 |
-
دم الحسين: الملائكة لم يحاربوا في جيش «السادات»
فحة الرئيسية خير جليس
دم الحسين: الملائكة لم يحاربوا في جيش «السادات»
عدد القراء: 563
04/03/2008 للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منزلة - لا تعلوها منزلة لبشري - في نفوس المصريين، ولذلك فليس غريباً ان يحظى آل بيت النبوة بمنزلة قريبة من منزلته، فهو منهم، وهم منه، والحسين عليه السلام سبط النبي، سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة - هو درة تاج أهل النبوة ـ هذا هو اعتقاد أهل مصر أجمعين، دون تفرقة بين سني أو شيعي، فالحسين في القلب دون مذهبية.
من هذا المنطلق، يأخذ المؤلف مادته الخام التي استقاها من كتاب ابن كثير «البداية والنهاية»، وكتاب الطبري «تاريخ الرسل والممالك».
وضع ابراهيم عيسى كتابه في مقدمة وجزءين، في المقدمة يسوق ما يريد قوله «.. ما أضمنه لك أمران.. انك ستحب سيدنا الحسين أكثر.. والثاني انك سترى هولاً لا تطيقه، ودماء لم تعهدها، واحداثاً أغرب من ان تتخيلها»، وكل هذا حقيقي وسنده الأساسي، ابن كثير والطبري، والجزء الاول شمل تسعة فصول يكرسها لحكاية الاحداث التي واكبت الحرب التي دفع بنو أمية الحسين الى خوض غمارها، وملابسات استشهاده وآل بيته الاكرمين، لتسيل الدماء الطاهرة فوق الرمال لتصبغها بحمرة تظل تشير الى الجريمة البشعة التي تمت فصولها على يد عمال بني أمية.
وفي الجزء الثاني يقدم المؤلف تفاصيل الصورة الدموية الثانية، تلك التي قادها المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي رافعا راية الثأر لمقتل الحسين، وظل يحارب حتى قتل وأحرق كل من شارك من قريب أو بعيد في الجريمة ضد الحسين وآله، وهنا قدم المؤلف تفاصيله فى تسعة فصول أيضا.
وفي آخر كتابه يقدم صورة تخيلها، وفيها يلتقي الحسين عليه السلام، ويحاول ان يأخذ بيده!
أمام وخلف
يهمنا ان نسوق ملاحظة خاصة بخطة المؤلف في الكتابة، والتي اعتمد فيها على حرية التنقل للامام والخلف - فيما يخص التسلسل الزمني - فمرة نراه يقف بنا عند حافة النهاية، وثانية في منتصف المعارك، وثالثة يذهب الى حيث وقف الجمع في المواجهة بين «علي» كرم الله وجهه، وبين معاوية، ثم يعود ليصف تفصيلة تركها في موقف سابق باختصار، يطوع المؤلف المادة التاريخية لموقفه السياسي الذي لايني يظهر عندما يتوقف ليقدم تعليقا على موقف يرى ان به مشابهة لما يحدث في حياتنا الحاضرة.
أول ما يعرض لنا المؤلف وقفة فارس من الكوفة (الحر بن يزيد) في المسافة ما بين المضي في قتال ضد الحسين، أو الانضمام الى صفوفه والقتال معه منضويا تحت لوائه، تاركا تاريخا طويلا من الفروسية والقيادة، مهاجرا عن مرابع أيامه، موليا ظهره لصباه وفتوته وشبابه، مباعدا بين ذاته وحبها لرفيق عمره «المهاجر بن أوس»، وكان اختيار الانحياز الى الجنة نائيا بنفسه عن النار، فوقف جنديان من جنود الحسين.. وبعد ذلك يضعنا أمام السبب في ما اشتجر من خلاف بين الحسين ويزيد، فالحسين يرى ان يزيد أقل من ان يكون حاكما لمثل هذه الدولة الكبيرة بعقيدتها ورجالها، ويعرض لموقف الحسين من البيعة ليزيد حاكما، ومن قبلها وليا لعهد أبيه، ويشكك في الأمر كله، فلم يعط الحسين وصحبه بيعتهم لمعاوية أو لولي عهده، وهذا ما جعل الحسين يخرج من مكة، اضافة الى شيء آخر، وهو ان رسائل مناصرة واستغاثة قد وصلته من الكوفة. ورغم التحذير المتكرر، ومعرفته بقدر من حذروه، والتقدير الكامل لرجاحة النصيحة، الا انه سار في الأمر، رغم كل شيء.. كان اختياره شديد الوضوح.. ما أشبه الأمس باليوم مع فارق القياس بين الحالين والرجلين، فالحال الأولى كان فيها الحسين يرسل ابن عمه «مسلم بن عقيل» طليعة له بينما يجلس الطاغية «عبيد الله بن زياد» في قصر الحكم، والحال الثانية هي ما شاهدناه لكن المحاصر المتربص لم يكن من نسل رسول الله، وليته كان مسلما، أما الجالس في قصر الامارة فقد كان من نفس فصيل ابن زياد: بالروح والفكر وليس بالدم والنسب.
