النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي العراق: احتلالهم سينتهي ووصايتكم لن تنتهي!- د. سيّار جميل

    لستم اوصياء على العراق والعراقيين
    تابعت حوارا تلفزيونيا على واحدة من القنوات الفضائية التي لها موقف سلبي من العراق اليوم والعراقيين بشكل عام.. وقد جرى مع الاخ الدكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني الاسبق ومساعد الراحل دوميللو في العراق قبل اشهر، وكنت قد انتقدت بعض تصريحات الاخ سلامه السابقة من العراقيين في جريدة النهار البيروتية قبل عدة اشهر.. ولكنه اليوم بدا لي انه قد اختلف عمّا كان عليه جدا اذ اعجبتني جدا عبارته العاقلة وهو يجيب محاورته الراديكالية المثيرة جوزيل خوري التي لم يعجبها ما قال بعد ان سّد الباب عليها وبوجهها قائلا : "لسنا اوصياء على العراق والعراقيين.. لندعهم وشأنهم، ان نجحوا فشأنهم وان فشلوا فشأنهم..". هذا "القول" بكل معانيه لا يعجب غالبية العرب الذين وجدوا انفسهم وكأن لهم مع العراقيين محاصصة على المستقبل العراقي، وكأن العرب هم اصحاب الشأن بالمسألة العراقية بتغييب العراقيين عمدا وباصرار عجيب في اغلب الاعلاميات العربية صحفا ومجلات وراديو وتلفزيون ونشريات ومنتديات وملتقيات .. ونلمح ذلك واضحا في مؤتمراتهم وندواتهم وتجمعاتهم ومنظماتهم وفي صحفهم العربية، بل ولم يعد هناك اي صوت مسموع للعراقيين في شأنهم الذي زادوا من تعقيداته كل يوم بل ولم يتخّيل احد ان سقوط صدام حسين ونهايته السياسية المقرفة سيقسم العرب الى قسمين اثنين : قسم عربي معه حتى النخاع تحت مبررات وتسويغات تافهة بعد ان كان العرب يدّعون بأنهم يدافعون عن العراق والعراقيين وليس عن صدام ونظامه. وقسم عراقي ضده لا يمكنهم ابدا تحّمل سماع اسم صدام، وهم يعتبرون سقوطه والقبض عليه انتصار للانسانية مهما كانت الاثمان غالية!

    ثنائية مزدوجة لا محل لها من الاعراب
    هذه الثنائية التي تبدو واضحة اليوم تمام الوضوح في حياتنا العربية، وكل من يقول عكس هذه القناعة الثنائية، فهو واهم يزّيف نفسه امام الواقع وامام الاخرين ولم تحّركه الا هواجسه وعواطفه او ربما مصالحه ومكاسبه ازاء الدكتاتور، او انه مال لصدام بسبب ذريعتين اثنتين لا نغالي فيهما ابدا، فأما ان يكون كارها لامريكا كراهية الموت، فيتّقبل صدام نكاية بعدوته اللدود ويغفر له كل الكوارث والجنايات والاثام.. واما يصّفق لصدام من دون وعي ويرقص مع الراقصين من دون ان يدري ما الذي يفعله. وفي كلتا الحالتين، فالعربي اليوم قد اساء لنفسه جدا عند العراقيين. ان الذي زاد من صعوبة الانقسام بين الطرفين المؤيدين له او المنتصرين عليه هي الاداة الامريكية التي يعتبرها اغلب المؤيدين لصدام حسين احتلالا للعراق فصدّام اذن مبرر عندهم مهما كانت تواريخه مظلمة وصفحاته سوداء.. او تلك التي يعتبرها المنتصرون على صدام تحريرا للعراق منه، فالقبول الامريكي عندهم تحصيل حاصل، فصدام عندهم صار في مزبلة التاريخ على ايدي الامريكان.
    الى حد الان والمشكلة مقبولة في كل قرائنها، ولكنني كعراقي مستقل واعيش في خارج العراق منذ سنوات طوال، فأنني اصطدم بتداعيات هذا الانقسام المريع الذي لم يحسب العرب حسابه كعادتهم، وخصوصا بين (مثقفي) هذه (الامة) الذين تعّودوا ان يأخذوا كل الامة الى الغرق والهزائم والكوارث، ثم يعودون من حيث ذهبوا يندبون حظوظهم كلها عليها من دون معالجة الاسباب الحقيقية لكل ما عانوا منه من هزائم وفجائع ومن اي حلول.. ولعل من ابرز العوامل الخفية وراء كل هذا الميراث البليد والصعب من الانقسامات والتناقضات العربية ومنذ اكثر من مائة سنة : القاء كل التهم على الاخرين والصهاينة والمستعمرين وتنزيه النفس في الدواخل وكأننا ملائكة لا نعرف الخطأ ابدا، فالعرب لم يقفوا يوما ليعترفوا بأخطاء جسيمة ارتكبوها وباستثناء حالات تاريخية نادرة ومنها : اعتراف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مثلا بتحمل مسؤوليته كاملة في هزيمة يونيو 1967، فان العرب كلهم يلقون بتبعات ما يحدث على الاستعمار والصهيونية والرجعية والعملاء والخونة.. وهم ضحايا ولكنهم منتصرون ومثاليون ومخلدون وممجدون.. وكأن احتلال العراق قد أتى من فراغ ولم تكن له اسبابه ودواعيه بل مسبباته وعلله التي يتحّمل العرب أنفسهم قسطا كبيرا منها الى جانب قائدهم البطل القومي صدام حسين.. واتحّدى من يقول بأن للعراقيين كل العراقيين في الدواخل وارض الوطن كان لهم شأن في كل هذا الطوفان الذي كاد يغرقهم بسيل من الحروب والصراعات والمشكلات والعنف باستثناء البعثيين والسلطويين وكوادر الحزب المتقدمة فقط.. واكاد اقول بأن العراقيين كلهم مظلومون في ايام حكم الطاغية او بعد زوال حكمه العاتي ورضوخهم اليوم للاحتلال الانكلو- امريكي .
    ولكن المشكلة ليست مع المحتل الجديد حسب فالقناعة راسخة برحيله عاجلا ام آجلا، ولكن المشكلة مع الاوصياء الجدد الذين تواصلوا عن اوصياء قدامى على العراق والعراقيين! مع هذا العربي او ذاك والذي يجد نفسه متحفزا من وراء الحدود للمشاركة رغما عنك، ثم ينسحب ويقول : هذا من صنعكم انتم ايها العراقيون! وكأنه لم يساهم في صنع هذا الخلل سياسيا واعلاميا على امتداد السنين بشكل خاص! اقول، ان من حقّه المتابعة لما يجري في العراق كواحد من اهم البلاد العربية ولكن ليس من حّقه المشاركة وفرض ما يريده وصيا على العراقيين ويغيبّهم او يعتم عليهم ويتكلم باسمهم ويقرر عنهم وينّظر ويحاضر عليهم، وهو كالعادة يركن للنتائج ولا يبحث عن الاسباب.. وعليه، فلقد اصبح العراقيون في نظره وكل العراقيين تبعية خانعة للمحتل لا يمكن التعامل معهم، كما يجري معهم اليوم في كل المنظمات والتجمعات والمحطات والاعلاميات والشوارع العربية!

    حوار ساخن بيني وبين اربعة مثقفين عرب
    1/ اللقاء صدفة
    التقيت قبل شهر تقريبا وعلى هامش اعمال ندوة فكرية انعقدت في واحدة من العواصم العربية الجميلة، وكان ذلك بطبيعة الحال قبل القبض على الرئيس المخلوع صدام حسين باسبوع واحد بالضبط. جلست على مائدة الغداء مع اصدقاء من المثقفين العرب وهم: الدكتور رضوان السيد والدكتور محمد عماره والصحفي احمد فرحات ثم التحق بنا لاحقا الشاعر محمد التهامي.. ولعل ما سمعته منهم جميعا يعّبر بشكل او بآخر عن رأي عربي موّحد ازاء الاحتلال الامريكي للعراق ليس بسبب العراق نفسه والعراقيين بالذات، بقدر ما هو مزيج من الكراهية المقيتة التي يكنها العرب للامريكان ثم بسبب الخوف والهلع ان لا يصيب العرب ما اصاب العراق، ثم بسبب حرمان العرب من ثروات العراق. هذا باختصار ما خرجت به من الحوار الذي جرى بيني وبينهم وقد حدث مصادفة ليس الا بحكم اقامتنا في فندق واحد واشتراكنا في جلسة فكرية واحدة في ذلك الملتقى الفكري. والحقيقة انني لم اكن اتكلم مع الاخ محمد عماره ولم يتّكلم معي في البداية بسبب خلاف حاد كان قد وقع بيني وبينه منذ اربعة اعوام في الاردن وفي ندوة ثقافية على احدى القاعات وكان يحضرها العشرات وكانت تسجّل تلفزيونيا.. ثم تداعى الامر لأن يقع بيننا بعد ذلك خصام في كواليس الندوة من كلام مرير لم يصل الى مرتبة الخشونة..

    2/ الرهان الخاسر
    ولكن اجتمعنا على مائدة واحدة وبادرت بالتحية، وبدأ الحوار، اذ قام الاخ رضوان السيد بفتح موضوع العراق وهو يحّدث صاحبه محمد عماره من انني ممالىء للوضع الجديد وللتغيير الذي حدث، ولم اعترض.. فانتقض عماره بكل عصبيته وانتفخت اوداجه كالعادة..
    وقال : ان الله سيغفر للشهيد صدام كل مافعله سابقا في حياته مادام قد وقف ضد امريكا!
    وهنا بدأت بيني وبينه مساجلة صعبة جدا لم اصّعد مستواها الى ان تكون قاسية عنيفة في البداية لآدعهم يفهمون ما اريد نصحهم به فهم قبل كل شيىء يتكلمون عن العراق وانا العراقي الوحيد بينهم وبالضرورة ما يعنيني هو اكثر بكثير مما يعنيهم! وقد استوعبت كل كلام عماره وتعليقات رضوان كيلا احولها الى مشادة سخيفة لا مغزى لها .. ولكن الاخوة العرب لم يدركوا ابدا حجم معاناة العراقيين ابدا، او انهم يدركون ذلك، ولكنهم يتغافلون حجم الكارثة عن قصد وسبق اصرار فهم كما يسمّون انفسهم " قادة فكر هذه الامة " .. ولقد بدا لي الاخ رضوان يمزج الجد بالهزل كعادته في مثل هكذا مناسبات غير رسمية وفي مطعم درجة اولى، وهو كمن يسبح عند الشاطىء فهو يجاريني تارة، ولكنه يفتعل سؤالا كمن لا يريد ان يقتنع بما هو حاصل؟ وكنت ارقب الاخ الصحفي احمد فرحات مشدودا الى ما ساقول كعراقي ازاء اثنين من المحاورين العرب! اجبت عماره عن ( الشهيد ) بما يستحق وسألوني اين هو الان الا اتعتقد انه يقود المقاومة؟ اجبت ولم يعرف العالم بعد انه منزو وهارب وقلت : انه متعّود على التخّفي منذ شبابه، فهو هارب من العراقيين قبل الامريكيين في مكان ووكر من العراق! وكنت اتمنى عليه يا اخ عماره ان يحمل سلاحه ويدافع عن بغداد في شوارعها يوم 9 ابريل حتى يقال : قاتل حتى قتل – كما تعّودنا من قراءتنا لتاريخ اجدادنا العظام -.

    3/ المقاومة الدينية
    امتد الحديث من صدام الى العراق والعراقيين، واستعرض الاخ عماره عضلاته عن المقاومة العراقية وصبغها بصبغة دينية وطائفية لا وطنية وسياسية من دون اي اشارة لما قد حصل في العراق من جرائم وتفجيرات ارهابية ضد المدنيين والدبلوماسيين والمصالح العامة.. انه يجعل صداما بطلا قوميا يقود المقاومة العراقية وسيمرغ وجه امريكا بالوحل!
    قلت له : ولكن الحوادث تطال المؤسسات والمدنيين والدبلوماسيين..
    قال : وليكن!
    قلت : انابيب النفط تفّجر.
    قال : وليكن وليحترق كل النفط!
    قلت وانا اتمالك اعصابي : ولكن العراق كبير جدا، فلماذا تنحصر اعمال المقاومين اساسا في (مثلث) معروف عند الامريكان؟
    احتّد جدا وقال : نعم كما قلت ذلك في المقابلة التلفزيونية لو قامت الشيعة قائمتها لما بقي الامريكان!
    قلت : ولكن الاخوة الشيعة عندهم مشروع مؤجل ضد الغزاة. وتاريخهم يشهد لهم بالامجاد.

    4/ الشيعة العراقيون
    وهنا طال الرجل بحديثه الشيعة كطائفة يخالفها خلافا شديدا حتى من الناحية العقدية في الاسلام.
    قال له رضوان السيد : خذ راحتك يا محمد فالاخ سّيار من الموصل وهو سّني وليس شيعيا!
    اجبت بسرعة وانا اتضاحك وفي قلبي الم شديد : ولكنني عراقي يا اخوان ولا افكر مثلكم! فنحن مجتمع منسجم ومتداخل من دون كوتات ولا يعرف الا التلاحم على امتداد التاريخ.
    قال عماره : نعرف ذلك.. ولكن لو قرأتم ما كتبه ذاك الذي يسمّى بباقر الحكيم الذي قتلوه فهو قد شّوه الاسلام بحديثه عن (.... ) وهذا ما اعلنته على الملأ في التلفزيون!
    قلت له : كنت اراقب كلامك في التلفزيون وقد عتبت عليك عتابا شديدا وانت تشتم هذا وذاك.
    قال : ولكنني اشدت بالمقاومة الاسلامية التي ليس للشيعة شرف فيها، وذكرت ما اعرفه عن الباقر الحكيم.
    قلت له : وما علاقة هذا كله بموضوعنا؟ كفاك فالرجل في رحاب الله ولا يغرنك انني على مذهبك.. فانني لا افكر مثلك! والرجل اعرفه قبل ان اعرفك وهو مجتهد وانت باحث! وكنت اتمنى ان تعرفه فهو من خيرة رجالات العراق رحنة الله عليه.

    5/ اين حلولكم؟
    تحّملت كل هذا الاحتراب والسجال من البذاءات والتهم من اجل ان ابقي سلسلة الحوار مفتوحا ومسيطرا عليه دون ان يجّرني احد الى ان اتشنّج او افقد اعصابي، ليكشف الاخ محمد عماره عمّا في صدره ازاء العراق والعراقيين..
    اما رضوان السيد فعقّب قائلا : ولكن الامريكان سوف لن يكتفوا بالعراق، انما ستمتد اياديهم الى كل ارضنا العربية وستكون بلداننا عرضة للتقسيم والهيمنة.
    قلت له : طيب، اريدكم لا تندبوا ولا تبكوا وتتصايحوا.. فقط امنحوني اية حلول ناجحة في كيفية تجنّب الكارثة كالتي مررنا بها نحن العراقيين وقد كنتم توقدون النار من دون ان تفعلوا شيئا لايقاف العراق عن تماديه بانسحاب نظامه السابق من الحكم وايجاد حلا مؤقتا! واليوم، هل لديكم اية مشروعات عمل عربية وعلاجات اساسية وعملية لا مجرد شعارات وهمية! هل باستطاعة العرب الوقوف ضد التيارات العالمية الجارفة للنظام العالمي الجديد بكل قوتها اليوم؟ اليس من العقل الاستجابة للتحديات سريعا بالتعامل مع هذا النظام بكل ذكاء ومرونة وبراغماتية..؟؟
    التفت الصحفي الاخ احمد فرحات وكان هادئا ولكنه كان يراقب المجادلة عن كثب بين طرفين يحملان التوجه الاسلامي بمرئياته المختلفة وبين طرف واحد علّمه تاريخه كيف يرد السهام وكيف يرد الصاع صاعين..

    6/ العراق المحتل
    سألني فرحات : كيف يمكنك ان تتخيّل وضع العراق المحتل وهل يمكن للعراقيين القبول بالمحتلين؟
    قبلت منه السؤال لكنه سؤال حق يراد به باطل وهو يعّبر ويختصر المسافات عن هذا الانقسام المرير الذي نشهده بين اناس عرب واقعيين يؤمنون بمعالجات ناجحة وهادئة وبين خياليين عرب يريدون الفوضى وشعارات وعمليات تحرق الاخضر واليابس.
    اجبت بهدوء : لماذا تفترضون ان العراقيين يقبلون بالمحتل الامريكي، ومن قال لكم ذلك؟ انهم رحبوا بالتغيير الذي انتظروه بكل جوارحهم بعد ان طال صبرهم عشرات السنين! انهم لم يرفضوا التغيير ابدا.. ولم يساندوا صدام حسين. والله لوكانوا معه لقاتلوا قتالا شديدا.. لكنهم آمنوا بان الثمن سيكون غاليا من اجل التغيير. وما كان بمقدورهم ان يرفضوا صداما اثناء حكمه هلعا من بطشه وهم يجدون العرب رسميا وشعبيا تمالىء زعيمهم الجائر والوقوف ضد امانيهم المشروعة.
    قال رضوان : ولكن ليس كل العرب وقفوا مع صدام قبل خلعه! انا لم اقف معه وحتى اليوم انا ضده.
    قلت له : لم اقصدك يا رضوان.
    التفت اليهم وقال : صحيح ما يقوله سيار

    7/ اين اداناتكم له؟
    نطّ عماره من مكانه وقال : نحن ايضا نكره صدام يوم كنا ندينه على حربه ضد ايران عندما كان العرب يصفقون له!
    قلت له : هذه فريّة نسمعها من قبل البعض من الاسلاميين في مصر والاردن واماكن اخرى.. فالمجرم يبقى مجرما على مدى كل السنين.. لا ان تدينوه وتجعلونه في اسفل سافلين، ثم ترفعونه الى السماء! لماذا سكتم (مقاطعة من عماره)؟ لماذا لم يسمع العراقيون والعرب اداناتكم العلنية ضد المقابر الجماعية في الشمال والجنوب؟ وعمليات الانفال واستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد العراقيين الاكراد؟
    قاطعني عماره من جديد وقال : انها مقابر الايرانيين وفعلها الايرانيون عندما هبوا على العراق!
    قلت مقاطعا : هكذا استرخصتم العراق والعراقيين على عهد الطاغية ولم يكن لكم تأثير لدى العراقيين سنة وشيعة عربا واكرادا.. لأنكم لم تعرفوا من خصوصيات العراق غير صدام، ولكنكم اليوم افتقدتم كل العراق وكل العراقيين.
    قال عماره : ولكن العراق اهله عرب وسيبقى العراق عربيا ومسلما ولا نرضى به غير ذلك
    قلت : انت لست عربيا قحا مثلي ولكن عراقيتي قبل عروبتي واتحدى ان كنت تقّدم عروبتك على مصريتك.. فالعراق عربي ولكن له تنوعاته وتعددياته التي لا يمكن ان تلغيها اية اجندة شوفينية وقد كلفت الشعارات القديمة العراقيين كثيرا..
    اعاد رضوان علّي السؤال من جديد وقد قلب الان موقفه من الهزل الى الجد قائلا : نعم، نحن نقتنع بكل جرائم صدام وسيئاته، ولكن لا نقبل ابدا ان يحتّل العراق فالاحتلال سيجرّ نفسه الى كل المنطقة شئنا ام ابينا!
    قلت : طيب، قدموا حلولكم وافكاركم ومشروعاتكم بديلا عن الشعارات والصراخات والبكائيات والتنديدات.. ان استطعتم. واعيد بأن افكاركم عن العراق الحالي والعراقيين كلها خاطئة.. فالهموم العراقية اليوم امنية كلها وليست سياسية موحّدة.

    8/ مستقبل العراق
    قال رضوان : وما رأيك انت في مستقبل العراق والمقاومة العراقية؟
    قلت : ربما افكر على خلاف ما تفكرون به – كما قلت لكم في بداية الحوار – انني اليوم لا اقبل ابدا ان تبقى الجروح مفتوحة في العراق من دون التئام.. لا اقبل ان يحّطم العراق ويخرج مهزوما من حرب قاسية سبقتها حروب وحصارات وكوارث والام واضطهادات ومظالم.. ويخرج المحتل والغاصب سمونه ما شئتم من دون اية سيادة وطنية ولا استحقاقات ومن دون اي مؤسسات ومن دون اي اصلاحات ولا اجهزة لحفظ الامن.. ان العراق قد انتهى كدولة ومؤسسات منذ التاسع من ابريل 2003 ومر بمرحلة قاسية صعبة.. فكيف يخرج العراق خالي الوفاض من دون اي استحقاقات للحرب؟ ومن دون اعمار ما حطمته الحرب؟ ومن دون اي استقرار امني؟ كيف اقبل ان يحّطم العراق من دون اطفاء لديونه بكل تراكماتها الكبرى والخيالية؟ هل بقدرتكم انتم وباستطاعة كل هذه الامة العربية المجيدة اطفاء ذلك؟ اذا كانت هناك ثمة مليارات عراقية لا تريد بعض الدول العربية اعادتها الى اصحابها الشرعيين.. فكيف تريدون ان نغفل عن مصالح عراقية عليا لابد ان يتحقق شيئا منها لصالح الاجيال القادمة!
    اسرع رضوان ليقول لي : بأن لبنان سيرجع ما عليه من ارصدة عراقية.
    تابعت لأقول : وهذا مجلس الحكم الذي نددتم به وما زلتم تنددون به.. انا وحدي كعراقي يمكنني فقط مخالفته والاعتراض عليه، ولكن ليس من حقكم انتم ابدا.. كما ليس من حّقي ان اعترض على اي مؤسسة تشريعية في بلدانكم!
    قاطعني عماره وقال : وسنبقى نندد بهذا المجلس (..... ) وهو (...... ) الذي نصّبه الامريكان!

    9/ الشعارات والواقعية
    قلت : العراق لابد له من مؤسسات مهما كان نوعها وهو في ظل سلطة التحالف، فهي انتقالية ومؤقتة اذ يبدو ان العرب لم تعرف اولويات علم السياسة.. اقرأوا تواريخ بلدانكم اولا واعلموا حقا من اسس دولكم ومؤسساتكم وجيوشكم وبرلماناتكم واجهزتكم.. الم يكن قد جرى كل ذلك على ايدي الانكليز والفرنسيين؟ ولكن السلطة التشريعية في العراق مؤقتة وسيختار الشعب من يريدهم من خلال صناديق الاقتراع. ثم لا تنسون ايضا ما يحتاجه العراق من اعادة اعمار كل حياته واقتصاده وبنيته التحتية وهي بحاجة الى المليارات.. من سينّظم كل ذلك في ظل فقدان الامن والنظام . دعوا العراق يستعيد قوته من جديد ودعوا العراقيين يستعيدون انفاسهم.. ثم يعرفون كيفية الوصول قريبا الى استقلال ارادتهم وتحقيق سيادتهم فكل ما سيحدث في ظل هكذا اوضاع سيزيد من انقساماتهم وسيوقد النار لانفجار احتقاناتهم.. فالمأساة التاريخية التي عاشوها على مدى عشرات السنين لا يمكنكم تخيلها ابدا.. فكفّوا عن نداءاتكم وتحريضاتكم.
    والحقيقة بأن الاخ رضوان السيد قد بدا مقتنعا بكلامي ربما امامي فقط، ولكن بالتأكيد ان للرجل قناعاته التي لا يمكن ابدا ان يتخّلى عنها. وبالتأكيد ان عماره يعكس رأي الشارع العربي كله ازاء العراق والعراقيين نتيجة كره الامريكيين وكره العراقيين والشيعة في مقدمتهم كما اعلنها صراحة.. ولكن كلامهم كله من دون اي حلول ومعالجات عملية وواقعية يمكنها ان تقود مستقبلنا الى شواطىء الامان. وبدا لي ان الكلام والمنطق والمشاعر العراقية لا يمكنها ان تؤثّر ابدا في العقلية العربية الصلدة والسائدة اليوم والتي تريد من العراقيين ان يشّنوا حربهم المسلحة ضد الوجود الامريكي من دون انتظار ما يحتاجه العراق واهله من المستلزمات والضرورات ودون ان يعلم العرب بأن الضرورات تبيح المحظورات.. ولم يقل اهل العراق انهم سيقبلون بالمحتل او بالهيمنة ولكنها مسألة وقت وجدولة زمن..

    10/ الذاكرة العراقية
    وقبل ان نغادر تلك الجلسة الثمينة قلت لهم : تذكروا ان العراق من اغنى بلاد الدنيا وغدا شعبه من افقر الشعوب على عهد صدام حسين.. وتذكروا انني عراقي ومنذ عقود وانا محروم من وطني وخيراته.. فخيراته بعثرها العهد السابق بشكل لا يمكن تخيّله، فكيف تكون مشاعرك ايها العربي ان كنت عراقيا وقد هجرّوك بابشع الوسائل تشكيكا في عراقيتك؟! وكيف ستغدو عندما تفقد من اولادك كلهم او بعضهم وهم في ريعان الشباب في حروب عبثية؟! وكيف ستكون عندما تعلم بأن اموالك تبعثر على غيرك وانت محروم منها؟! وكيف ستكون وانت لا ترى في العراق الا نفقات على التسلح الجنوني والاعلاميين المهرجانيين وانت بلا مستلزمات الحياة الطبيعية والبنية التحتية؟! كيف ستكون وانت كل يوم تسمع الى اعلام عربي مزّيف وكاذب ويستخدم كل وسائل العهر ضد مصالحك الوطنية؟! وكيف ستكون وانت تعيش كل الحظات بالخوف والرعب والاضطهاد؟! كيف ستكون وانت مكبل بالممنوعات والمحّرمات كلها وفي الاماكن كلها حتى لو كنت في اقصى مكان في العالم.. وتخشى من اقرب المقربين اليك؟! كيف ستكون نفسيتك قوية جبارة وانت قد مررت باشرس الانسحاقات وقصف الطائرات وسقوط القنابل والصواريخ على مدنك واحيائك وضياعك وكل اراضيك؟! كيف باستطاعتك ان تبقى مكبل الارادة خوفا من السجن والتعذيب والملاحقات والاعدامات وكل المأساة؟! هل باستطاعتك اي بيت عراقي نسيان من افتقده من زهرة شبابه في الحروب الدموية؟ هل تعرفون ما الذي فعلته الالاف من عناصر الجيش الشعبي بالعراقيين؟ هل هناك شعب كالعراقيين هرب منه اكثر من اربعة ملايين من خيرة ابنائه الى حيث المجهول؟ هل يمكن للعراقيين نسيان اولئك الذين ابتلعتهم البحار والمحيطات ولاقوا من العسف والاهوال في ارض الله الواسعة؟ هل تعلمون يا مثقفي الوطن العربي والامة العربية ما الذي صادفه العراقيون في المطارات والموانئ العربية منذ العام 1990؟ هل نسيتم ما الذي حدث للكويت والكويتين عندما انقسمت الامة على نفسها؟

    وأخيرا .. ماذا حدث؟
    انسحب عماره ورضوان خلسة وحل الشاعر التهامي وانا منشغل وكان التهامي قد كتب العشرات من القصائد بحق العراق وحب العراق منذ ايام عبد السلام عارف وعلى امتداد عهد البعثيين.. كان الرجل ينصت الي فقط من دون ان يعّلق على ما اقول.. ثم خرجت بدوري كي استلقي في غرفتي قليلا.. وفي المساء التقيت الشاعر التهامي صدفة فانكّب على كتفي وفي حلقه غصة وفي عينه دمعة عصية فهمس في اذني : انني احب العراق ولكن لا احب ان يكون تحت القبضة الامريكية! اجبته على رؤوس الاشهاد بأن العراقيين كلهم وحتى خصومه لا يقبلون ان يكون العراق محتلا او منتدبا! وارجع لأقول بعد كل هذا الذي قدمته من التحليلات والرؤى والحوارات والنماذج والافكار.. متسائلا : هل ستنفع كل هذه وغيرها من النداءات العراقية وسط هذا البحر العربي المشحون بالعنف والكراهية والقاء التهم وتشويه الحقائق واثارة الاحقاد وتعكير الامن..؟؟ صعب جدا حدوث ذلك.. اذ انني اعتقد ويشاركني اغلب المثقفين العراقيين بأن العراق سيبقى يشكّل عقدة جيوتاريخية بالنسبة للعرب اثر ما يحصل فيه من التغيرات الجذرية.. فلقد خرج اليوم عن طوره القومي العربي الذي قاده على امتداد القرن العشرين ليجد نفسه في طور تاريخي آخر من ظاهرة اخرى في الحياة السياسية، وسيجد العرب انفسهم من ورائه لا محالة عبر القرن الواحد والعشرين اذ ان الحاجة باتت ماسة لحدوث تغييرات جذرية عند العرب.. وسيكون السيد الرئيس والبطل القومي في خبر كان بعد ان ينتقل من واقع سياسي بليد الى ذاكرة تاريخية مظلمة! فهل سيتعلم العرب من تجربة العراق المريرة شيئا ذي بال وبسرعة شديدة.. انني اشك في ذلك!
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    التفسّخ العربي ازاء محنة العراقيين واحتقاناتهم
    تفكيك نموذج ردح عربي
    الثلاثاء 13 يناير 2004 07:26
    د. سّيار الجميل

    التتمة
    يشترك العرب اغلبهم اليوم على قاسم مشترك واحد ازاء العراق والعراقيين وكأن الذي حدث للرئيس السابق صدام حسين هو من فعل العراقيين الذين لم يكن يدور في خلدهم ابدا كم كان العرب يعشقون صداما، ولم يدرك العرب حتى الان بأن صداما محظوظ جدا في ان يقع بأيدي الامريكيين لا العراقيين.. فهل يتخّيل العرب ما الذي كان سيفعله العراقيون بزعيمهم السابق؟ وما سيلحق ذلك من حمام دم؟ واعتقد ان العرب معهم كل الحق في عشقهم له فقد كان حالة مختلفة عن كل الزعماء في التاريخ، وقد كانوا هم وما زالوا ايضا حالة مختلفة عن كل الشعوب والمجتمعات في هذه الدنيا العجيبة، فكل العالم يتعلم من تجاربه القاسية باستثناء العرب الذين اثبت الواقع السياسي انهم لا يتعلمون ابدا من واقعهم ولا من تاريخهم شيئا على امتداد عشرات السنين.. ولم تحركهم الا انوياتهم ونزعاتهم ومصالحهم ونرجسياتهم او في احسن الاحوال قياسهم الامور بعمومياتها من دون اي فرصة لتأمل الاخطاء وفحص الخصوصيات مشفوعة بالادلة والقرائن.. ومن دون اي حساب لحجم الاضرار وحجم الاذى القاتل الذي تنتجه مواقفهم وتصريحاتهم وخطاباتهم.
    وكأني اجد اليوم انقساما مريعا في التفكير الراهن بين معسكرين عربيين اثنين عند الكتاب والساسة والاعلاميين والمثقفين العرب لم يكن سببه العراقيون ابدا، بل كان العرب كلهم شركاء في صنعه، فلماذا كل هذه الهجمة البليدة ضد العراقيين ومواقف العراقيين وانا مدرك بأن للعراقيين احتقاناتهم الداخلية؟ اذا كان صدام حسين حالة قومية عربية بطولية مقتدرة – كما يريدونه وكما كان يعلن صباح مساء -، فلماذا يؤخذ العراقيين بجريرة صدام حسين عندما سقط بايدي الامريكيين ذليلا؟ ولماذا لا يعترف الاخوة العرب حتى يومنا هذا بأن العراق حالة خاصة؟ ومتى يدرك اشقاؤنا العرب بأن كل العراقيين من دون استثناء يدركون حجم الاحتلال وثقله وانهم يدركون من هي امريكا؟ فالعراق كانت له تجاربه القديمة مع الولايات المتحدة الامريكية مذ دخلت عضوا في حلف بغداد في الخمسينيات من القرن العشرين.. وقد قطعت العلاقات العراقية الامريكية بعد العام 1967 اثر هزيمة 5 يونيو، وعادت بعد حوالي عشرين سنة، وراقب العراقيون طبيعة العلاقات العربية الامريكية وادركوا ثمن الصراع غير المتكافىء بين العراق وامريكا على حساب منفعة غيرهم وعلى حساب تعاستهم وشرور حروب المنطقة التي اشعلت وكانوا وقودها. واليوم يحاول العراقيون بناء صفحة تاريخية جديدة أي ان همومهم اليوم تنحصر في كيفية بناء العراق الجديد دستورا ومؤسسات واجهزة واعمال واصلاحات واعمار.. بعد دفعهم اثمان باهضة من اجل التغيير الذي لم يحققه لهم الا الامريكان.. وفي ذلك مفارقة تاريخية صعبة لا يدركها الا المؤرخون في المستقبل الذين سيجدون العراق محررا كان ام محتلا قد وقع بين المطرقة والسندان وهو يخرج اليوم بكل ترنحاته وجروحه غير المندملة ولابد للاخرين في كل العالم من الاخذ به الى ان يكون احسن حالا وافضل امنا واستقرارا ويتعافى مستردا حقوقه ليكون عضوا نافعا في المجتمع الدولي.


    رسالة معّبرة: نموذج ردح عربي
    وصلت الى بريدي الالكتروني رسالة صوتية أرسلها لي أحد الاصدقاء العراقيين وهو مثقف واكاديمي وواحد من ابرز الجيولوجيين في العالم ويحتل منصبا مرموقا ويقول لي بلهجة عراقية متأسّية: " اسمع ما يقوله الفلسطيني السيد خالد بيوض التميمي (.... ) بحقنا نحن العراقيين! وقد تحّدث بيوض ضدنا بلغة رخيصة جدا خارجة عن السياق الاخلاقي! ". والحقيقة انني لم اكن اعرف من هو التميمي، فسألت احد اصدقائي الفلسطينيين فأعلمني انه عضو المجلس الوطني الفلسطيني.. وهالني جدا ما سمعت بعد ان فتحت الرسالة التي لم اكن اود ان اكتب اي شيىء ضد الرجل لأنني اعلم حجم الاذى النفسي الذي تعّرض له هو وغيره من الاخوة العرب نتيجة سقوط صدام وخصوصا بعد ان تأكدوا ان صداما اصبح بيد اعدائه الامريكيين، ولكن الحاح اصدقائي العراقيين سيكبر من اجل صد هذه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها العراق وابنائه كلهم نتيجة ردود الفعل العربية العاطفية الساخنة وبكل شراستها التي لا تقدر الامور حق قدرها ابدا في كل الاحداث والمواقف والاحتقانات.
    ويا للاسف الشديد! انني اكتب هذا المقال من اجل ارسال رسالة الى كل اخواننا الفلسطينيين ومن يشاركهم من الاخوة العرب كلهم وان افهمهم بأن ما يفعلونه ضدنّا انما يضر ضررا بالغا بهم وبالامة كلها اكثر مما يضر العراقيين بشيىء والذين ليست لهم اليوم الا همومهم الداخلية الصعبة اكثر بكثير من هذه الهموم السياسة الخارجية سواء كانت عربية ام اقليمية.. وبقدر ما كان العراقيون يتخوفون اقليميا من جارتين كبيرتين اذا ما تغّيرت الاوضاع، فان الاحداث الاخيرة قد ترجمت ان الاذى والضرر قد جاء من اخوتنا العرب اكثر من غيرهم ويا للاسف الشديد، عندما اجد غالبية العراقيين وبضمنهم كل جماعات التيار القومي في العراق يدينون الوصايات والتدخلات السياسية العربية في شؤون العراق وفرض انواع من الاجندة الدينية والقومية على العراقيين! دعونا نتوقف قليلا عند نموذج واحد من نماذج الردح العربية ضد العراقيين:


    مضمون الخطاب ومناخه
    ان خطاب الاخ بيوض قد تضمن كلاما بذيئا جدا ومتشنجا وعصبيا ولا يليق برجل حليم له حكمته وله وسائله في الحوار والجدل بالحسنى مع خصومه الذين صنعهم بنفسه. وعليه، ان يعرف كيف يعالج مشكلته ان كانت لديه مشكلة اصلا مع العراق والعراقيين وهو يدّعي الدفاع عن قضايا امته العربية.. كيف لنا ان نقبل حتى وان لم نكن عراقيين استخدام جمل وتعابير ونقسم باغلظ الايمان ضد العراقيين كلهم او ضد قسما منهم مهما كان لونهم او جنسهم او طائفتهم! كيف نقبل ويقبل العالم كله استخدام كلمات واوصاف كـ " الاحذية " و " الحقير " و " منتهى الحقارة " وغيرها من الكلمات النابية لشخصيات من العراق مهما كان طيفها ومذهبها؟ لم اسمع ايا من العراقيين يكيل التهم والبذاءات لخصومهم من العراقيين بهذا الاسلوب وهم من بلد واحد.. فكيف يقبل الفلسطينيون كلهم ان يستخدموا هذه الشتائم ضد العراقيين مهما كانت المفارقات بين العراقيين؟ وانا اعرف من بين الاخوة الفلسطينيين اصدقاء بمنتهى الطيبة والاخلاق والكرم. ايريد هذا الاخ بعمله هذا ان يعلمنا مصالحنا اين هي؟ اليس في العراق رجال احرار وشيوخ شجعان ونخب وساسة وادباء ومثقفين ومناضلين ونسوة حرائر..؟؟ أليس في العراق من يقف وينادي بحقوقه ويناضل من اجل تحقيقها؟
    لماذا كان الخطاب بمثل هذه الشناعة وهو مليىء بالاتهامات والدعوة على اشعال فتيل الارهاب الداخلي والى القتل والاحتراب بين الاطراف والتدخل السافر في الشأن العراقي الداخلي الاجتماعي وليس السياسي وبشكل يثير القرف؟؟ وهو يقاطع ويهدد تهديدات غاية في السوء ويقسم بالله العظيم انه سيفعل كل شيىء ضد الشيعة العراقيين محرّضا السنة من اهل الرمادي والفلوجة وتكريت والموصل وسامراء وكركوك.. ضد الشيعة! وكأن السنة من العراقيين ليست لهم حناجر واصوات يمكنهم بها ان يعبروا عن مطاليبهم وحقوقهم، وهذا ما تشهد به الصحافة العراقية اليوم ان كان العرب باستطاعتهم ما يكتبه العراقيون! وكأن الاخوة الشيعة ليسوا من العراقيين العرب الاقحاح بل بالفعل ان الاخ بيوض يصنفّهم ويجعلهم من الايرانيين ( المجوس ) زورا وبهتانا وبلغة شتائم مقذعة ويفضّل اليهود والنصارى على الشيعة!!
    وانا اخاطب برسالتي هذه كل الامة العربية المجيدة: هل تقبلون ايها العرب الشرفاء مثل هذا الخطاب الذي لا يفصل بين المدنس والمقدس؟ وبعيدا عن الخلافات الدينية والمذهبية لماذا يتم استخدام كل هذا لاغراض سياسية؟ هل تقبلون ان يتمزق العراق لارضاء الاهواء العربية المجنونة؟ هل تقبلون به اشعال حرب اهلية مقيتة في العراق؟ هل يقبل اولئك الذين يسمون انفسهم بمثقفين عرب مثل هذا الذي يهز العراقيين كلهم من اعماقهم هزا عنيفا عندما يسمعونه.. وتريدوننا ان نسكت عليكم؟ اذا كنتم لا تعرفون العراق وخصوصيات المجتمع العراقي وتنوعاته المعقدة ، فما الذي يجبركم على ان تتوغلوا في دواخله ومشكلاته؟
    اعترف ان في العراق اليوم انقسامات واحتقانات وانعدام للعدالة في المحاصصة وحالات فوضى امنية لم يعهدها العراقيون سابقا، ولكن قلنا وردّدنا منذ زمن طويل: انها ترسبات متنوعة لخمسين سنة مضت سيمر بها العراق من اجل تصفيتها فهو الاحوج الى نقاهة وجملة هائلة من اجراء العلاجات لا المزيد من اشعال الاضطربات. وما دام هذا شأن العراقيين، فدعوهم يا اخوتي العرب وشأنهم.. لماذا تتدخلون في امورهم ومفارقاتهم؟ لماذا تتحدثون باسمهم ؟ ومن وكّلكم لتتحدثون بأسم بعضهم ضد البعض الاخر؟ هل وجدتم عراقيا واحدا من ساسة ومثقفين واعلاميين ومفكرين عراقيين يتدخل في اي شأن من شؤونكم العربية وبمثل هذا المستوى الواطىء من التعامل والخطاب؟ اذا كانت هناك ثمة مشكلات سياسية او حتى طائفية او عرقية او امنية.. فهذا من شأن اصحابها في العراق.. وكأن العرب اعتادوا على فرض اجندتهم ودعاياتهم ووصاياتهم وحتى تعليقاتهم وشتائمهم في جرائدهم وخطبهم واذاعاتهم وفضائياتهم منذ خمسين سنة وحتى اليوم! وكأن اشقائنا العرب لا يعرفون الا اسلوب الردح ضد العراقيين منذ خمسينيات اذاعة صوت العرب حتى اليوم.. فلماذا هذا كله؟ اليس هناك من العقلاء العرب يجيبني على هذه الاسئلة بكل هدوء وبرود ومن دون اي تشنج او عصبية او انفعال او شتائم وبحيادية تامة ؟


    لقد تغّير الزمن فمتى تتغيرون؟
    لقد تغّير الزمن حقا والعرب لم يتغّيرون، فحتى الاخ جهاد الخازن يخرج علينا قبل اسبوع في جريدة الحياة ليلوم العراقيين انهم السبب في ابقاء صدام ويديننا نحن العراقيين باننا نتهم العرب اتهامات باطلة ونحن المسؤولون.. وكأنه لم يسمع بما يفعله الاخوة العرب ضد العراقيين! وكأنه نسى ما كان يدركه وينشره قبل سقوط النظام؟ وكأنه نسى ما كان يقوله بأن الاجهزة العراقية حاولت شرائه وتهديده فأبى.. وكأنه لم يسمع ويدرك ويعرف بأن كتلا عريضة من الاعلاميين والكتبة والمهرجين والمثقفين العرب كانت لهم ارتباطاتهم باجهزة صدام كما تكشف الوثائق يوما بعد آخر وبالاسماء؟ اذا كنتم اصحاب حمية ونخوة عربية حقيقة وفعلا، فامهلوا يا اشقائي اخوتكم العراقيين قليلا من الزمن لترتيب شؤونهم الداخلية والامنية ولا تثيرون احقادا سياسية او تتوهمون اخيلة لا اساس لها من الصحة؟ اذا كنتم فعلا تريدون مصلحة العراقيين، فعليكم نسيان الماضي وعليكم قول كلمة حق فسوف لن يرجع صدام حسين ثانية ابدا.. وحتى ان تحقق حلمكم ورجع مرة اخرى فسوف لن تجدوا عنده ما وجدتموه من قبل فلن يدللكم صدام ثانية ويوّزع عليكم الملايين ..
    عليكم اشقائي العرب بتشجيع رأب الصدع والائتلاف والانسجام بين العراقيين على دستور ومؤسسات وحياة كريمة.. وحكومة شرعية واعمار حقيقي للعراق، ففي ذلك فائدة لهم ولكم معا.. ان وحدة العراق الداخلية وامنه واستقراره اليوم اهم ما يشغل بال العراقيين وثقوا بأن العراق والعراقيين هم من اصعب الناس عند الشدائد، ولكنهم من اطيبهم واسخاهم عند الرخاء، فلا تفقدونهم بما تفعلونه اليوم بهم وما تريدونه منهم لكم، وما تحللونه عليكم وتحرمونه عليهم! ما تكتبونه او تصرحون به ضدهم وما تعتمون عليه ازاءكم وبالتالي سينعكس عليكم ذلك شئتم ام ابيتم! انهم باقون في ارضهم وسيحافظون على وجودهم وسيرحل المحتل طال الزمن ام قصر.. ولكنني اعتقد بأن العراقيين قد علمتهم التجارب كثيرا، وسيشقون لهم طريقا جديدا في التاريخ الا اذا تمّزق العراق اربا اربا ودخل حربا اهلية شنيعة – لا سمح الله – وهذا ما لايريده اي عربي شريف له مروءته ونخوته، بل يطمع اليها كل الاشرار الحاقدين على العراق واهله، كما تؤجج ذلك بعض الاعلاميات العربية الداعرة بالذات مقارنة بمتابعتي للاعلاميات الدولية المحايدة.


    من يوّسع هوّة القطيعة بين العرب والعراقيين؟
    لقد اسكت الرسالة وتجمدت الدماء في عروقي بعد ان سمعت تصريحات الاخ التميمي وجلست أتأمل هذا الذي اصاب العرب بالتهتك والبشاعة والهستيريا والجنون منذ انهيار صدام حسين، بل وخصوصا عندما فقد العرب اوراقهم كلها اثر القبض على السيد الرئيس السابق.. بعد ان كانوا يتأملون رجوعه الى السلطة وكأنه كان يقود – فعلا – المقاومة العراقية ضد المعتدين الامريكان. وهذا وغيره يفصح عن ضيق افقهم وبلادة تفكيرهم مع كل الاسف.. تأملت في هؤلاء الاخوة العرب الذين يضرون انفسهم وعروبتهم وامتهم المجيدة فعلا بمثل هذه الاساليب الدعائية الرخيصة التي جعلت القطيعة حاصلة او هي انما هي تحصيل حاصل في ما بينهم وبين غالبية العراقيين لا محالة!
    وليكن معلوما بأنني لست شيعيا ولست من كربلاء او من النجف، بل انني ابن هذا العراق كله ومن مدينة الموصل بالذات ومعي كل اهلي وابناء وطني من العراقيين اجمعين لا اقبل ولن اقبل ابدا ان يتحدث كائن من كان باسمى ويزايد على عراقيتي ويستخدم اي اسلوب طائفي باسمي ضد كل ابناء وطني العراقيين مهما كان صنفهم وعرقهم ودينهم وطائفتهم وملتهم في الجنوب او الغرب او الشمال او الشرق! ولا اقبل ابدا ان اسمع من هو ناعق خارج الحدود لكي افضله على اهلي من العراقيين مهما كان هناك من خصام بيني وبينهم كما يتوهم العرب وهذا ما لم يحدث ولن يحدث بعون الله! لم نتربى نحن العراقيين لا على الانقسامات ولا على الطائفية ولا على الكراهية ولا على الانغلاق ولا على الاحقاد الاجتماعية ابدا. نعم كانت هناك اختلافات سياسية وايديولوجية وفكرية في القرن العشرين حال اي امة من الامم وكان لنا ان دفعنا ثمنها باهضا من شبابنا واحزابنا ورجالنا في دولة عراق الماضي بعيدا عن سماحة المجتمع العراقي وطيبته ونسيجه وانسجاماته التي تعّبر عنها اصالته منذ الاف السنين.. هكذا كان المجتمع العراقي ونأمل ان يكون في المستقبل لا تفرقه الاديان ولا الطوائف ولا الاعراق ولا الجهويات ولا القبليات.. ولقد اثبتت تجربة العراقيين في الحرب الاخيرة قوة تماسكهم ووحدة اهدافهم ازاء الظالمين كل الظالمين.
    وانا واثق بأن السيد التميمي قد فقد وعيه عندما تكلم بهذا الاسلوب عن الشيعة العراقيين..أوعندما يشّبه اعضاء مجلس الحكم الانتقالي بالاحذية وبالحقارة، فهذا كلام ووصف لا يليق به ابدا سياسيا وربما لا احد سيرد عليه، ولكن عندما يتّهم السيد الامام السيستاني وهو المرجع الاعلى الاكبر لكل الشيعة في العالم بتهمة (...... ) وحاشا للرجل من هذا كله اذ يكفيه فقط انه مسلم قضى حياته في دراسة علوم الاسلام وغدا بالاجماع مرجعية دينية عليا للملايين من المسلمين في العالم، فاقول ان الردح العربي قد تجاوز كل الحدود والمسافات وتخطى كل الاخلاق وأوقد جمرا حقيقيا من تحته اذا ما انتشر خبر صاحبه عند الاخوة الشيعة في العالم.
    لقد نال الاخ عضو المجلس الوطني الفلسطيني بكلامه كل العراقيين نيلا مبرحا، لأنه لا يدرك ان كلمة واحدة من لدن السيد السيستاني سوف تهّز ضمائر كل الشيعة في العالم والعراقيين في مقدمتهم هزا عنيفا. انه تطاول على المرجعية الدينية للشيعة الجعفرية الاثني عشرية كلهم وهو يشتمهم ويشتم الامريكان معهم ويصرخ بأن العراقيين قد غدوا احذية بارجل الامريكيين! واقول للاخ عضو المجلس ان يعلن تراجعه عما قال ويعتذر اعتذارا رسميا وعلنيا من كل العراقيين لأنه انزل نفسه الى الاتون الاجتماعي العراقي الذي اعتقد بأنه سوف لن يسعد ابدا من دون ان يصّفي حسابه ببساطة معه.. وهذا لا يهم ابدا بقدر ما اناشد الاخوة الفلسطينيين كلهم، وهم اعزاء لدى العراقيين بأن مثل هذه التصريحات والخطابات التي تأتي على لسان البعض منكم من دون ان تعلنوا عن استنكاركم لها سوف تصنع شرخا عميقا بين الفلسطينيين والعراقيين بعد ان اتلمس اليوم بأن جرحا قد فتحه العرب وسوف لن يندمل بسهولة ابدا. وهذا ما ينطبق على اي من العرب الاخرين والعراقيين.. وهذا ما لا نريد ان يحصل باسم كل القيم والدماء والاصول التي جمعتنا ايها العرب عبر الاف السنين.


    حاسبوا تجاوز الخطوط العراقية الحمراء
    ان الاخ عضو المجلس على غرار بقية غالبية العرب لم يدرك حتى اليوم الخطوط العراقية الحمراء عندما تحترق كم ستحرق معها.. وانا أسأل بدوري اولئك الاخوة الشيعة اللبنانيون وفي مقدمتهم الاخ السيد حسن نصر الله سؤالا واحدا: هل تقبل اخلاقك وقيمك ان يرتفع صوت العرب ازاء العراقيين الشيعة وحوزتهم ومرجعيتهم العليا بمثل هذه الحماقة؟ وانت تسمع يا نصر الله كل هذا الزبد فلماذا تسكت؟ وهل لم تكن واحدا من الذين قاموا بزرع مثل هذا النبت ضد العراقيين قبل اشهر ثم لذت بالصمت.. تدخلت بالشأن العراقي ورحت اليوم تلوذ بالصمت؟ لماذا لا تنصح الاخ عضو المجلس وكل من يهدد ويتوعد ويرفع صوته ضد العراق والعراقيين بالسكوت فقط؟ العراقيون هدفهم اليوم ان يتوحدوا، وامنيتهم ان لا ان ينقسموا.. امانيهم تقول لهم تلاحموا لا ان تتشرذموا.. ويأتي اخواننا العرب ليثيروها نارا حامية وفتنة عاصفة وحربا اهلية هوجاء؟ يثيرون مناطق على اخرى! واعراق ضد اخرى! وطائفة ضد اخرى! ومدنا ضد اخرى! لماذا كل هذا القدح والردح والشتائم ضد العراقيين؟ لقد ارجعنا الاخ عضو المجلس الى زمن الردّاح الكبير سيىء السمعة احمد سعيد ايام الخمسينيات والستينيات.
    ان الاخوة العرب الذين يجّردون اليوم سيوفهم ضد العراقيين ويبرون اقلامهم ضد العراقيين ولكل مكوناته وعناصره واطيافه واعراقه وطوائفه.. انما يجردون انفسهم من ادنى درجات الحلم والاصالة والاخلاق.. هذا ان كانوا فعلا من الحرص بمكان على العراق والعراقيين. واعتقد ان الصدمة كانت على العراقيين عنيفة جدا منذ سقوط نظام الطاغية لأنهم لم يتوقعوا كل هذه الهجمة العربية من اشقاء لهم، يقفون الان ضدهم وضد امانيهم تحت الدعوة لمسميات شتى باسم المحبة والاخوة وكراهية امريكا! لقد صدمتهم هذه الهجمة التي لم يكونوا يتوقعونها ابدا، وهي هجمة يقوم بها اغلب مثقفي هذه الامة - الا باستثناء القليل النادر من العقلاء – اولئك المتوهمون الذين يريدون ان يكون العراق ساحة لتصفية حسابات كراهية العالم كله للامريكان! من دون ان يعلم الاخوة العرب بأن العراقيين قد تعبوا من الحروب التي لا طائل منها غير الهزائم المنكرة والانكسارات المذلة والنكسات المريرة والدماء القانية، وهم بنفس الوقت لهم حساباتهم السياسية واجندتهم الامنية ومشكلاتهم الداخلية ومعضلاتهم الاقتصادية.. الخ فدعوهم قليلا وهم الذين سيحققون استقلالهم وبناء بيتهم من جديد بعد كل ما حصل..
    كتل من الكتاب والمثقفين والساسة والمتحزبين الرداحين المتعصبين العرب من شتى الاتجاهات والتيارات السياسية، ومن الذين فقدوا كل مقوماتهم ينوحون اليوم على مكاسب كانوا يحصلون عليها وكل يوم تبث قائمة جديدة باسماء عملاء وجواسيس من صحفيين وسياسيين وبرلمانيين ومحامين وفنانين ورجال اعمال ونقابيين عرب كانوا يعملون لحساب اجهزة صدام حسين وقد اخترقوا مؤسسات وصحف وسفارات ونقابات عربية واجنبية حساسة وقوية ومتنوعة في بلدان مهمة! انهم يحملون اليوم حملتهم الشعواء يجاريهم في ذلك حشد واسع من عرب الداخل والخارج وهم الذين يكرهون امريكا قولا اكثر من محبتهم للعراق والعراقيين فعلا.. لهم كل الحق ان يكرهوا من يشاؤون سواء كانت امريكا وغيرها وهذا من شأنهم.. لأسباب كلنا نعرفها ويعرفها العالم، ولكن يدرك القاصي والداني ان الاوفياء والاصلاء والعقلاء العرب المخلصين لهذه الامة هم كثر ازاء مجموعات تقود الاعلام العربي من خلال جملة من توجهات سياسية عربية غير نظيفة لا تحب ولا تكره الا بقدر مصالحها وكم ستكون حجوم ارتزاقاتها!


    العراقيون: حالة خاصة!
    ان العراق جزء لا يتجزأ من الامة العربية كما هي بديهيات ما علمنا اياه التاريخ والجغراقية والقيم والانساب واللغة والاصول وكما نصّت عليه كل دساتير بلدان هذه الامة.. وهذا صحيح عندما يعد كل قطر عربي جزءا طاهرا من الامة، ولكن واقع العرب لا يعكس ذلك سياسيا ولا اجتماعيا ولا ثقافيا ولا اقتصاديا ولا امنيا اليوم.. فانا اسأل الاخوة العرب المعترضين وكل من على شاكلتهم من المعارضين: عندما كانت بغداد وكل مدن العراق تقصف بالطائرات، كانت جيوش الامة تتمتع بدفء شمس ابريل في ثكناتها! عندما كان العراقيون ينادون من هول الاحوال المأساوية وظلم الطاغية لم يستجب الينا احد من العرب! عندما كانت جيوش التحالف تعبر بدباباتها شوارع بغداد، كانت محطات تلفزيونية رسمية عربية تعرض غناء ورقصا وبرامج آثار وحفلات غناء..!! اعلام اسرائيل ترفرف فوق عواصم عربية ولا نسمع اي ردح ازاءها! كل الساسة العرب بما فيهم الراديكاليون يسمعون صوت امريكا ولا يسمعون صوت العراقيين منذ زمن طويل! دفع العرب جراء غبائهم بالالاف من زهرة الشباب العرب ليشاركوا صدام حسين في حربه المجنونة التي لا معنى لها وكانت محسومة لصالح التحالف من وقت طويل.. وجعلونهم عصفا مأكولا! وكان ثمن سقوط الطاغية احتلال العراق وهو ما كان قد عرف منذ قبيل اندلاع الحرب. يريد العراقيون ان يسمعوا يوما بادانات عربية لمن قاد الى كل هذه الجرائم بحق الامة منذ عشرات السنين.. لا ان يسمعوا شتائم بحقهم وهم في اسوأ الاحوال.
    اذا كان العراق فعلا كما تقولون تهمكم حمايته في دواخله ويهمكم كل شعب العراق بكل قومياته واقلياته واعراقه وليس بجماعات بعينها لوحدها او طائفة بعينها لوحدها في ميدانه وحتى ان كانت هناك اليوم خلافات واحتقانات سياسية بين العراقيين كما يصورها البعض، فليس من حق العرب ابدا ان يتدخلوا بشأن العراق والعراقيين لأن هؤلاء - كما اعتقد - لا يحتاجون العرب ابدا في الدفاع عن مصالحهم الوطنية ضد امريكا وغير امريكا! ولا يحتاجونهم في توزيع المسؤوليات والمناصب في ما بينهم! ان العراقيين يشكرون العرب جدا على مواقفهم القديمة والجديدة منهم، ويطلبون منهم فقط الكف ان اشعال الفتن الداخلية وتأجيج الاعلام المضاد للعراق الجديد الذي اصبح واقعا جديدا شئنا ام ابينا. والعراقيون يعرفون كيف كانت المواجهة والمنازلة التاريخية عند " اسوار بغداد الاعتبارية " التي راهن العرب عليها في نضالاتهم وراء ( مصداقية ) الاخ الوزير محمد سعيد الصحاف. وعليه، فالسؤال: لماذا طالت الالسنة اليوم ضد العراقيين ولم نسمع مثل هذه الصرخات والادانات والشتائم ايام الحكم السابق؟


    وأخيرا: ما الذي انصح به؟
    واخيرا انصح الاخ عضو المجلس وكل من على شاكلته بأن يرفعوا ايديهم عن شؤون العراق متمنيا ان يصمتوا كما صمتوا عندما احتلت امريكا الصومال وغير الصومال! وان يصمتوا كما صمتوا على ما يجري من اتفاقات مفضوحة بين العرب واسرائيل؟ ولكن اقول كما قال لي احد رجال العراق بأن سقوط بغداد والقبض على الطاغية شق كل الادبار ليس بسبب حب العراق والعراقيين، بل بسبب ضياع منجم ثمين جدا من مناجم الذهب الاسود والابيض والاصفر والاحمر والذي كانت سواقيه تجري في كل الاتجاهات منذ عشرات السنين الا باستثناء العراق والعراقيين! ومع كل ذلك اقول لكل اصدقائي واخوتي العرب وأنا العراقي العربي القح الذي لا يطلب معونة من احد بأن العراقيين متقلبون جدا ومزاجيون جدا: يحبون ولا يكرهون وهم يعشقون ولا يحقدون ولا يبحثون لهم عن مصالح ولا ارتزاقات من خارج حدودهم ابدا.. وهم يحبون سريعا ولكنهم ينتفضون ويغضبون سريعا ولكن عصفهم شديد عندما يثورون ونفسهم طويل كالجبابرة فلن يستطيع الاخ خالد بيوض التميمي ان يعمل بما اقسم عليه عندما قال وهو يتوعد ملايين الشيعة والاكراد والعرب والساسة العراقيين: ( والله والله لن نرحمهم ابدا.. لن نرحمهم ابدا باستخدام كل الوسائل ضدهم.. )!!.
    وعليه انصحه نصيحة لله ان يتراجع ويعتذر قبل ان يأتيه العصف المأكول! عليه ان يتراجع عن قسمه قبل اي يفوت الزمن خصوصا وان تصريحاته تنتشر اليوم بين العراقيين.. كل العراقيين! وهي دعوة طيبة الى كل اخواننا العرب بأن يعتنوا بامورهم ومشكلاتهم واظنها كثيرة ومعقدة كما اسمع بها وليس من حقي انا العراقي المستقل بان اتدخّل بها، وهي بحاجة ماسة الى اهتمام واصلاح ومعالجات قبل العراق. فاذا ما عجز العراقيون عن بناء مؤسساتهم وتحرير ارضهم واعمار بلادهم.. فسوف يسألونكم، ولكن بعد فوات الاوان لأن العراق كما اتخيله سيأخذ له طريقا جديدا في الحياة ضمن اي صيغة سيتفق عليها العراقيون وسيدرك العراقيون اين تكمن مصالحهم الحقيقية والعليا ، واعتقد انكم ستسألونهم في قابل الايام عما يمكن فعله وعمله، فتجربتهم التاريخية ستسبقكم في التغيير الذي ستواجهونه شئتم ام ابيتم وستطوون من خلاله كل صفحاتكم التي الفتموها وقدستموها في القرن العشرين، وعند ذاك ستدركون ما الذي اصاب اخوتكم العراقيين وهم في بلاد من اصعب البلدان.. متمنيا ان يلهمنا الله جميعا العقل والرشاد والحكمة في كيفية صناعة تاريخنا وحفظ اوطاننا واساليب التعامل مع هذا العالم ولله في خلقه شؤون.

    مؤرخ عراقي مقيم في كندا
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني