 |
-
وصفات سحرية لإعمار النجف
وصفات سحرية لإعمار النجف
نقاش | فارس حرّام
جسر المرتضى - النجف
أخيرا، أصبح بمقدور فؤاد فليح (57 عاماً) الطلب من سائقي التاكسي إيقافه عند باب منزله، في قرية "آل موّاش" شرقي الكوفة، اكبر الأقضية في محافظة النجف، في حين كان هذا الطلب شبه مستحيل قبل عام حيث ليس بمقدور سيارة، دخول تلك الاوحال والمستنقعات والحفر، ومن ثم الخروج منها بسلام.
كان على فؤاد وأقرانه من ساكني القرى، أن يسيروا طرقاً ترابية يصل بعضها إلى مسافة (2) كيلومتر، للوصول إلى مكان تتواجد فيه وسيلة نقل. أما الآن فقد أنشئت طرق إسفلتية تربط "آل المواش" وقرى النجف الأخرى بأقرب الشوارع العامة إليها، ومن ثم بالأقضية ومراكز المدن. فؤاد يصف إكساء الطرق في قريته بالـ"حلم الذي طالما انتظرناه". لافتا إلى أن "التأخر في الوصول إلى شارع السيارات كان سبباً في تدهور حالة بعض مرضانا، بل كان سبباً في وفاة بعضهم قبل الوصول إلى المستشفيات".
يعكس هذا التغيّر ما تشهده محافظة النجف، منذ حوالي ثلاثة أعوام، من حركة إعمار وبناء متواصلة في القرى والمدن، نتيجة الاستقرار الأمني فيها. وتشمل هذه الحملة المكثفة مفاصل خدمية وستراتيجية تؤثر في حياة المواطنين، كالماء والمجاري، والكهرباء، والبلديات، والطرق والجسور، والتربية، والتعليم والصحة، وغيرها. وفي حين يقف جسران خرسانيان لعبور السيارات، في صدارة المشاريع المهمة التي تم تنفيذها هذا العام، الأول على نهر الفرات في الكوفة، والثاني في حي الإسكان في النجف، يأخذ مشروع "مطار النجف الدولي" الدلالة الإعلامية الأبرز. فالمشروع الذي عدّه رئيس الوزارء نوري المالكي ساعة افتتاحه الصيف الفائت "مؤشراً ورسالة لبناء العراق الجديد"، يأتي ليفتح آفاقاً استثمارية واقتصادية يعلق عليها النجفيون آمالاً كبيرة، وقد تمت المرحلة الأولى لتشييده منتصف هذا العام 2008، بقيمة تعادل حوالي (76) مليون دولار.
مشكلة الصلاحيات
غير أن ما يَسِم حركة إعمار النجف اليوم هو ما تحاوله إدارتها المحلية، لإيجاد مواءمة في التنفيذ بين المشاريع الخدمية من جهة، ومشاريع ستراتيجية لا مناص منها من جهة أخرى. وحتى الآن تبدو هذه المواءمة صعبة في ظل عراقٍ يرث المواطنون فيه تركة ثقيلة من آثار الحروب، وخراب البنية الخدمية التحتية، علاوة عن التعقيدات الإدارية المعرقلة للعمل.
تتحدث –مثلاً- هيئة إعمار النجف، إن السقف الماليَّ لصلاحيات المحافظين في العراق، لا يتعدى التوقيع على مشاريع بقيمة "5" مليون دولار، وما زاد على ذلك يتم إحالته إلى الحكومة المركزية، لتقوم بدورها بتكليف الوزارات ذات العلاقة بتنفيذها. وهو أمر يعني إن قابلية الإدارة المحلية في التنفيذ تتوقف عند مشاريع وصفها حيدر الميالي، رئيس مهندسي هيئة الإعمار في النجف، بأنها " قصيرة المدى، قابلة للاندثار السريع، ولا تلبي الحاجات الستراتيجية للمجتمع". لكن الإدارة المحلية تمكنت "بشكل جزئي" من تجاوز مشكلة صلاحيات المحافظين بطريقة يصفها الميالي بـ "الوصفة القانونية الناجحة"، وهي الوصفة التي بدأت المحافظات الجنوبية الأخرى بتطبيقها. ويوضّح الميالي: "منذ عام 2007 بدأنا في المحافظة بإنشاء مشاريع ستراتيجية، يتم التعاقد مع منفذيها على أساس كلفها الكلية، ويتم تسديد هذه الكلف على شكل دفعات ضمن موازنات سنوية متعاقبة، لحين إتمامها كلياً". هذه الطريقة ضمنت التعاقد مع شركات لانشاء مشاريع تحتاج لتمويلات ضخمة تعجز المحافظة عن دفعها في سنة واحدة.
وتشترك جهات متعددة في تنفيذ مشاريع الإعمار في النجف، تمويلاً وتنفيذاً، أبرزها هيئة إعمار النجف، المنبثقة عن مجلس المحافظة عام 2006، التي تضطلع بالدور العمراني الأكبر، وتموَّل مشاريعُها من الموازنة السنوية للمحافظة. وكذلك توجد دوائر في النجف مرتبطة بالوزارات، وتنفذ مشاريع تقرها الحكومة المركزية؛ مثل دائرة الصحة، ومديرية التربية، وجامعة الكوفة، وفروع شركات وزارة الإعمار والإسكان، وغيرها. كما إن هناك مشاريع يمولها برنامج أضرار الحرب، من قبل القوات متعددة الجنسيات، فضلاً عن التبرعات التي تقدمها المؤسسات الدولية والحكومات الإسلامية والأوربية وأفراد.
