بغداد/ وكالات
لم يعد من الصعب التكهن بتأجيل الانتخابات النيابية المقبلة بعد تأخير نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي رده على التعديلات التي اجراها مجلس النواب على قانون الانتخابات، والذي قد يعلن اثناء عيد الاضحى بحسب ما اكدته مصادر مقربة من الهاشمي.
الهاشمي الذي المح الى تجديد النقض، بدأ يتعرض لضغوط مزدوجة من السنة والبرلمان على حد سواء. فالسنة حملوه ضياع بعض المقاعد من المحافظات ذات الغالبية السنية، من بينها محافظة نينوى التي فقدت ثلاثة مقاعد بعد التعديل، فضلا عن المقاعد التي فقدتها محافظتي ديالى والانبار وصلاح الدين، اما البرلمان فيتهم الهاشمي بممارسة دور تعطيلي لغايات حزبية ضيقة.
وكان البرلمان اجرى في 23 من تشرين الثاني الجاري تعديلا على قانون الانتخابات بعد أن نقضه نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي واعتبره "غير منصف" للمهجرين ولا يراعي عددهم الذي يقارب أربعة ملايين مهجر، لكن التعديل البرلماني الجديد لم يتطرق إلى مشكلة المهجرين وتمثيلهم، بل جاء على العكس تماما مما يرغب الهاشمي.
وتم خلال التعديل الذي اجراه مجلس النواب اختزال مقاعد محافظات نينوى والانبار وديالى وصلاح الدين وكركوك، اذ اصبحت حصة نينوى 28 مقعد بدلا من 31 مقعدا من مقاعد البرلمان، فيما اختزلت مقاعد الانبار الى 13 بدلا من 14، وكذلك الحال مع محافظة ديالى التي اختزلت مقاعدها الـ 13 الى 12، ومحافظة صلاح الدين التي فقدت مقعدا واحدا. أما الأكراد فقد حقوا مكاسب في عدد المقاعد، اذ تم اضافة ثلاثة مقاعد لمحافظة السليمانية الكردية طبقا للتعديل المذكور الذي اضاف نسبة النمو السكاني 2.8 بالمئة إليها بعد أن كانت صفرا.
وعلى الجانب الآخر اوقفت المفوضية العليا للانتخابات جميع اجراءاتها بانتظار موقف الهاشمي بعد التعديل، الذي عدته القرار الفصل في اجراء الانتخابات في نهاية كانون الثاني المقبل او تأجيلها الى شباط في احسن الاحوال.
ويؤكد عبد الكريم السامرائي، القيادي السابق في الحزب الاسلامي، وأحد نواب قائمة "تجديد" التي يتزعمها الهاشمي ان الاخير يفكر بجدية في نقض القانون من جديد، ليس بسبب كون التعديلات لم تصل الى الدرجة المطلوبة، بل "لانها تسببت في ضياع بعض المقاعد النيابية في محافظات تعول عليها القائمة".
واضاف "بدا التعديل وكأنه عقوبة للهاشمي على نقضه وليس رغبة في تحقيق العدالة، اذ تم تقليص مقاعد المحافظات السنية، ولذلك فإن نقض القانون سيكون امرا حتميا".
رئيس مجلس النواب اياد السامرائي سارع هو الاخر الى تأكيد تأجيل الانتخابات الاربعاء الماضي، وقال في تصريحات صحفية ان "الانتخابات لن تكون قبل نهاية شباط او بداية آذار المقبلين، وستمتد اذا ما نقض القانون مجددا الى نهاية شهر اذار، وستكون هناك مخاطر لان هناك جملة اجراءات لا يمكن اختزالها من قبل المفوضية التي ستبدأ من الصفر".
السامرائي حذر كذلك من ان تأجيل الانتخابات سيؤول الى فراغ دستوري مطالبا رئاسة الوزراء بحماية الدستور وملء الفراغ الذي سيتركه انتهاء الدورة النيابية في 15 اذار من العام المقبل.
اذ يتطلب تأجيل الانتخابات اجراء تعديل دستوري يسمح بتمديد عمل البرلمان والحكومة الى اسابيع لاحقة كي لا تنتهي المدة الدستورية المقررة لعمل البرلمان فتعيش البلاد دون حكومة او برلمان لاشهر لاحقة قبل تشكيل الحكومة الجديدة.
ويتعين على مجلس الرئاسة الموافقة على القانون او رفضه خلال 15 يوما من إقراره، وان الدستور يشير الى ضرورة أن يتخذ مجلس الرئاسة، المكون من الرئيس جلال طالباني ونائبيه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي، قراراته بالإجماع وليس بالغالبية، ويمكن لأي عضو في مجلس الرئاسة نقض القانون. لكن الدستور ينص على إمكان نقض القانون مرتين فقط، وإعادته الى مجلس النواب الذي يستطيع تمريره بموافقة ثلاثة اخماس النواب، اي 165 من اصل 275 نائبا.
ويحتاج النقض الثاني الى نحو 60 في المئة من أصوات البرلمان، أي ثلاثة أخماس اعضاء البرلمان، للموافقة على نقض النقض الثاني في حال صدوره، الامر الذي يجعل معالجة النقض امرا صعبا كونه يتطلب وجود توافق يحقق النسبة التي تسمح بمعالجة النقض.
فالبرلمان مازال يعاني من انقسامات حادة، ولا يمكن تحقيق نسبة 60 في المئة لقبول النقض أو رفضه، في حال حصوله، الامر الذي قد يجبره على العودة الى قانون الانتخابات لعام 2005 والقبول به بجميع هفواته، أو تأجيل الانتخابات الى شباط او آذار المقبلين.
اما المفوضية العليا للانتخابات التي حملت البرلمان والهاشمي مسؤولية تأخير الانتخابات النيابية فايقنت هي الاخرى ان اجراء الانتخابات في كانون الثاني المقبل باتت في طور المستحيل، فالسقف الزمني الادنى الذي حددته لتتمكن من اجراء انتخابات لكي تتطابق مع المعايير الدولية والذي يتوجب ان لايقل في اسوأ الاحوال عن 60 يوما يدفع بالانتخابات نحو شهر شباط/فبراير في حال انتهاء الازمة وموافقة الهاشمي على التعديل.
اما في حال تكرار الهاشمي نقض القانون فستكون تنبؤات رئيس مجلس النواب الاقرب الى الواقع حيث ستجري الانتخابات في آذار المقبل، لأن اجراء التعديل مجددا او نقض النقض لن يكون سهلا.
ويقول عضو مجلس المفوضين القاضي قاسم العبودي ان اجراء الانتخابات في التاريخ الذي تم تحديده مسبقا من قبل المحكمة الاتحادية ومجلس النواب بات "ضربا من الخيال"، وان "الانتخابات ستسير طبقا للعد العكسي، فهي ستجري تماما بعد ستين يوما من اقرار القانون، وبما ان القانون لن يقر قبل بداية كانون الثاني فيما لو تم اقراره من قبل هيئة الرئاسة، فإن موعد الانتخابات سيكون في شباط المقبل". وأضاف "بات التكهن باليوم المحدد امر صعب قبل انتهاء ازمة قانون الانتخابات ،ونحن حذرنا في وقت سابق من التهاون في هذا الجانب".
ولا تكمن مشكلة النقض في تأخير الانتخابات التي باتت امرا مؤكدا بل في الفراغ الدستوري الذي سيفقد جميع مؤسسات الدولة صلاحياتها وسيحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال وانتهاء الدورة النيابية في 15 آذار المقبل، الامر الذي قد يؤول الى مشكلات كبيرة في مختلف الميادين واهمها الجانب الامني.
اما نائب رئيس الوزراء رافع العيساوي المعروف بمواقفه المعتدلة في الاوساط السياسية والذي يتمتع بمكانة لابأس بها بين النواب الشيعة، فاكد على ضرورة ان يتم "تدارك الازمة والوصول الى تفاهمات تحول دون اعادة نقض القانون".
تأكيدات العيساوي جاءت خلال اجتماع مشترك مع وفد من السفارة الأميركية وبعثة الأمم المتحدة في العراق تم خلالها بحث تداعيات أزمة إقرار قانون الانتخابات، والتي رأى البعض انها قد تعيد العملية السياسية الى المربع الاول.