بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة : من الذنوب الكبيرة الاسراف والتبذير كما في الرسائل العملية وكتب الاخلاق ولكنا نرى هذه الكبيرة مضيعة ولم يهتم بها الكثير
, ولم يتعلم احكامها وحدودها والحذر منها الا القليل, بل الادهى من ذلك انا نخشى من البخل اكثر من الاسراف ونستحي من البخل ولا نخجل من الاسراف والتبذير مع ان البخل -اذا لم يكن بترك واجب او بفعل حرام- لم يكن محرما ولاكنه صفة مذمومة والاسراف والتبذير من الذنوب بل من كبائر الذنوب كما ذكرنا.

التعريف والفرق بينهما:

ذكروا معان كثيرة لهما ولكن ممكن القول ان أصل الاسراف مجاوزة الحد يقال سرفت القوم اذا تجاوزتهم وانت لا تعرف مكانهم قال الراغب:
الأسراف: السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر.
• التبذير: التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكل مضيع لماله.
و لعل الفرق بينهما ان التبذير هو الانفاق في ما لاينبغي اصلا والاسراف هو الزيادة على ما ينبغي. والسرف يستعمل لكل ما يصدر من الانسان سواء في الانفاق المالي او غيره اما التبذير فتقريبا محدد بالجانب المالي.

ذمهما:

قال تعالى(...ولا تبذر تبذيرا)( 26) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)
( 26 -27) الاسراء. (...وأن المسرفين هم أصحاب النار )43 غافر.
ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) 31 الاعراف ...)
لا نطيل بالروايات بعد تصريح هذه الايات الا انا نذكر هذه الرواية الجامعة
عن الصادق(ع) قال:( يا عيسى المال مال الله عزوجل جعله ودايع عند خلقه وأمرهم أن يأكلوا قصدا ويشربوا منه قصدا، ويلبسوا منه قصدا، وينكحوا منه قصدا ويركبوا منه قصدا، ويعودوا بما سوى ذلك على الفقراء المؤمنين، فمن تعدى ذلك كان ما أكله حراما، وما شرب منه حراما وما لبسه منه حراما، وما نكحه منه حراما، وما ركبه منه حراما.
الله سبحانه خلق خلقه وخلق لهم الارض وخيراتها وجعلها تكفي لمعيشتهم ولكن سوء تصرف الانسان حال دون ذلك فبجانب كل نعمة حق مضيع وما تنعم غني الا وتجد هناك فقيرا معدما, ولعل من اهم الاسباب التي تساهم بإبقاء الفقر بل وبزيادته -وان كان بطريق غير مباشر- هو الاسراف والتبذير فبالصرف والتبذير نعدم الكثيرمن خيرات الله ونهدرها من دون حاجة وهذا يعني انا ننقص ما ينتجه الاخرين وبذلك يبقى سعره مرتفعا.
اما اذا لم يكن اسراف وتبذير تبقى خيرات الله متوفرة فيسهل ذلك على الفقير.
وكلما كثر استهلاك الانسان طال حسابه يوم القيامة من اين اكتسبه وفي اي شئ انفقه ولماذا فعلت هذا ولم تفع ذاك وغير ذلك من محاسبة عسيرة, اما اذا حاول الانسان ان يستهلك القليل من الاكل والشرب والملبس والمسكن وما الى ذلك يكون حسابه اقل ولذا روي عن أبي عبدالله(ع) قال:
إن فقراء المسلمين يتقلبون في رياض الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ثم قال: سأضرب لك مثل ذلك إنما مثل ذلك مثل سفينتين مر بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئا، فقال: أسربوها ونظر في اخرى فإذا هي موقورة فقال: احبسوها.
رسول الله(ص) رجلا يتجشأ، فقال: يا عبدالله أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا.

وسطية الاقتصاد و مدحه:

اراد الله سبحانه منا ان نسيرعلى الصراط المستقيم هذا الصراط الدقيق الذي اتخذ الوسطية فاذا انحرفنا نسقط في الافراط او التفريط.
وفي هذا الموضوع يكون الطريق الوسط الذي اراده الله منا هو الاقتصاد والافراط هو التبذير والاسراف والتفريط هوالبخل فبعد ان بينا بايجاز ذم الافراط نذكر اية و رواية في ذم التفريط -البخل- لنعرج على مدح الاقتصاد ودقته.
قال الله تعالى:"ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "العمران 180
وقال(ص): البخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار.

اما الاقتصاد وان شئت فقل الصراط المستقيم في الجانب المالي فهو الاقتصاد:
وهو صرف المال فيما يحتاج إليه، أو فيما يترتب عليه فائدة مقصودة للعقلاء بقدر يليق بحاله.
قال تعالى في مدحه لصفات عباده(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)الفرقان 67
النبي(ص): ثلاث منجيات، فذكر الثالث: القصد في الغنى والفقر.
: الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة)) اميرالمؤمنين(ع):
" الاقتصاد ينمي اليسير"," الاقتصاد نصف المؤونة "," لن يهلك من اقتصد"," ليس في الاقتصاد تلف"," من لم يحسن الاقتصاد أهلكه الاسراف"," من اقتصد خفت عليه المؤن".
عن أبي عبدالله(ع)، قال:"لا يصلح المرء الا على ثلاث خصال: التفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على النائبة".

من السرف بنظر اهل البيت

نظرة سريعة لإهتمام الأئمة(ع) بما يخص الموضوع تجد العجب, وكيف انهم(ع)يشددون على جزئيات بسيطة ويعتبرونها من السرف.
أن رسول الهدى(ص) مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ فقال(ص): "نعم وإن كنت على نهر جار".
عن أبي عبدالله(ع) قال: "إن لله ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه".
رسول الله(ص): إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت.
دخل رسول الله(ص) على عائشة، فرأى كسرة، كاد أن يطأها، فأخذها وأكلها، وقال: يا حميرا، أكرمي جوار نعم الله عليك، فإنها لم تنفر عن قوم، فكادت تعود إليهم".

الصادق(ع):إنما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك.
اي الثوب الذي تلبسه للخروج بين الناس النضيف الثمين تستعمله في العمل والبيت وما شابه.
قال: قلت لأبي عبدالله(ع): أدنى ما يجئ من حد الإسراف، قال: (ابتذالك ثوب صونك و إهراقك فضل إنائك، وأكلك التمر ورميك النواة هاهنا وهاهنا).
" أكل الغلمان يوما فاكهة، فلم يستقصوا أكلها، ورموا بها، فقال أبوالحسن(ع): سبحان الله، إن كنتم استغنيتم، فإن ناسا لم يستغنوا. أطعموه من يحتاج إليه".
- وعن أبي عبدالله(ع)قال: "إني لأجد الشئ اليسير يقع من الخوان، فأعيده، فيضحك الخادم".
- وعن أبي عبدالله(ع)قال:"قال رسول الله(ص): من وجد تمرة أو كسرة ملقاة فأكلها، لم تستقر في جوفه حتى يغفر الله له".

نقلوا عن السيد الخميني كان يوما جالسا ربما كان اجتماعا فشاهد الحنفية لم يحكم اغلاقها فكانت تنزل منها القطرة فترك الاجتماع وقام كي يحكم غلق الماء خوفا من ان يكون ذلك اسرافا.
وكان اذا شرب احدا الشاي وابقى قليلا يامره ان يشرب الباقي, لنحاسب انفسنا وندقق بهذه الامور قبل ان يأتي يوم الندامة.
سوف يعض في غد * بنانه من ندم
حين يرى جزاءه * ولات حين مندم