ويمكن للمتتبع أن يخمن المقدار المتنامي لمشاريع الإعمار في النجف، بأن يلقي نظرةً على مشاريع جهة تنفيذية واحدة، مثل هيئة إعمار النجف، التي بلغت فيها المشاريع المنفذة لعامي 2006-2007 ما مقداره 758 مشروعاً، بكلفة حوالي (293) مليون دولار.؛ بحسب سجلات الهيئة التي اطلعت عليها "نقاش"، بينما بلغت كلفة المقدر من المشاريع المحالة لثلاثة أعوام (2007- 2009) ما يعادل (212) مليون دولار.
وفي الوقت الذي تغلب فيه الصفة الخدمية العاجلة على أغلب هذه المشاريع، فإن مشروع "شهيد المحراب السكني" في حي السلام، المنتظر إكمال بنائه عام 2010، يُعد باكورة مشاريع الإسكان الكبيرة في المحافظة. فالمشروع الذي تموله وزارة الإعمار والإسكان بكلفة (31) مليون دولار تقريباً وتنفذه شركة الفاو التابعة للوزارة. عبارة عن "مدينة مصغرة" بحسب تعبير المهندس جاسم محمد كاظم، مدير المشروع، الذي يضيف: "إنه يقع على مساحة (175000) م2، ويوفر للمواطنين (558) شقة سكنية، إضافة إلى (11) بناية خدمية، عبارة عن مدارس، ومركز صحي، وروضة أطفال، ودار حضانة، وأسواق تجارية.. وغيرها".
وتكتسب مشاريع إعمار المرافق الدينية أهمية خاصة في النجف، بوصفها المزار الأول للمسلمين الشيعة في العالم. هكذا يأتي المشروع الضخم "صحن فاطمة الزهراء" (في الصورة) جوار ضريح الإمام علي من الجهة الغربية، بمساحة (40000) م2، ليكون أكبر مشاريع المرافق الدينية في العراق حالياً.
يقول المهندس مظفر خليل محبوبة رئيس قسم الشؤون الهندسية والفنية في العتبة العلوية: "تبلغ كلفة هذا المشروع التخمينية حوالي (400) مليون دولار، ويشتمل على جامع كبير (ثلث المساحة)، ومكتبة كبرى، ومتحف". ويضيف محبوبة: "لدينا أيضاً مشروع مسقفات ضريح الإمام علي، لحماية معمار الضريح وزائريه، من أضرار المناخ صيفاً وشتاءً، وهي شبيهة بمسقفات الحرم النبوي في المدينة المنورة ". محبوبة أشار لـ"نقاش" إلى أن مشاريع الضريح العلوي تمول من ورادات الضريح نفسه، إضافةً إلى تبرعات شخصيات ومؤسسات من دول الخليج العربي وإيران وسوريا ولبنان والهند وغيرها.
عيون على المستقبل
غير أن مدينةً النجف، مقر المرجعية الدينية في العراق، والتي تم اختيارها مؤخرا عاصمة للثقافة الاسلامية لسنة 2012، لا تزال تنتظر نقطة الانتقال الفاصلة إعمارياً، من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، إلى مشاريع توازي حضورها الديني والسياسي والثقافي المتنامي. ويبدو إن أكبر هذه المشاريع الاستثمارية على الإطلاق مشروع "مدينة النجف الجديدة"، بقيمة (38) مليار دولار، أي أكثر من نصف ميزانية العراق للعام القادم 2009. وهو مشروع عملاق تبلغ مساحته العمرانية: (21) مليون متر مربع وسيتم تنفيذه بالتعاقد مع شركات إماراتية وكويتية.
وأوضحت هيئة الاستثمار العراقية في بيان رسمي لمصادقتها على المشروع، تلقت "نقاش" نسخة منه، إن المدينة التي سيتم إنشاؤها في منطقة بحر النجف (4 كلم غرب ضريح الإمام علي) ستكون "حديثة متكاملة"، وأنها بحيرة تتوسطها في داخلها جزيرة على شكل سيف الإمام علي، ذو الفقار. وذهب البيان إلى أن المدينة الجديدة ستتضمن علاوة عن المجمعات السكنية والمسطحات المائية "مصانع حديثة ومجمعات تجارية وفنادق خمس نجوم ومجمعات خدمية وتعليمية وذلك لاستيعاب السياحة الدينية في مدينة النجف المقدسة".
وعلى الرغم من الوتيرة المتصاعدة لحركة الإعمار في النجف، إلا أن عدداً من المراقبين المتخصصين قللوا من فرص نجاح العديد من المشاريع المنفذة حتى الآن، لاسيما مشاريع البلديات، والطرق، والمجاري. وشدد مهندس مطلّع في مجلس المحافظة رفض الكشف عن اسمه، على أن أغلب المشاريع الخدمية لن يمكنها البقاء للفترة النظامية المخطط لها، بسبب ضعف في المواصفات الفنية. من ذلك مثلاً، والكلام للمهندس، إن العديد من الشوارع التي تم تبليطها حديثاً، لم تلبث أن تظهر فيها العيوب المخلة بعد أيام من افتتاحها. بينما نبّه مهندس آخر إلى ضعف التنسيق بين الجهات التي تقوم بمشاريع الإعمار في المحافظة، موضحاً إن "الكثير من الفقرات الإنشائية في مشاريع الخدمات، يعاد تنفيذها بعد فترة وجيزة من تنفيذها الأول، بسبب ظهور أعمال أخرى جديدة تضر بها، في الموضع نفسه".
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |