤلاء الاعلام لشخصية الامام عليه السلام، وسمو مقامه، الا انها تتضاءل أزاء مدحة الله تعالى له اذ جعله مطهراً من الرجس، وتتلاشى عند مدحة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم له اذ جعله سيد شباب أهل الجنه.
1 ـ قال عبد الله بن جعفر لمعاوية لما قال له: انت سيد بني هاشم. قال: سيد بني هاشم حسن وحسين(7).
2 ـ قال ابو بكرة بن عبيد لما بلغه موت الحسن عليه السلام: فقد الناس بموته خيراً كثيراً، يرحم الله حسنا(8).
3 ـ قال واصل بن عطاء: كان الحسن بن علي عليهما السلام سيماء الانبياء، وبهاء الملوك(9).
وفي الختام ندعوا من الله بحق هذا الشهر العظيم ان يعفوا عنا ويغفر لنا ذنوبنا انه هو التواب الرحيم واخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين.
مظاهر الامام الحسن..
إن الذي يتربّى في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتغذى على يدي علي وفاطمة عليهما السلام ويتخرج من مدرستهم الفياضة بالعطاء الثر يكون غنيًّا عن التعريف، فكيف بالإمام الحسن الذي ملأ الدنيا جوداً وكرماً وسماحةً وفضلاً، وهو الإمام المعصوم بنصّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وثاني خُلفائِه.
لقد حدثنا التاريخ بأن الإمام الحسن كان شديد الاهتمام بالفقراء والمساكين، ولم يقصده أحد بحاجة إلاّ ورجع بقضاء حاجته ويهبه الإمام من لدنه سعةً وفضلاً؛ فمعين الجود لم ينضب، وروح النبوّة والإمامة كانت تفوح من جنبيه وتفيض من بين شفتيه في كل موطن وموقف حلّ به سلام الله عليه، وكانت عبادته عبادة الصدّيقين وسيماؤه سيماء النبيين، وقد ورث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هيبته وسؤدده، وكان باب الله الذي منه يؤتى وإليه يهتدى.. وإليك عزيزي القارئ بعضاً من سجاياه وصفاته:
عبادته
كان الإمام الحسن إذا أراد الوضوء تغيّر حاله، فيصفرّ لونه وترتعد فرائصه، فسئل عن سرّ ذلك فقال:
«حقٌّ على من وقف بين يديّ ربِّ العرش أن ترتعدَ فرائصُه ويصفرَّ لونُه»(1).
وكان إذا أراد دخول المسجد قال:
«إلهي، ضيفك ببابك؛ يامحسنُ قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك ياكريم»(2).
وجاء في البحار للعلامة المجلسي ... «عن المفضّل بن عمر قال: قال الصادق (عليه السلام): حدثني أبي عن أبيه عليهما السلام إن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم؛ كان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذِكرُه شَهِق شهقةً يُغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم(3)، وسأل الله الجنة وتعوّذ به من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عزّ وجلّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) إلاّ قال: «لبيك اللّهمّ لبيك»، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلاّ ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم لساناً».(4)
كما أنه «حجّ بيت الله الحرام خمساً وعشرين حجة ماشياً على قدميه... وسُئل عن كثرة حجه ماشياً فأجاب: إني أستحيي من ربي أن لا أمضي الى بيته ماشياً على قدميّ».(5)
هيبته وسيماؤه:
إن فاطمة عليها السلام أتت بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: انحل ابنيّ هذين يارسول الله. ـ وفي رواية: هذان ابناك فورّثهما شيئاً ـ فقال: «أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي».(6)
عن أنس بن مالك قال: «لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن علي عليهما السلام».(7)
وقال ابن الزبير: «والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي في هيبته وسموّ منزلته».(8)
أمّا واصل بن عطاء البصري، وكان متكلماً بليغاً، فقد قال في الإمام الحسن عليه السلام: «كانت على الحسن سيماء الأنبياء وبهاء الملوك».(9)
ورأى هيبة الإمام الحسن عليه السلام ووقاره أحد الحاقدين عليه، فلم يتمالك نفسه، فقال للإمام عليه السلام: فيك عظمة!
فأجابه الإمام عليه السلام: «إن فيَّ عزّة»!
ثم تلا قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(10).
حكمه ومواعظه:
ما تشاور قوم إلاّ هُدوا إلى رُشْدِهم.
إنّ مَنْ طلب العبادة تزكّى لها.
