هل فعل الآلوسي شيئاً غير متوقع ؟
هجمة قوية يتعرض لها النائب مثال الآلوسي على خلفية زيارته لإسرائيل ، تتقاطع فيها الدوافع والمسوغات حتى لتبدو النتيجة المتفق عليها أقرب ما تكون الى عنوان ساخر لمسرحية هزلية !
نعم فما أكثر ما يتفق المختلفون في كل شئ ، على تفصيل ما أو واقعة معينة ، ولكن اتفاقهم هذا ينبثق بالتأكيد من منطلقات مختلفة ويرمي بالضرورة الى نتائج متباينة ، والويل كل الويل لمن ساقه سوء حظه ليقع فريسة اتفاق المختلفين .
لست في صدد الدفاع عن الآلوسي بأي شكل من الأشكال ، ولكني أرى في قصة الرجل بؤرة دلالية مكتنزة يمكن من خلالها قراءة صورة الوضع السياسي العراقي المعاصر الذي يتسم بالكثير الكثير من النفاق والتضليل الإعلامي ، فهل حقاً كان مثال الآلوسي ابناً عاقاً للسياسة العراقية كما يريد برلمانيو المنطقة الخضراء أن يصوروا للناس ؟
إن قراءة تضع نصب عينها الواقع السياسي العراقي وتستشرف الخطوات المستقبلية للمسلك الذي تنتهجه السياسة العراقية تؤول بالضرورة الى المحطة التي يبدو أن مثال الآلوسي قد قرأها ووعاها جيداً ، وهي محطة التطبيع مع الكيان الصهيوني من جهة ، وإدارة مؤشر بوصلة العداء بالإتجاه الإيراني من جهة أخرى . والذي يبدو لي أن من شنع على الآلوسي في البرلمان العراقي يعي بدوره هذه الحقيقة ولكنه يحاول تأجيلها الى وقت لاحق ريثما تتم تهيئة الداخل العراقي لإستقبالها على أنها قدر طبيعي ، وهذا برأيي ما لم يحسب الآلوسي حساباً له ، ولعله كان مدفوعاً بهاجس تسجيل سبق على طريقة ( اشهدوا لي عند الأمير بأني أول من رمى عسكر الحسين بسهم ) !
على أية حال كان الآلوسي وهو يدافع عن جريمته – وهي جريمة حقاً – يضع نصب عينيه توجهات السياسة العراقية وأحزاب السلطة ، فمن يرتضي بالإحتلال الأمريكي للعراق ، ومن يرتضي بوجود الشركات وأجهزة الإستخبارات الإسرائيلية على أرض العراق ما حجته في رفض زيارة الدويلة الإسرائيلية ؟
وقبل كل هذا هل يحاول البرلمانيون العراقيون أن يقنعونا بأنهم مغفلون تماماً ولم يطرق سمعهم أبداً الحديث الكثير عن وجود خبراء وعسكريين إسرائيليين في شمال العراق ، وأن لقاء الطالباني بباراك كان مصادفة غير محمودة فحسب ؟
هو النفاق إذن ، إذ حتى على مستوى التصريحات التي تبرع بها الآلوسي ضد إيران كعربون صداقة لم يكن ثمة ما هو مستغرب أو جديد ، فقد جرب أكثر السياسيين العراقيين قبله هذه النغمة ، بل إن ما تسرب من سراديب المرجعية كان يصب في هذا الإتجاه بقوة ، فالسيستاني بجلده وعظمه أعرب عن مخاوفه من الإيرانيين لأصدقائه الأمريكان ، بل إن حزب الفضيلة وجد لذة بالغة في الترنم بهذه النغمة بمناسبة أو بدونها ، ولعل دفاع ممثليه في البرلمان كان إكراماً لهذه النغمة بالدرجة الأساس ، ولا يعني ذلك أن هذا الحزب الإسلامي حد النخاع ليست له ميول إسرائيلية ، وهو الحزب الذي بدأ بالإنفتاح المشبوه على الأنظمة العربية من خلال سمساره المطلوب للعدالة إسماعيل الوائلي شقيق محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي صاحب التصريحات النارية ضد إيران . الواقع إن الحماسة المبالغ بها والتي بلغت حد اللكم لا مبرر موضوعياً أو سياسياً لها ، فكل الأطراف بما فيها من تسمي نفسها أطراف المعارضة تتمنى نظرة أمريكا وإسرائيل ، وهل نسينا ما تحدث عنه موقع نيويورك إندي ميديا عن إجتماع حارث الضاري بالمحفل الماسوني في تركيا وزيارته هو وولده مثنى لإسرائيل ، ولكن إن لم تكن ثمة مبررات موضوعية فالمبررات الذاتية كثيرة بكثرة قوى العراق السياسية .
