بعض أسرار ((الحرب الخاصة)) ضد الصدريين تكشفها اعترافات أوديرنو وقادته العسكريين
يعترف الأميركان بـ((ضراوة)) معركة مدينة الصدر الأخيرة ضد الميليشيات الشيعية فيها. ويقول القادة العسكريون الذي قادوا المعركة إن عناصر جيش المهدي كانت تقاتل في كل إنج من أرض المعركة، وأنّ رجالها كان يتسلقون الى الكتل الكونكريتية للسور الذي فصل مدينتهم الى نصفين من دون سلاح لنزع السلاسل عنها، فيما كانوا هدفاً لنيران الجنود الأميركان. ومن جانب آخر يعترف الجنرال (أوديرنو) أن رئيس الوزراء ظل لسنة كاملة يمانع في اقتحام القوات الأميركية للمدينة، لكنه بعد ذلك ((قرر القضاء على سيطرة الميليشيات لاقتناعه أنها تهدد استقرار حكومته)).
وقالت شبكة سي بي أس الأميركية للأخبار إن أحد أسباب انحسار العنف في العراق بشكل كبير، تركز في المعركة التي ربحتها القوات الأميركية في مدينة الصدر فقط قبل خمسة أشهر، المدينة الشيعية الفقيرة التي يسكنها أكثر من مليوني عراقي وكانت قلعة لقوات (مقتدى الصدر) رجل الدين المعادي للاحتلال الأميركي. ولسنوات ظل المتمردون يُحرجون أو يعرقلون نجاح القوات الأميركية باستخدام أسلحة ذات تكنولوجيا واطئة (محلية الصنع)، مثل السيارات المفخخة، وقنابل الطريق والمتفجرات التي تسمى (مرتجلة).
ولكن في معركة مدينة الصدر –طبقاً لما قاله الجنرال رايموند أوديرنو- استطاعت القوات الأميركية قهر الميليشيات الشيعية باستخدام تكنولوجيا متقدمة، بضمنها التكنولوجيا الأكثر تقدماً أي البرامج الألكترونية، وأجهزة الليزر وآلات التصوير الجوي ذات الوضوح العالي التي يمكن أن تخترق بشكل دقيق أي ضباب أو حال تعمية لمجريات الحرب.
وتقول مراسلة الشبكة: عندما كنت في بغداد لمقابلة الجنرال (أوديرنو) قائد القوات الأميركية ذهبت معه لإجراء جولة في ساحة المعركة السابقة، وداخل الأحياء السكنية التي باتت الآن هادئة وفي أسواق المدينة التي عادت إليها الحياة. هناك التقيت بقائد اللواء العقيد (جون هورت) الذي قاد المعركة ضد قوات الميليشيات. يقول (هورت): ((كان في هذه المدينة قتال ثقيل الحجم، ومن أضخم ما قابلناه في خلال الأشهر الماضية.. وتماماً في هذا المكان الذي نقف فيه)).
وتضيف مراسلة الشبكة قولها: قبل خمسة شهور فقط، لم يكن ممكناً الوقوف في أي مكان من مدينة الصدر، والمنطقة لم يكن يسيطر عليها الأميركان بما يكفي. ولسنوات يفرض رجل الدين (مقتدى الصدر) ورجال الميليشيات التابعون له سيطرتهم الكاملة على المدينة وعلى شوارعها. وفي شهر آذار الماضي، تحوّلوا الى استخدام الجزء الجنوبي من المدينة موقعاً لإطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء القريبة والتي تعد سكناً لمؤسسات الحكومة والقوات الأميركية والسفارة الأميركية وبعض السفارات والمؤسسات الدولية والبرلمان العراقي. وقالت المراسلة: إننا لا نناقش هجمة صاروخية واحدة أو اثنتين، إنما 20 الى 30 هجمة وكلها تنطلق من مدينة الصدر، طبقاً لتأكيد العقيد (هورت).
أراد الجيش الأميركي شنّ الهجوم في مدينة الصدر منذ وقت مبكر، لكن رئيس الوزراء (نوري المالكي) مانع لأكثر من سنة، لأن ((الميليشيات شيعية مثله)) بنص قول مراسلة الشبكة الأميركية، وهذا الأمر ((يجعل قرار قتالها مغامرة سياسية)).
وظل الجنرال (أوديرنو) ينتظر رئيس الوزراء العراقي كي يتخذ قراره بخوض المعركة ضد ميليشيات جيش المهدي، على حد تعبير الشبكة. يقول الجنرال: ((اعتقد أنه أخيراً أدرك أن الميليشيات التي تحصل في المدينة على ملاذات آمنة، تحاول حقيقة زعزعة الحكومة في العراق، وأدرك أيضاً أحد أسباب عدم استقرار حكومته)).
وحالما أعطى (المالكي) القرار بشن الهجوم، دخلت كتيبة سترايكر المدينة، ولكن جنودها واجهوا سيلاً متواصلاً من هجمات الميليشيات التي كانت تواصل تعزيز قواتها في المدينة. ويوضح العقيد (هورت) ذلك بقوله: ((أعني في كل يوم كان هناك 20 الى 30 عنصراً من عناصر الميليشيات ينزل الى قتال الشوارع في المدينة)).
ولهذا فإن (هورت) وجنوده –تقول مراسلة شبكة سي بي أس عملوا شيئاً لقطع الإمدادات. وقرروا بناء مانع مباشر وقوي عبر المدينة. وقاموا أيضا بعزل الجزء الجنوبي من المدينة، لحصر منطقة بكاملها ومنع الميليشيات من استخدمها موقعاً لإطلاق الصواريخ ضد المنطقة الخضراء.
ولبناء السور الفاصل، بدأت (مجموعة تشارلي) التي يقودها العقيد (هورت) عملها بوضع الكتل الخرسانية هائلة الحجم. وفي هذه الأثناء تفجر القتال ردّاً على استخدام السور، ولما انطلقت نيران القناصين من كل اتجاه ضد القوات الأميركية، انتقمت مجموعة تشارلي –كما تقول مراسلة الشبكة- بإطلاق النيران المكثفة من إحدى دباباتها. ويعترف العقيد (هورت) قائلاً: ((لقد أطلقنا 800 قنبلة في هذه المعركة. ولم نستخدم مثل أسلحة الدبابات هذه منذ أن بدأت الحرب)).
ويضيف (هورت) قوله: ((إن بناء الجدار الذي يسمى الآن السور T، أصبح مغناطيساً لكل عنصر في ميليشيات مدينة الصدر)). وقال إن هذا الأمر كان واحداً من أهم العمليات في كامل الحرب، إذ على الرغم من استمرار اهتياج الهجمات ضد القوات الأميركية، فإنها أصرت على بناء السور الذي شطر المدينة الى نصفين. وأضاف: ((إنه كان فقط مانعاً خرسانياً. ونحن لم نرد آنذاك تجاوز هذا المانع الكونكريتي. أعني كان هناك قتال في كل إنج من طرق المدينة)).
وأكد المقدم (براين آيفلير) قوله: ((كان أعضاء الميليشيات يتسلقون السلالم لينزعوا سلاسل رافعة الكتل الخرسانية وهم غير مسلحين، لكن الجنود كانوا يطلقون النار عليهم))، معللاً ذلك بأن مجموعة جنوده كانت تهيء تغطية نار لعمل الجدار. ومن جانب آخر تؤكد مراسلة شبكة سي بي أس أن أعضاء الميليشيات الشيعية وعلى الرغم من كثافة النيران، استطاعوا أن يرفعوا السلاسل عن ثمانية كتل حديدية، بمعنى أنهم أعطبوها وجعلوها غير صالحة للاستعمال. ويقول العقيد (هولت) عن ذلك: ((كل أنواع الأسلحة التي كان يمتلكها العدو –أي جيش المهدي- جرّب استخدامها ضد قواتنا التي كانت موجودة عند الجدار. وأعني، أن القتال كان خطوة بعد خطوة بعد خطوة، وعلى مدى 24 ساعة)).
وأجبرت شدة القتال القوات الأميركية –تقول مراسلة الشبكة- على استدعاء فريق من القناصة من قوات SEALs البحرية الخاصة، فضلاعن طلب مساعدة الطيران؛ طائرات مقاتلة أف-18 وطائرات الهليكوبتر آباتشي لحماية أجنحة القوات التي تعرّضت لهجمات قوية. وما عملوه كان حقاً أمراً كبيراً ومختلفاً تماما، بسبب تكنولوجيا الطائرات المتقدمة جداً التي تتضمنها.
وتؤكد مراسلة شبكة سي بي أس قولها: لقد استخدم الجيش الأميركي UAVs أي (الطائرات بدون طيار) المزودة بأنظمة تكنولوجية متطورة لالتقاط الصور والأفلام الواضحة والحساسة جداً، والتي يمكن أنْ تحدد مكان (العدو) حتى في الليل، بتعبير مراسلة الشبكة، ومن خلال الغيوم ودخان المعارك من أسفل الى أعلى. تستطيع أن تحدد الشخص الذي يدخن سيكارة مثلاً، وتستطيع تحديد مكان المقاتلين الذين يستخدمون (الاتصالات اللاسلكية).
