العراق إلى أين يتجة؟






الأحد, 24 مايو 2009 01:56








بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد المفكر الإسلامي الأستاذ عز الدين سليم (أبو ياسين) ويوم المقابر الجماعة في العراق ، أستضافت مؤسسة الأبرار الإسلامية سماحة العلامة السيد حسين بركة الشامي (مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الدينية ورئيس جامعة الإمام الصادق (ع)) ليتحدث في ندوة تحت عنوان : "عراق قوافل الشهداء والمقابر الجماعية ؛ إلى أين يتجه؟".


كما تحدث في الندوة الأستاذ عبدالهادي عثمان الأخ الشقيق للشهيد الأستاذ عز الدين سليم.
كان ذلك يوم الخميس 21 مايو 2009 . وأدار الندوة الشيخ حسن علي التريكي.


كلمة السيد حسين الشامي:

يقول الله سبحانه وتعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} آل عمران: 138 ـ 141
نزلت هذه الايات في اجواء معركة احد وبعضهم يقول بعد معركة بدر وبعضهم يركز على الهزيمة النفسية للمسلمين عندما اشيع في المعركة ان الرسول قد قتل ونزلت الاية { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} آل عمران: 144

أولا أعزيكم بوفاة العالم الرباني آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت (ره) الذي كان يمثل حالة تميزت بالعرفان وكان قلبا يتحرك ومرآة يتوجه اليها الناس. كان يمثل حالة خاصة في صلاته ودروسه.
كما أقدم العزاء في ذكرى استشهاد المفكر الإسلامي الأستاذ عبد الزهرة عثمان الذي كان اسمه هكذا، ولكن في الاعلام كان اسمه عزالدين سليم في محاولة لحفظ اخوانهم.

اود ان اذكر نقطتين اساسيتين:

الاولى: يذكر أنه حصل على الجائزة الثانية في مسابقة الكتابة عن سيرة الزهراء (ع) لكتابه "الزهراء فاطمة بنت محمد" التي أقيمت من قبل مكتبة العلمين، ولكن اقول انه في الحقيقة حصل على الجائزة الاولى، ولكن العلماء المشرفين على المسابقة كالسيد محمد باقر الصدر وغيرهم قالوا ان هذا الشاب هو من أبنائنا ونستطيع التفاهم معه، ولكننا نود ان نعطي الجائزة لسليمان كتاني وهو لبناني مسيحي حيث الف كتاب "الزهراء وتر في غمد"، كتبه بلغة جميلة ولكنه خال من التحليل العميق. فقالوا ان من ناحية العمق الجائزة مستحقة لأبي ياسين، ولكن لتشجيع الكاتب المسيحي الذي كتب عددا من الكتب من بينها كتب حول الائمة ويقال انه قد اسلم وتشيع فيما بعد ودفن حسب الطريقة الاسلامية. فأعطيت الجائزة الثانية لابي ياسين، وفي كتابه شرح لخطبة الزهراء بتفصيل في قسيمن الاول تاريخ الجاهلية والثاني فلسفة الشتريع.

النقطة الثانية انه جمع بيني مع ابي ياسين مؤتمر صلاح الدين قبل سقوط النظام بشهرين ونزلت في غرفة مجاورة له بفندق (اربعة مصابيح) في إقليم كردستان في شمال العراق واستمر اسبوعين، وكان المؤتمر صاخبا خصوصا في نقطة اجتثاث البعث لان البعض كان يرفضها بشكل قاطع.

حيث كان البعض يرى أن التغيير يجب أن يشمل فق 55 شخصا في ذروة القيادة البعثية، بينما تبقى الدولة كما هي وحدث جدل كبير حول هذه النقطة، ثم جاء المبعوث الامريكي وقال ان الامريكيين وافقوا على توسيع ازالة البعث.
ثم حدث جدل حول موقع الاسلام في الدستور. كان مؤتمر لندن قد اقر ان الدين الاسلامي دين الدولة الرسمي، وعندما طرحنا غير ذلك ثار علينا الشيوعيون والاكراد والعلمانيون قائلين ان ذلك يعني تأسيس دولة دينية.
كان المفاوض الاساسي هو السيد عبدالعزيز الحكيم فأرسل لي وللشهيد عزالدين سليم قائلا اننا وصلنا الى نقطة مسدودة، وهم اكثرية وتبين لنا الكثير من العملاء والذين كانوا يلتقون مع خليل زاده وغيره بشكل منتظم.
فقال لنا: فكراو في حل وسط لا يستفز الاخرين ولا يكسر ارادتنا.
جلسنا مع ابي ياسين وتباحثنا، فقال: يكتب كل واحد منا نصا ثم نجمع بينهما. وكان رحمه الله يمازح ويظهر البشاشة في اشد المحن. فكتبنا بعض النصوص وكان نصه اكثر واوسع ثم قدمناها الى السيد الحكيم، وكان مجمل النصوص (90%) تثمل جوهر الدستور وان الدستور يحترم شعور الامة ولا يخالف ثوابتها، واغلبها كتبه عزالدين سليم ومساعدة مني.

هذا وقد شيع تشييع الزعماء الكبار وبكاه الصغير والكبير ولقي ربه وضاح الجبين.

العراق بلد الشهداء. بعد اسشتهاد حمزة وعندما دخل المدينة ورأى النساء تبكي قتلاها قال الرسول (ص): "اما حمزة فلا بواكي له"، واستأجر نساء لبكاء حمزة، واصبحت سنة ان يذكر حمزة في مجالس العزاء. وفي المدينة المنورة الى الان عندما يعقد مجلس عزاء اول ما تذكر الخطيبة او الخطيب هو حمزة كما يذكر الحسين عندنا في العراق.

بالحسين اصبح العراق هو قلعة سيد الشهداء واصبح للشهادة معنى. قبل الإسلام لم يكن الناس يعرفون معنى الشهادة، ما معنى القتيل في الاسلام؟ الاسلام اعطاه معنى اخر وقال ان من يقتل محاربا مقبلا غير مدبر كان شهيدا. الله اعتبر الشهيد حاضرا في معناه وموقفه وكلماته والابعاد التي يعطيها للامة.

قال الحسين عليه السلام (الا واني زاحف بهذه الاسرة على قلة العدد وخذلان الناصر فمن لحق بي فقد استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح). فأي فتح هذا الذي يقصده الحسين؟ انها معركة عبر التاريخ، والحسين (ع) هو المنتصر فيها:
زعموا بان قتل الحسين يزيدهم لكنما قتل الحسين يزيدا.
الحسين استشهد ولم يستسلم. قال سيد قطب في تفسير قوله تعالى: (اننا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا) النصر بمعنى الصبر على افرازات المعركة ونتائجها.
فمثلا الحسين في حواره مع ابن سعد لو وافق على الرجوع لتغير التاريخ، ولكنه انتصر بصموده، حتى قال القائل: (ما رأيت مكثورا قط اربط منه جأشا).

تصوروا أن محمد باقر الصدر كان لغزا في اعتقاله، سجنه، تغسيله، دفنه. فماذا حدث لو ان الشهيد الصدر اعتذر وظهر في التلفزيون ماذا كان سيحدث للشعب والامة من انكسارا. بعض السجناء في السجن كان يقول: اذا سمعت السجانين مقبلين غطيت نفسي واغلقت اذني حتى يذهبوا.
بينما الشهيد الشيخ عارف البصري خرج من حكم الاعدام وكان يقول { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران: 173
ثم نزع خاتمه واعطاه الشيخ طارق البصري للذكرى وهذا من مصاديق قوله: {اننا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا}.

بعد محنة حزب البعث تحول العراق الى مقبرة عامة. الاستاذ احمد الحبوبي كتب كتابا أسماه (ليلة الهرير) يصور فيها قتل السجناء في سجون العراق.
في إحدى المرات أتى البعثيون بطفل عمره 12 سنة واعطي رشاشة ليقتل مجموعة من السجناء.
في 15 شعبان 1979 اعدم 70 عالما من علماء العراق مثل السيد قاسم شبر والشيخ خزعل السوداني.
صدام امر مدراء الامن من جميع المحافظات ان يشتركوا في عملية القتل.
ثم بدأت الحرب المجنونة التي لا نعرف تفصيلاتها واسبابها حتى الان ضد ايران.

في 1981 رأينا عملية بسيتين بعد أن انهزم الجيش العراقي وبدأ الايرانيون يجمعون الجثث فرأيت صورة فيها 200 قتيل متفحمين وهم بين جالس وواقف كأنهم اضاحي منى سابقا. كانت اجسادهم كالفحم لا يستطيع التمييز بنيهم. دفنوا كما تدفن البهائم.
هذه الحرب راح ضحيتها 390 الف ايراني ومثلهم من العراقيين، ويقدر مجموع القتلى مليون انسان فكم ترك هؤلاء الرجال من نساء ثكلى ومشاكل اقتصادية للبلدين؟

ثم جاءت الانتفاضة، واقيم مؤتمر بيروت ثم ذهبنا الى سوريا والتقينا عبد الحليم خدام وطلبوا مني ان ابدأ الكلام. جاءنا بالدشداشة وتحدثت معه حول دعم الانتفاضة فرأيته يسخر، فقلت له من يقول ان هناك حزب بعث في العراق، لا تصدقهم. واستمرت المناوشات الكلامية ولم تخرج بشيء. قال: عندنا تقرير سري بان عدد من قتل هاربا من الكويت بلغ 215 الف عند منطقة المطلاع. فكم قتل في الناصرية والنجف في الانتفاضة.

وبعد الانتفاضة جاءت الحرب ضد صدام وبعد سقوطه، جن جنون البعض: فهم لا يستطيعون أن يتصوروا أن هؤلاء كانوا جنودا عندنا فكيف يحكمون؟
فارتكبت الفظاعات. حتى أن بعضهم يقطعون رأس الجثة وهي تشيع.
المعركة ما زالت قائمة، ومعركة بناء الدولة لا تقل عن معركة سقوط الصنم. قاتلنا 30 عاما فقط لنهز النظام. خرجت في 1980 متخفيا ثم اقتضت الضرورة ان اعود متنكرا، ورأيت النظام بوليسا مخيفا، كنا نبيت في السيارة. كان النظام يقتل على الكلمة.

وبعد سقوط النظام وعندما دخلنا العراق كانت الوجوه شاحبة بدون مياه، انانية، ارتباك. كان الناس ممسوخين. كان الرجل يخاف من زوجته وطفله. حتى كتب بعضهم كتبا بعنوان جمهورية الرعب. ولكي تصلح الواقع مطلوب منك جهود ضخمة.
استلمت رسائل كثيرة تهددني بالقتل عندما كنت رئيس الاوقاف.
صدر قرار بتقسيم وزارة الاوقاف بالتساوي بين الشيعة والسنة في ديواني الاوقاف ولكن ذلك لم يحدث.
طلبت مكتبا للاوقاف الشيعية، فقيل لي: ليس هناك سوى مبنى الخارجية القديمة لنوري السعيد الذي لا يمكن ان نعطيها لاحد ولكن يمكن في حالة واحدة أن تستأجرونها. انها معركة ذات فصول.
بعد ثلاث سنوات من قيام حكومة منتخبة ماذا حققنا. يمكنني أن أوجز الحديث في هذا الموضوع في ثلاث نقاط:


1. المصالحة الوطنية:
الحكومة قطعت الطريق بالمصالحة الوطنية ومعناها معالجة افرازات الواقع الجديد وتذكير الناس بالاخوة والدين. فاصرت الحكومة على مبدأ المصالحة بغرض قطع الطريق على الفتن، لكي لا ننجر الى معركة. فالذي يريد ان يحقق ما يريد عليه ان يصبر على ما حل به. فعندما يقتل اهلنا واخواننا فذلك قصدهم. اما نحن فنريد الحرية والحق.

2. خطة فرض القانون:
الكثيرون من السياسيين لا يريدون فرض القانون وما حدث في البصرة وبغداد والنجف كانت محاولات لمنع ذلك. الفقهاء يقولون حفظ النظام واجب عقلي.

3. حل المليشيات:
كانت عقدة حيث لكل شخص ومجموعة ووزير ميليشات خاصة. كانت لهم هويات يجلبون من يريدون. وكانت الخطوة جريئة ثبتت الحكومة.
العراق الان يسير بالاتجاه الصحيح وبدون مبالغة مع وجود التفجير ففيه مؤسسات برلمانية ورقابية وقانون. اي وزير يثبت له تقصير يستدعى الى البرلمان وهذا الشيء لم يكن في السابق.

واذا ترك الامريكيون العراق فانه قادر ان يحكم نفسه بنفسه وقضية ابو عمر البغدادي تؤكد قدرة العراقيين على تثبيت الامن. لقد قام شرطي واحد باستدراجه حيث قام بتسليم نفسه وانه كان جبانا في وقتها.