الفشل في العراق سيكون كارثة على الغرب
هنري كيسنجر *
أيا كانت وجهة النظر حول أصل الحرب في العراق، وأنا من الذين أيدوها، فنحن الآن في نقطة يصبح معها الفشل في العراق كارثة للغرب، لأن هذا سيشجع كل العناصر المتطرفة، وكل الذين يعتقدون بأن الغرب في حالة تراجع، ومن هنا تنبع أهمية التعاون بين أوروبا واميركا في العراق.
أما حول ما اذا كان حسن التخطيط والاعداد قد صاحب الحرب وما تلاها من مآزق، فالاشارة تجدر هنا الى أن أميركا ظلت دوما ومتى ما تورطت أو اشتركت في قضية عالمية على اعتقاد بأن هناك وصفة جاهزة للمشاكل. وفي هذا السياق كان هناك اعتقاد مفرط بأن ثمة مقارنة بين احتلال المانيا واليابان وبين احتلال العراق.
مع أن تلك الحالتين مختلفتان كليا، فألمانيا دولة قومية والعراق دولة سيادية ولكنها ليست قومية. ومع الحالة الالمانية لم تكن هناك هزيمة عسكرية فقط للعقيدة السياسية وانما في المقابل أيضا وعي لجهة الكارثة التي سببتها تلك العقيدة والتي لم تترك بقية. ولم يكن ذلك هو الحال مع العراق، لأن عقيدة البعث لم تكن مربوطة بصدام حسين فقط، بل بالخلاف السني ـ الشيعي، فيما لم تكن في المانيا خلافات بين مقاتلي حرب عصابات كما هو الحال مع العراق، أضف الى ذلك أن دول المحيط والجوار مع المانيا كانت تؤيد الاحتلال في حين أن العكس تماما هو ما يحدث مع العراق، لذلك فربما كان الافتراض الأساسي خاطئا. وعلى الجهة الأخرى، فإن الافتراضات الأخرى ما كان لها أن تحدث أي فرق على صعيد ما تقف عنده الأمور الآن، لأننا وبمجرد اسقاطنا لصدام يكون أمامنا أن نواجه نفس المشاكل سواء ما قارناها في أذهاننا بألمانيا أو اعترفنا بها كحالة فريدة لا مثيل لها. ومن هنا واذا فتحنا عيوننا على العراق والمشاكل الماثلة نجد أن لدينا السنة والشيعة والاكراد.. ألخ، أضف اليها موروثات القبلية، ومجمل القول أن هنا منظومة من المشاكل لم يكن هناك مناص منها حتى اذا ما وصلنا للعراق بفريق شؤون مدنية مكتمل ومدرب، ومع ذلك فبوسع المرء أن يقول اننا الآن نعيش حالة وجه لوجه مع المشاكل في العراق، ولا أعتقد أنه كان من المحتمل أن نزيد من وتيرة سرعة العملية حتى لو كنا قد قمنا بتحليل أفضل في البداية.
صحيح أنني أشرت لمسألة حرب العصابات، وأعتقد أنه كان من الممكن تفاديها. وأحسب أن الذين يقومون بها هم بقايا البعث والحرس الجمهوري وجماعات ربما تتلقى التشجيع من سوريا وايران، فلا أحد من دول الجوار له مصلحة في هدوء الأمور بالعراق، وعلى الأقل المصلحة العاجلة أو الفورية، وكل شيء يثيره وجودنا. ولا أحسب هنا أن الامور كانت ستختلف كثيرا اذا تم القبض على صدام حسين رغم أن ذلك في عداد الانجازات ذات الأثر النفسي، وقد يكون صحيحا، كما أشار السؤال، أن العراق هو الوطن الجديد للإرهابيين، ولكنهم على أية حال موجودون بالمنطقة. ولم يأتوا للوجود بسبب العراق مع أنهم يحولون استخدام العراق للقيام بمعاركهم، فهم موجودون في كل الاحوال وسيزدادون نشاطا في أمكنة أخرى.
أما حول الحرب ذاتها وأثرها على استقرار العراق، فيمكن القول انها ستجعله غير مستقر على المدى القصير، وأكثر استقرارا على المدى الطويل اذا ما تصرفنا بحكمة، بمعنى أن علينا أن نخلق تمثيلا، اذا لم يكن ذلك بحكومة ديمقراطية كاملة تقوم بسياسات تقدمية واضعة في ذهنها مصالح شعبها، لأنه وحتى اذا لم تلب كل تلك الأهداف فانها ستكون تحسنا كبيرا يتجاوز الوضع السابق وتجسيدا لدولة ينعقد الأمل لجهة مشاركتها في سياسة عالمية معتدلة.
وأحسب هنا أنه واذا لم يبق الاميركيون في العراق لوقت طويل ومعقول فان سائر المنظومة المتوقعة ستكون في مواجهة خطر كبير، ولذلك فعليهم البقاء لفترة طويلة نسبيا مع بعض الدول المعنية الأخرى.
أما حول كيفية كسب أميركا لدعم فرنسا والمانيا خاصة، والاسرة الدولية عامة، فقد أحزنني كثيرا أنه ومتى ما تحدث أي فرد وفي أي وقت عن الجهود المشتركة فان الاختيار يقع على فرنسا والمانيا كمشكلة، مع أن فرنسا والمانيا على كل حال مشاكل من نوع مختلف، ففرنسا تنفذ سياسة خارجية قومية تقليدية فرنسية، فيما يكون الحال مع المانيا متعلقا بضآلة الجيل الثالث المفقودة بعد الحرب العالمية والجيل الأول بعد الوحدة، ولا أظن أنها رغبة المانيا أن تحد أو تقتطع من النفوذ الأميركي في العالم. أنها وبالاحرى مواقف لتعريف مهمة المانية محددة في العالم، وعلينا أن نحاول اكتشاف نوع من التعقل لجهة المصير المشترك، وأنا لا أنظر لهذه المشكلة من وجهة النظر التي قد تعكس من خلالها مهام المانية محددة بعض التقييم التكتيكي. وآمل أن يتساءل القادة الالمان والاميركيون الآن عما يمكن أن يكون عليه الهدف المشترك في منطقة هي العراق بكل آثارها على الشرق الأوسط وأوروبا. وسيتطلب ذلك بالطبع بعض التكيف التكتيكي في هذه اللحظة ولكن الهدف المشترك وجب ان يكون هو المصير الاساسي.
على صعيد التقييم التكتيكي لأميركا، أحسب أن أهم المؤشرات هنا تتعلق بكم أو ما هو حجم الدور الذي يمكن أن نعطيه لألمانيا أو ذلك الذي نأتمنه عليها، وكم هو حجم المساعدة التي بوسعها أن تقدمها، وحينما نكون في فترة يعتبر فيها الطرفان أنهما جزء من مصير مشترك، فستكون هناك اختلافات كثيرة، ولكن التعاطي معها سيتم في اطار الهدف المشترك. ولكن الحال الآن هو أن هناك خطر القطع بوجود خلاف أساسي مع وجود اتفاقات تكتيكية كثيرة تدخل بنا في مشاكل العلاقات العامة في كل الدول، وآمل أن يرتفع النقاش بين الجانبين في هذا الشأن.
على صعيد ما يمكن أن تقوم به أميركا بدلا من مخاطبة الأمم المتحدة، فأيا كان ما سيحدث في مجلس الأمن، فسيكون هناك قرار ما. ولكن المشكلة ستكون اعطاء محتوى لبرنامج يكون بوسع الجانبين الايمان به حقيقة بل ودعمه. أما اذا كانت أميركا وأوروبا معا فان مشكلة مجلس الأمن ستحل نفسها، لأن روسيا ستنضم حينها، وكذلك الصين، فيما ستتنفس الدول الصغرى الصعداء بأن عبء الاختيار بين وجهتي نظر قوتين قد انزاح من على كاهلها.
* وزير الخارجية الأميركي الأسبق ـ المقال مأخوذ من مقابلة أجرتها معه ويلشام سونجتاج
خدمة «تريبيون انترناشيونال» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»