وأوضح الجنرال (أوديرنو) قوله: ((سنة 2003 لم يكن لدينا مثل هذه الأنظمة المتقدمة المتوفرة الآن. لدينا بعضها، ولكننا لم نمتلك حتى الآن جميع أسلحة UAVs)). وفي معركة مدينة الصدر –تقول الشبكة- استخدمت القوات الأميركية نظامين من نوع هذه الأسلحة المتطورة. الأول كان طائرات من دون طيار من نوع (شادو) أي الظل. وبعد عشرين أو ثلاثين ثانية من إطلاق عدد من عناصر الميليشيات لصاروخ، كانت الطائرة (شادو) تحدد موقعهم وتراقب تحرّكهم، وتهيء الوسيلة لضربهم في مكانهم. والثاني: الطائرة المسلحة من دون طيار التي تسمى (بريديتور) أي المفترس. وقد التقطت أفلاماً حقيقية للمعارك في شوارع المدينة على أشرطة فيديو، ومن خلالها يمكن رؤية مجموعة من مقاتلي الميليشيات وهم يندفعون نحو سيارة كانت قد ضربت لتوها بصاروخ (نارالجحيم) الأميركي. لقد أزالوا اسطوانة الهاون من صندوق السيارة الخلفي ووضعوه في سيارة ثانية التي قادوها خلال الشوارع التي كانت ساحة حرب مفتوحة. وفي تلك اللحظة بالذات كانت الطائرة (المفترس) قد حددت هدفها نحو السيارة وأطلقت صاروخاً آخر لتفجرها. وطبقاً لاعترافات الجيش الأميركي فإن هذه العملية قتلت إثنين من المقاتلين كانوا داخل السيارة، ودمرت سلاح الهاون.
وفي الحقيقة –كما تقول مراسلة الشبكة الأميركية- كانت حرباً بالريموت كونترول، وأضافت: هذه المعركة تصوّر كيف أن مجموعة تشارلي أسقطت رهان مجموعة صواريخ الميليشيات، وخفضت أعدادها التي تطلق ضد المنطقة الخضراء في ذلك الحين. ويقول العقيد (هورت) الذي قاد المعركة في مدينة الصدر: ((لقد تقلص عددهم من 20-30 مجموعة الى 5 أو 4، وفي بعض الحالات فقط واحدة، أو اثنتين)). وأضاف: ((إن طائرتي المفترس وشادو من غير طيار، كانتا هائلتين في قدراتهما لرؤية العدو، وبشكل خاص بعد أنْ يسدد ضرباته الصاروخية)).
وعلمت شبكة سي بي أس من مصادر أخرى أن قوات العقيد (هورت) الأرضية، كانت مدعومة من قبل (الوحدات السرية الخاصة التي تسمى قوات المهمة 17). وهي الوحدات التي تستخدم طائرات المفترس، وأيضاً بالاستعانةبـ ((الجواسيس الأرضيين المرتبطين بالوحدة)). وقوة المهمة 17 كانت قادرة على كشف بعض قادة الميليشيات الذين كانوا يقيمون شمال السور ويختفون بين السكان المدنيين، طبقاً لزعم العقيد الأميركي.
وتؤكد مراسلة الشبكة الإخبارية أن القوات الأميركية من دون استخدام الطائرات من دون طيار التي تلتقط صوراً دقيقة لتحركات الميليشيات، ما كانت قادرة على تخطيط كامل مسرح العمليات الحربية في مدينة الصدر، ولما استطاعت تفهم أنماط أسلحة العدو وتحركاته من دون ((الرقابة السرية)) الدائمة والضربات الجوية. وفي بعض الحالات يقول العقيد (هورت) كنا ننتظر أربع أو ست ساعات وحتى عشر ساعات كي نسدد ضرباتنا لأننا –كما يزعم- لم نكن نريد قتل المدنيين. لقد أردنا مطاردة كامل المجموعة. وبتعبير آخر دخلنا في مناوشات طويلة عريضة مع المجموعات التي كانت تطلق الصواريخ، وأيضا مع مجموعة كبيرة من زعماء الميليشيات.
وفي شريط فيديو مسجل من قبل الطائرات من دون طيار –تقول الشبكة- يمكنك أن ترى جنود العقيد (هورت) يتعقبون الأثر، فيما كان مقاتلو ميليشيات جيش المهدي يسارعون لعقد اجتماع يقيّمون فيه نتائج معركتهم ويحدّدون مهماتهم لمعارك مقبلة. ويوضح (هورت): ((ذات مرة ذهبوا الى موقع كنا قد رصدناه. وانتظرنا ساعات. وطبقاً للمعلومات التي توفرها لنا طائرات المفترس، استطعنا افتراس العدو في هذا الاجتماع)) طبقاً لتعبيره.
وبحسب المعلومات التي تحدث بها الجنرال (أوديرنو) فإن طائرات المفترس، تحلق على مسافة 10,000 قدم وهي صامتة تماماً، ويصعب على (العدو) سماعها. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه الطائرات، والتحكم بها من موقع لواء أرضي، بحيث يستطيع الجنود استخدام معلوماتها (بطريقة الريموت كونترول) ويسمّون مهمتهم هذه: ((جد الهدف، وحدد، واضرب)).
وتضيف مراسلة الشبكة: لذا كان العقيد (هورت) وجنوده قادرين على مراقبة المليشيات في وقت حقيقي، أي وعناصرها يزرعون أكثر من 300 قنبلة طريق المسماة IED التي يمكن أن تفجر المركبات المدرعة، وأيضاً مكنتهم من أن يتخذوا القرارات في وقت مبكر لاستخدام الدبابات والمدرعات المقاتلة (بريليز) المحصنة بطبقة سميكة للحماية. لقد كانت هذه المدرعات فاعلة، إذ على الرغم من تعرضها لتفجير 120 قنبلة طريق لم يكسر ذلك قوة حمايتها. وهذه المعالجات جعلت التفجيرات تنخفض من 60 الى 3 أو 4 يومياً.
ويعترف القادة العسكريون الأميركان –كما تقول مراسلة الشبكة- إن معركة مدينة الصدر لم تكن لتُكسب لولا مجموعة التكنولوجيا المتطورة جداً التي استخدمت (أسلحة الليزر والألكترون) التي تتحكم بالقتال جواً بالريموت كونترول، وعلى الأرض كانت الفاعلية للسور الخرساني الذي أنشأته القوات لفصل شمال المدنية عن جنوبها، علاوةعلى (مجاميع كبيرة من الجواسيس داخل المدينة لجمع المعلومات عن الأماكن الخفية). وعلى مدى مسار الحرب لثمانية أسابيع، ازدادت القوات الأميركية من 700 الى 2000 جندي، يواجهون حوالي 4000 مقاتل.
وبحسب التقديرات –تقول شبكة سي بي أس- هناك 700 من رجال الميليشيات قتلوا، مقابل 6 جنود أميركان. وحتى نهاية شهر آذار، يقول العقيد (هورت) هرب من المدينة حوالي 40 زعيماً في جيش المهدي، ثم بدأت مناقشة وقف إطلاق النار. ويؤكد العقيد قوله: ((كان رأيي أن الميليشيات اضطرت الى وقف إطلاق النار، لأنها لم تعد تمتلك ذخيرة السلاح الذي تواجهنا به)).
وفي نهاية المعركة جرى إكمال السور T ويبلغ حوالي 4000 متر وهو الذي ((يحدد العمق الحقيقي لمدينة الصدر)) أي يبقي الجزء الشمالي الأخطر في منأى، بحسب تعبير (هورت). وفي الوقت الحاضر لا يدخل الى المدينة شخص إلا بعد أنْ يبرز هويته في نقطة التفتيش. وهذا الإجراء حدد حركة المتمردين في الجزء الأكبر من المدينة. ويعترف الجنرال (أوديرنو) قائد القوات الأميركية ((أن الوضع في المدينة الى الآن ذو أمن هش. ونحن نتلقى المعلومات من عناصر الاستخبارات)) أي من الجواسيس المنتشرين في المدينة مقابل رواتب كبيرة. أما قادة جيش المهدي فإن الكثيرين منهم هربوا الى إيران والى سوريا في محاولة تجديد قوتهم. أما مهمة القوات الأميركية والأمنية العراقية فهي كما يقول القادة العسكريون الأميركان ((منع الميليشيات الشيعية التابعة لمقتدى الصدر من العودة الى ملاذاتها)).
[align=center]مدارس آيات خلت من تلاوة0000 ومنزل وحي مقفر االعرصات[/align]