الإنسحاب الأميركي من العراق لن يجعل الأوضاع سيئةً أكثر مما هي عليه
والكثير من المشاكل سوف تحلّ بعد رحيل













أجاب سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، عن مسائل تمحورت حول:

الوضع الفلسطيني ومحورية القضية الفلسطينية، النفوذ الإيراني في المنطقة، حركة التشيع في العالم الإسلامي، فتاوى في قضايا المرأة... محاور المقابلة التي أجرتها صحيفة "الدستور" الأردنية، مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وهذا نصّ الحوار:


الوضع الفلسطيني ومحورية القضية الفلسطينية

س: كيف ترون الوضع الفلسطيني الحالي؟
ج: عندما ندرس الوضع الفلسطيني الداخلي، وعلى مستوى ما يسمى عملية السلام، نجد أن هناك جموداً مردُّه إلى الأوضاع المضطربة داخل إسرائيل، حيث يقع الفلسطيني ضحية المزايدات السياسية داخل الكيان المغتصب الذي يريد طرد هذا الفلسطيني حتى من داخل أراضي 1948.

لذلك، فإن هذا الجدل الإسرائيلي الذي قد يصل إلى انتخابات مبكرة بعد فشل ليفني في تشكيل حكومة، يعزز إمكان وصول اليمين المتطرف، وكل الإسرائيليين يمينيون، ولكن كل طرف منهم يختلف عن الطرف الآخر في نظرته السلبية إلى الشعب الفلسطيني والحقوق الفلسطينية. لذلك أعتقد أننا مقبلون على مرحلة غير واضحة المعالم من حيث التطورات الدولية وتحرك السياسة العربية في مجاراة السياسة الدولية، ومن حيث سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، إذ إننا سمعنا المرشح أوباما يزايد حتى على الصهاينة أمام مؤتمر إيباك، ولا ندري إن كان هذا موقف أوباما كمرشّح أو أنه موقفه كرئيس مقبل للولايات المتحدة الأميركية، لأننا تعودنا من الإدارات الأميركية المتعاقبة، سواء كان الرئيس من الجمهوريين أو من الديمقراطيين، أنهم وإن اختلفوا في القضايا الداخلية، أو حتى في بعض القضايا الدولية، غير أنهم يتفقون دائماً على ولائهم المطلق لإسرائيل.


لذلك أنا أتوقع أن تمر القضية الفلسطينية بمرحلة جمود طويلة، حتى يتسنّى للرئيس الأميركي الجديد دراسة كيفية التعامل معها، وحتى تنجلي نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، هذا إضافةً إلى الخلافات الفلسطينية الداخلية التي دمرت الواقع السياسي الفلسطيني، وأصابت الشعب الفلسطيني بما يشبه اليأس من الوصول إلى حل عادل ومقبول.


س: كيف يمكن أن نحافظ على محورية القضية الفلسطينية؟
ج: الموقف الإسلامي الرسمي العام الذي يتمثل بمنظمة المؤتمر الإسلامي، موافق بالإجماع على بقاء إسرائيل كدولة يهودية في قلب العالم العربي. والمشكلة الكبرى تكمن في شروط هذا البقاء. ونحن نلاحظ أنه منذ العام 1967، والتنازلات العربية مستمرة، حتى توجت بمقررات قمة بيروت التي رفضتها إسرائيل، معتبرة أنها لا تساوي الورق الذي كتبت عليه. ونحن نعلم أن هذا الرفض الإسرائيلي سببه الضعف العربي وسيطرة أميركا على القرار السياسي في العالم العربي. ولعل الموقف الإيراني المتشدد من الإسرائيليين، والذي عبر عنه الرئيس أحمدي نجاد، ينبع من خلفية عدم شرعية وجود دولة يهودية في فلسطين، لأنها ارض مغتصبة، وهذا الأمر هو الذي جعل أميركا تتخذ موقفاً معادياً لإيران، لأنّ قضية الملف النووي، ليست بالأهمية التي يصورونها بها.


س: طالما تحدثتم عن إيران، هناك تخوف عربي من النفوذ الإيراني. كيف يمكن طمأنة العرب في هذا المجال؟
ج: إيران دولة إقليمية كبيرة، وهي كباقي الدول، تتحرك من أجل الحفاظ على مصالحها، وتطبيق استراتجيتها في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، لهذا وقفت إيران بشكل حازم ضد تواجد القوات الأميركية والبريطانية في العراق، ودعمت فصائل المقاومة فيه، وليس ذلك بهدف السيطرة عليه، لأن إيران تعلم أنه من الصعب عليها أن تسيطر على العراق، لأن العراقيين ليسوا جميعاً مع النفوذ الإيراني، إضافةً إلى الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة بالعراق التي لا تسمح لها بذلك. غير أن إيران وجدت أن أميركا أصبحت على حدودها بعد احتلال العراق، وأن هذا التواجد الأميركي يشكل خطراً على أمنها القومي، لأن أميركا كانت تعتبر إيران هدفاً مقبلاً لها.


س: هناك حديث عن مد شيعي في العالم العربي؟
ج: لقد طالبت الذين أثاروا موضوع المد الشيعي أن يقدِّموا لنا إحصاءات عن نسبة السنة الذين يتشيعون عبر تقديم الأموال لهم بالملايين أو بالمليارات كما يقولون. قد يكون هناك سنة يتشيعون، كما أن هناك شيعة يتسنّنون، فنحن لا يمكننا أن نمنع حرية التفكير والاختيار عند الناس. وأنا أعيد المطالبة بتقديم أي دليل ملموس عن ملايين إيرانية تصرف في سبيل تشييع الناس في مصر. وما نلاحظه هنا، هو أن انتقال المسلم إلى دين آخر لا يثير أبداً مثل هذه الضجة التي يثيرها انتقال مسلم من مذهب إلى مذهب.


والحقيقة هي أن هناك تأييداً شعبياً واسعاً في العالمين العربي والإسلامي للمقاومة في لبنان، وقد يؤثر هذا التأييد على بعض الناس عاطفياً، فينتقلون إلى التشيّع، وهذا الأمر يشبه ما حصل إبان الحقبة الناصرية، حيث كان لمواقف عبد الناصر في الصمود أمام إسرائيل والمحتل، وفي السعي إلى الوحدة العربية، أثر كبير في انتشار المد الناصري، إذ كان معظم الشيعة في لبنان من المحبين لعبد الناصر.


س: كيف يمكن تجنب قيام حرب بين السنة والشيعة في العراق في حال حدوث انسحاب أميركي مفاجىء؟
ج: ما يحدث في العراق ليس حرباً مذهبية بين السنة والشيعة، ولكن هناك عملية سياسية ترعاها أميركا وتستخدمها مذهبياً لمصلحتها، فضلاً عن تصرفات تنظيم القاعدة الذي فقد البوصلة، فلم يعد يميز بين المحتل وأهل البلد، ما أدّى به إلى قتل الكثير من العراقيين دون وجه حق، إضافةً إلى الحالة الجنونية التي حصلت على أثر تدمير مقام الإمامين العسكريين(ع). ورغم فتاوى علماء الشيعة بحرمة قتل المسلم للمسلم، وحرمة قتل من هو ليس معتدياً، إلاّ أنّ القاعدة استمرت في نهجها الدموي، فكان ردّ فعل بعض الشيعة أنهم أخذوا يمارسون القتل المذهبي على طريقة القاعدة، وهذا أمر مدان ومحرم في الإسلام. وعندنا معلومات تؤكد استخدام أميركا لتنظيم القاعدة من أجل إطالة فترة بقائها وتأليب العراقيين على المقاومة.


وانسحاب أمريكا من العراق لن يجعل الأوضاع فيه سيئة أكثر مما عليه الآن، بل أنا أعتقد أن الكثير من المشاكل بين العراقيين سوف تُحلّ بعد ذهاب الاحتلال، ولن تكون هناك حرب سنية ـ شيعية في حال قيام أميركا بانسحاب مفاجئ من العراق.


س: فتاواكم تناصر المرأة، ما يثير غضب بعض المفتين في العالم الإسلامي عليكم؟
ج: نحن منذ البداية أفتينا بجواز أن تكشف المرأة عن وجهها ويديها وقدميها، امتثالاً لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور:31]. لذلك نحن قلنا إن تغطية الوجه ليست واجبة في الإسلام.كما أنه لا مانع لدينا من أن تركب المرأة الخيل وتشارك في سباقات الخيل طالما ترتدي لباساً محتشماً، فضلاً عن حقها في ممارسة الرياضة والجمباز مثلاً، وحقها في تعلم الكاراتيه والجودو وكل ما يمكّنها من الدفاع عن نفسها، كما أنه ليس هناك ما يمنع من أن تقود المرأة السيارة.


أما الفتوى التي أثارت ردود الفعل وأثارت حفيظة بعض المشايخ، فهي أن للمرأة حق الدفاع عن النفس في حال اضطهاد زوجها لها، وخصوصاً إذا وصل إلى حد التعسف، كالضرب المدمي مثلا، إذا لم تتوفر للمرأة أساليب أخرى لمنع الأذية عنها، عبر القضاء أو عبر تدخل الجيران لإنقاذها. وهذه الفتوى انطلقنا فيها من قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة:194].

فالمرأة إنسان مثل الرجل، حتى إنها قد تتفوق عليه من حيث المعرفة العلمية، ودورها في الحياة كما هو دور الرجل، ويمكن لها أن تترشح للانتخابات وتتولى المراكز العليا في الدولة وفقاً لمعرفتها وحسن إدارتها.


س: ما هي أولويات الإفتاء المعاصر بالنسبة إليكم؟
ج: الاجتهاد ينطلق من الدراسة الموضوعية للقضايا التي تعني المسلم، ومن الطبيعي أن الأولويات في الاجتهاد تتبع الحاجة الإنسانية، الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الأنفال:24]، فالله تعالى يريدنا أن نتحرك من أجل الحياة في كل مواقعها وفي كل حاجاتها.



بيروت ـ الدستور ـ نضال حمادة

التاريخ: 20-11-1429 الموافق: 18/11/2008