تُجهل النِّعم ما أقامت، فإذا ولّت عُرفت!
الوعد مرض في الجود، والإنجاز دواؤه.
المسؤول حرّ حتى يعِد، ومسترقّ حتى يُنجز.
لا تُعاجل الذنب بالعقوبة، واجعل بينهما للاعتذار طريقاً.
لا يغشّ العاقل مَن استنصحه.
الفرصة سريعة الفوت، بطيئة العَوْد.
أشدّ من المصيبة سُوءُ الخُلُق.
القريب مَنْ قرّبته المودّة وإن بعد نسبه، والبعيد مَنْ باعدته المودّة وإن قرب نسبه.
مروءة القناعة والرضا أكثر من مروءة الإعطاء.(11)
السياسة في نظره:
وسئل عن السياسة يوماً فأجاب عليه السلام:
«هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات؛ فأمّا حقوق الله: فأداء ما طلب، والاجتناب عمّا نهى. وأمّا حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخر عن خدمة أمّتك، وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لأمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السويّ. وأمّا حقوق الأموات: فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم، فإن لهم ربًّا يحاسبهم».(12)
عفوه:
اجتاز على الإمام شخص من أهل الشام ممّن غذّاهم معاوية بالكراهية والحقد على أهل البيت، فجعل يكيل للإمام السب والشتم، والإمام ساكت لم يرد عليه شيئاً من مقالته. وبعد فراغه التفت الإمام فخاطبه بِناعِم القول وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلاً:
«أيها الشيخ، أظنك غريباً؛ لو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك...».
وما زال عليه السلام يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه، حتى ذُهل ولم يطق ردّ الكلام، وبقي حائراً خجلاً كيف يعتذر للإمام، وكيف يمحو الذنب عنه! وطفق يقول: «الله أعلم حيث يجعل رسالته...».(13)
فصاحته وبلاغته:
وجّه الإمام علي عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام أسئلة تتعلق بأصول الأخلاق والفضائل، فأجابه بجواب يفيض بالبلاغة مع الإيجاز. وإليك المحاورة:
الإمام علي عليه السلام: يا بنيّ، ما السداد؟
الإمام الحسن عليه السلام: يا أبتِ، السداد دفع المنكر بالمعروف.
ـ ما الشرف؟
ـ اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
ـ ما المروءة؟
ـ العفاف وإصلاح المرء ماله.
ـ ما الدنيئة؟
ـ النظر في اليسير ومنع الحقير.
ـ ما اللؤم؟
ـ احتراز المرء نفسه، وبذله عُرسه!
ـ ما السماحة؟
ـ البذل في العسر واليسر.
ـ ما الشحّ؟
ـ أن ترى ما في يديك شرفاً، وما أنفقته تلفاً.
ـ ما الإخاء؟
ـ الوفاء في الشدّة والرخاء.
ـ ما الجبن؟
ـ الجرأة على الصديق، والنكول عن العدو!
ـ ما الغنيمة؟
ـ الرغبة في التقوى، والزهادة في الدنيا.
ـ ما الحلم؟
ـ كظم الغيظ وملك النفس
ـ ما الغنى؟
ـ رضى النفس بما قسم الله وإن قلّ، فإنّما الغِنى غِنى النفس.
ـ ما الفقر؟
ـ شره النفس في كل شيء.
ـ ما المنعة؟
ـ شدّة البأس ومقارعة أشدّ الناس.
ـ ما الذلّ؟
ـ الفزع عند المصدوقية.
ـ ما الجرأة؟
ـ موافقة الأقران.
ـ ما الكلفة؟
ـ كلامك فيما لا يعنيك.
ـ ما المجد؟
ـ أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم.
ـ ما العقل؟
ـ حفظ القلب كل ما استرعيته.
ـ ما الخرق؟
ـ معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.
ـ ما الثناء؟
ـ إتيان الجميل، وترك القبيح.
ـ ما الحزم؟
ـ طول الأناة، والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن، هو الحزم.
ـ ما الشرف؟
ـ موافقة الإخوان.
ـ ما السفه؟
ـ اتّباع الدناة، ومصاحبة الغواة.
ـ ما الغفلة؟
ـ تركك المسجد، وطاعتك المفسد.
ـ ما الحرمان؟
ـ تركك حظّك وقد عُرض عليك.(14)
نبذة عن حكمة صلح الامام الحسن عليه السلام
أهم سؤال يطرح في حياة الإمام الثاني الإمام الحسن عليه السلام هو صلحه مع معاوية بن أبي سفيان، فما هي فلسفة هذا الصلح بين إمام معصوم وطاغية جائر ؟
الجواب على هذا السؤال يتطلَّب يبتني على مقدمات :
الأولى: إنَّ الصلح ليس أمراً سيِّئاً دائماً ولا الحرب هو حسنٌ دائماً، كيف ورسول الله صلى الله عليه وآله قد صالح المشركين؟!
الثاني: لا شك أن الإمام الحسن عليه السلام لم يكن خائفاً بل هو الذي كان يقود الجيش كما أنَّ قتاله مع معاوية في صفين رغم صغر سنِّه أدلّ دليل على شجاعته.
الثالث: العارف لحقيقة الإمامة لا مجال له أن يطرح مثل هذه التساؤلات أصلاً بل كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم «هما إمامان إن قاما وإن قعدا» فما فعله الإمام المعصوم هو عين الحق والصواب فهو الحجَّة على العباد.
ولكن : مع ذلك نشير إلى جانب من حكمة هذا الصلح المبارك فنقول:
إنَّ مقرَّ الإمام الحسن عليه السلام كان في الكوفة ومعاوية في الشام، فمعاوية أرسل جيشاً عظيماً لمحاربة الإمام عليه السلام، والإمام أيضاً واجهه بجيش عظيم يقول أبو الفرج الإصفهاني بهذا الشأن:
«وكان أول شيء أحدثه الحسن عليه السلام أنه زاد المقاتلة مائة مائة، وكان علي عليه السلام فعل ذلك يوم الجمل، وفعله الحسن حال الاستخلاف، فتبعه الخلفاء بعد ذلك».
الموقف الشجاع:
لاحظْ كتاب الإمام عليه السلام يخاطب فيه معاوية قال :
«من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد:
فإن الله جل جلاله بعث محمداً رحمة للعالمين ومنةً للمؤمنين... إلى أن قال: فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله ولكتابه.... إلى أن قال:
فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين.. إلى أن قال: وإن أبيت إلا التمادي في غيّك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين».
وعندما أعلن الجهاد خطب عليه السلام في الناس وقال:
«أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد: إصبروا إن الله مع الصابرين، إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحركَ، لذلك أخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون.
قال مؤرخوا الحادثة:
وسكت الناس فلم يتكلم أحد منهم ولا أجابه بحرف».
المكر والحيلة:
ولكن قادة لجيشه عليه السلام ، اشتروا بأموال معاوية :
أحدهما: بمليون درهماً ، خمسائة ألف نقداً والباقي نسيةً، فالتحق بمعاوية مع أربعة ألأف جندياً.
والثاني: ظن الإنهزام فخرج عن ساحة القتال مع عدد كبير ممن معه وكان هتافه «لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء»، ففرح معاوية من ذلك.
وأمّا الإمام عليه السلام فقد حرَّض أصحابه إلى الحرب وكان معه عدد من الجنود. فانزعج معاوية من ذلك لأنَّه كان يعرف قوَّة الإمام الحسن ويخاف منه .
الإشاعات:
استغلَّ معاوية هذه الفرصة وقال لعدد من أصحابه تغلغلوا في جيش الإمام ثمَّ اخرجوا منه وقولوا أننا إلتقينا بالإمام وهو قد وافق على الصلح .
وبالفعل هؤلاء قد أشاعوا بين الناس أنَّ الفئتين من المسلمين قد تصالحا -رغم أنَّه لم يتحقق شيء أصلاً- وهذا ما أثّر في عدد كبير من جنود الإمام عليه السلام حيث انعزلوا عنه، فاستغلَّ معاوية هذه الفرصة فأرسل رجلاً فضرب رِجلَ الإمام عليه السلام بسيفة فأجرحها، ورغم ذلك لم يزل الإمام مستمراً في حركته نحو جبهة القتال، وهذا ما أجبر معاوية للتشبث بكلِّ حشيش.
الصلح:
فإذا بورقة بيضاء مكتوب فيها: أنا معاوية أصالح الحسن بن علي ضمن الشروط وهي: (ولم يكتب أيَّ شرط وإنَّما طلب من الإمام أن يكتب ما أراد) وختم معاوية على تلك الورقة.
هنا لابد له عليه السلام أن يقبل الصلح، بحيث لو لم يكن يقبله لقتل بنو هاشم جميعاً، مضافاً إلى أنَّ التاريخ يسجَّل في صالح معاوية لأنَّه هو الذي التجأ إلى الصلح وأراد وقف إطلاق النار.
إختلاف الموقفين:
وهذا يختلف عن الإمام الحسين عليه السلام تماماً حيث طلب منه إمّا البيعة أو الشهادة، فالذي اقترح وقف إطلاق النار هو الإمام الحسين حيث قال:«لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرُّ فرار العبيد» وسياسة الإمام الحسن عليه السلام هنا هي سياسة تعجيزيَّة حيث قيَّد في بنود الصلح أموراً يعجز معاوية عن تنفيذها، وبالنتيجة تمكَّن من أن ينتصر عليه .
أمراض المجتمع:
والأمراض التي كان يعاني منها المجتمع آن ذاك كان لها دور في أمر الصلح، وأهم تلك الأمراض هي:
1-عدم المعرفة(الجهل).
2-عدم الإرادة(الخوف).
فلم يكن المجتمع يعرف حقيقة معاوية بن أبي سفيان ومدى عداءه للإسلام، فكان ينبغي للإمام عليه السلام أن يركِّز في أذهان المسلمين مدى شيطنة معاوية وبعده عن واقع الدين الإسلامي وعدم التزامه بالأمانة والعهد رغم تظاهره ونفاقه.
وأمّا:
في عصر الإمام الحسين عليه السلام كان المجتمع يعرف يزيد بن معاوية حق المعرفة والمشكلة التي كانوا يعانونها هي الخوف ، كما تدلُّ على ذلك شواهد كثيرة في التأريخ، فهذا الفرزدق يقول للإمام الحسين عليه السلام وهو في الطريق: «قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أميّة».
«فكل مرض يحتاج إلى دواء خاص به ، فدواء الأوَّل هو الثورة الثقافية وتوعية الأمّة ودواء الثاني هو الثورة العسكرية ونموّ روحية الشجاعة والجرئة بين الناس» ومن الواضح أنَّ الثورة الثقافية مقدَّمة على الثورة العسكرية دائماً.
بنود الصلح:
وأمّا بنود الصلح فهي كالتالي:
1- تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وبسيرة الخلفاء الصالحين.
2- أن يكون الأمر من بعده للإمام الحسن عليه السلام، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين عليه السلام، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد.
3- أن يترك سبّ أمير المؤمنين عليه السلام وفي القنوت بالصلاة، وأن لا يذكره إلا بخير.
4- إستثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة آلاف ألف درهم فلا يشمله تسليم الأمر، وعلى معاوية أن يحمل كل عام الى الإمام الحسن عليه السلام ألفي ألف درهم، وأن يفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم.
5- على أن الناس آمنون أينما كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وعلى أمان أصحاب علي عليه السلام أينما كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي عليه السلام بمكروه ...الخ.
فكلّ ذلك خلاف ما كان يريده معاوية، فتحيَّر معاوية في الأمر ونقض العهد وصعد المنبر وقال:
«لا أريد منكم الصلاة فسواء عليَّ أصليتم أم لم تصلُّوا، إنَّما أريد أن أتحكَّم عليكم، ثمَّ مزق قرار الصلح».
فضيحة معاوية:
هنا اتَّضح أمر معاوية لعامَّة المسلمين الذين كانوا يعتقدون بأنَّه بالفعل خليفة رسول الله ، هؤلاء الذين اشتبه عليهم الأمر فكانوا يظنون بمعاوية خيراً فإذا بكاتب الوحي!! وخال المسلمين!! ومحب الدين!! قد كفر بربِّ العالمين!!
هذا:
وكان هناك عدوّا مشتركاً في حدود الدولة الإسلاميّة يترصَّد المسلمين ويريد استغلال الفرصة كي يهجم على بلاد الإسلام.
ابن الطلقاء:
وهناك أمرٌ مهم يخص شخصيَّة معاوية، حيث كان يتَّسم بسمة «ابن الطلقاء» لأنَّ أبا سفيان كان طليق الرسول وهذه وسمة عار عليه، فأراد أن يغطِّي على نفسه ويقلل من العار والفضيحة فكان بصدد القبض على الإمام الحسن عليه السلام أسيراً فيطلق سراحه ليقابل فخاب ظنُّه بهذا الصلح.