ولعل أهم هذه المبررات هو إن القوى المسيطرة على البرلمان العراقي ذات توجه إسلامي ، وإن على مستوى الشعار بطبيعة الحال ، وهي بالنتيجة محكومة لهذا الشعار الذي ترفعه بدرجة ما على الأقل ، أي بالدرجة التي تحفظ فيها لهذا الشعار ديمومته وبقاءه ، وإذا وضعنا بنظر الإعتبار خلو يد هذه الأحزاب من كل ما يمكن أن تقنع به الشعب تتضح لنا الأهمية القصوى للشعار .
ويمكن أن نضيف الى ما تقدم مبرراً آخر – لعله المبرر الأقوى – ويتمثل بالشعور العميق بالإثم الذي تستبطنه هذه القوى نتيجة عمالتها للمحتل الأمريكي وهو شعور لا يسع أحد نكرانه مهما كانت حجته قوية فيما يتعلق بدرجة تورط هذه القوى في العمالة ، إذ يبقى هذا الشعور يقظاً طالما كان المتورطون في العمالة يعون جيداً أن العمق الفكري الذي يختزنه الشعب ، والثقافة التي درج عليها تتعارض مع منهجهم السياسي ، بل ترفضه كل الرفض ، هذا الشعور من شأنه رفع درجة الحساسية لديهم إزاء كل ما من شأنه تذكيرهم ، أو تذكير الناس الذي يفترضونه ، بإثمهم .
والحق إني لا أجد تفسيراً لسلوك الآلوسي من جهة وسلوك خصومه من جهة أخرى ، وهو سلوك إتسم بدرجة عالية من الحدية والتشنج من الجهتين فالعراك الذي شهدته قاعة البرلمان بالأيدي وباللسان استشعره الآلوسي حتى وهو في إسرائيل وهو ما دفعه الى القول إن من يريد لومه أو توبيخه عليه أن يلوم نفسه لزياراته السرية لطهران ، أقول لا أجد تفسيراً أقوى من الشعور بالإثم المشار إليه ، فهذا الشعور كان المحرك لسلوك الآلوسي وكان هو المحرك لسلوك خصومه كذلك ، فالآلوسي على أي حال محسوب على فريق العملية السياسية فهو من هذه الجهة جزء من الأنا رضيت هذه الأنا أم لم ترض ، ومن هنا لم تكن الإنتفاضة البرلمانية في الحقيقة سوى دفاع شرس عن الذات ، ولكنه أيضاً دفاع عاجز طالما لم يذهب في فورته الى حد استئصال أصل الداء المتمثل بالعمالة ، لهذا فإن النتائج التي خرج بها البرلمان وهي ( أولا: رفع الحصانة عن مثال الآلوسي ، ثانياً: منعه من السفر، ثالثاً: تكليف المستشار القانوني للمجلس بالمتابعة مع المحكمة الاتحادية في شأن الموقف القانوني من مثال الآلوسي ) ، هذه النتائج وإن كان البرلمانيون يرونها مخدراً مناسباً لشعور الإثم غير أنها على المدى البعيد ستعاظم هذا الشعور ، لاسيما وهم يعلمون جيداً شكلية وعدم فاعلية هذه النتائج .
أتساءل أخيراً أ ليس أجدى للعنزي ورفاقه أن يفكروا بالطريقة التي تخلصهم حقيقة من شعورهم بالإثم بدل استمراء الكذب على النفس ، والإدمان على المخدرات المؤقتة من قبيل عراك الديكة المخجل ؟
Aaa_aaa9686@yahoo.com