صورة تاريخية
ثم يضع أمامنا صورة يحفظها التاريخ جيدا، عندما يستطيع الساسة اللعب بكل الأوراق، مهما كانت قيمتها، والويل كل الويل للشرفاء الذين لا يجيدون اللعب ويحسنون الظن بأخلاق الحكام - هكذا يريد المؤلف - ويصف حال مسلم بن عقيل - رسول الحسين للكوفة - عندما لعب عبيد بن زياد.. والي الكوفة.. لعبته فانصرف من كان مع مسلم.. يقول المؤلف «3970 جنديا انصرفوا في ساعات عن نصرة مسلم، وباعوا، بخوفهم وضعفهم، الحسين الى ابن زياد» ويستحق الموقف ان يوصف بانه مليء بالمعلومات ونداءات النصرة، وعزم على التلبية، في مقابل سياسة مخاتلة باطشة، وخيانات بالجملة، ودائما تظل هذه الصورة هي المعبرة عن الأحوال وان اختلف البشر والأدوات.
ورغم ان يزيد بن معاوية لم تكن تنقصه أغلبية قد بايعت - رضاء أو غصبا لا فرق - الا انه كان يريد بيعة «الحسين» لانه «الحسين».
وفي موقف المواجهة الذي وقف فيه «الحسين» أمام جيش الكوفة الذي يقوده «عمر بن سعد بن أبي وقاص»، والروايات الكثيرة التي أوردتها الكتب من زعم أصحابها ان الحسين عرض مفاوضة: إما ان يرجع الى حيث جاء أو يأخذوه الى يزيد ليرى رأيه فيه أو ينفى لأحد الثغور. هذا الموقف يمكن ان يتبناه رجال السياسة، رجال الدنيا، يمكن ان يتبناه غير «الحسين»، رجل المبدأ الواضح، ومن الممكن ان تحدث المساومة مرة أخرى كل هذه السنين، ويحتمل ان يكون من قالها محسوبا على المعسكر الآخر.
وينتهي الجزء الأول باستشهاد ابن بيت النبوة «الحسين» عليه السلام في مواجهته لجيش قاده ابن سعيد بن أبي وقاص، ومعه مشيره، ورسول الوالي شمر بن ذي الجوشن، الذي أشرف على المذبحة، وقادها حتى اجتز «خولي ابن يزيد» الرأس الكريم من جسد سيد الشهداء.
في الجزء الثاني، نرى المختار بن ابي عبيد بن مسعود الثقفي حبيساً في سجن الكوفة، والمختار هو واحد من جند الحسين، شاء حظه ان يسجن فلا يأخذ بنصيب من الحرب، وهو حليف عبد الله بن الزبير - بعد ذلك - في الخروج علي بني امية، وهو ابن قائد جيش المسلمين الذي أوفده الفاروق عمر ليفتح بلاد الفرس، وهو بطل دعوى الثأر لمقتل الحسين وآله، وهو صهر عبد الله بن عمر الذي توسط له لدى يزيد بن معاوية فأمر هذا بإخلاء سبيله.
ويعرض لنا كيف تلجأ الانظمة الى النصوص المقدسة لتبرر تصرفاتها وأساليبها العنيفة في مواجهة الخارجين عليها.. والمؤلف يرى ان هذه المواقف والتي منها موقف يزيد بن معاوية من مقتل الحسين - تنعكس بالدرجة نفسها على الحاضر مع فارق الزمن والقياس، ثم يؤكد على مقولة الحسين «لو لم أعجل لاخذت». ليقول ان ما حدث من انتهاك لحرمة المدينة المنورة عندما استباحها جنود يزيد الذين أوفد على رأسهم «مسلم بن عقبة»، وجريان نهر الدم في المدينة والترصد الحادث على مداخل العراق، كل هذا جعل الحسين - فيما يرى المؤلف - يؤثر ان يذهب في طريق الكوفة رغم كل التحذيرات، فهو نوع من الاستشفاف، حاول من خلاله سليل بيت النبوة تجنيب المسلمين ما يراد بهم من مذابح.
ولان المختار لم يكن سوى باحث عن ملك وحكم، على الرغم من صدقه في أمر الثأر، الا انه لو لم يكن هناك ثأر لفعل ما فعل، وحالف من حالف وهو يضمر الخروج عن الحلف، ولأقسم كما فعل وهو ينوي التحلل من القسم، فقد كان يرى ان كلا من يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير اقل من ان ينهض أحدهما بالدولة، فاتخذ من الثأر ذريعة للوصول الى الملك، ولعل النظر في ما فعله كفيل باثبات وجاهة هذا القول.
موقف المختار من عبد الله بن الزبير، والخروج عليه، ثم سجنه بأمر ابن الأمير وتوسط عبد الله بن عمر للمرة الثانية، وقسمه لعبد الله بن يزيد وابراهيم بن محمد بن طلحة واليي الكوفة على الا يخرج عليهما أو يهاجمهما، وهو يضمر الحنث بالقسم، وايضا دعوته للثأر لآل البيت التي وصل أمرها الى محمد بن الحنفية، وموقف هذا من الأمر، مما شجع المختار على المضي فيه وكأنه اخذ تعويضا في حين ان ابن الحنفية لم يفعل سوى امساك العصا من المنتصف
.تنبؤ واستنتاج
ويعطينا المؤلف صورة نقلتها مصادره، عن مقتل آخر الأحياء ممن شاركوا في جريمة مقتل الحسين، وفيها يقول «ابراهيم بن الاشتر»، قائد الجند، وهو يشير الى جثة «عبيد الله بن يزيد»: اقطعوا رأسه وأرسلوها للمختار.
وقبل ان ينهي كتابه، يتعرض المؤلف الى ما اقترن بسيرة المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، من قدرة على التنبؤ.. ان هذا الأمر يشير الى قدرة عالية على الاستنتاج مقرونة بكم كبير من الثقة بالنفس التي تقترب من الغرور، ويورد حادثة بطلها احد المحاربين الذين اسرهم جند المختار، فادعى الاسير ان أسره لم يتم بايدي الجند، وانما اسرته الملائكة التي تحارب معهم، وهو يقصد بهذا ان يتم العفو عنه، وعندما مثل امام المختار عفا عنه، وامره بالمضي بعيداً حتى لا يفسد عليه رجاله - وفق قوله الذي جاء عند ابن كثير والطبري - والمؤلف لا يترك هذه الفرصة دون ان يشير الى كذب الادعاء بوقوف الملائكة الى جانب المختار، واعتراف هذا بالامر بصورة واضحة، ثم يغمز ما تردد بعد معارك اكتوبر 1973، من ان الملائكة حاربت في صفوف الجنود المصريين، ويقول المؤلف ان هذا قول مكذوب من اساسه روجت له دعاية السادات، وهو مفبرك تماماً.
ويعرض المؤلف صورة يبين قدرته على اعطاء معنى درامي ذي ابعاد سياسية، وعبر حركته الحرة في الزمن تقديما وتأخيراً يرسم صورة حلم خلابة حيث يأتي بسيد الشهداء الحسين عليه السلام الى زمنه المعاصر. وعلى الرغم مما لجأ اليه من تكرار، الا ان الصورة جميلة، فمجرد استدعاء صورة الحسين هو في ذاته أمر جميل.
لكن المؤلف، وهو يحاول إلصاق كل النواقص بنظام حكم يعارضه، يلجأ الى يد الحسين فيأخذها في كفه، واضعاً هالة حول ذاته، حتى يظن انه هو من يحمي الحسين ودعوته من القتلة.
محمد الزرقاني
اسم الكتاب: دم الحسين
اسم المؤلف: إبراهيم عيسى
اسم الناشر: الدار للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 181صفحة
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |