السعودية أمام تغيير موازين القوة داخل الحكم

إنتلجنس أون لاين: سلمان ونايف قد يدفعان جناح الأمراء السديريين إلى عزل ولي العهد



مع بداية عام 2004 بدأت موازين القوى في المملكة العربية السعودية داخل الأسرة الحاكمة تتأرجح من جهة الى أخرى بعدما بدأ وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز يفرض نفسه بقوة مدعوما من أشقائه الأمراء السديريين (سبعة أمراء جميعهم من أم واحدة هي حصة بنت أحمد السديري) الذين يشكلون عصبة يصعب على الأمير عبد الله ولي العهد القائم بأعمال الملك على مدى السنوات الثماني الأخيرة أن يتجاوزها أو أن يقلل من شأن ترابطها وقوتها وأثرها حتى على بقائه في الحكم.



بدأ اصحاب القرار الدولي والمراقبين السياسيين والاخرون المقربون من الحكم في الرياض يعيشون يوما بعد آخر تراجعا في سلطة عبد الله (بدأت تنهار بشكل تدريجي) وتزايدا في قوة ونفوذ نايف. وبدا أن لأمير الرياض سلمان بن عبد العزيز (احد اعضاء جناح الامراء السديريين) يلعب دورا مهما واساسيا في عملية التغيير المخيفة في ميزان القوة الحقيقية في المملكة بدعمه غير المحدود لشقيقه نايف ضد ولي العهد.

ووفقا لتقرير حديث لمؤسسة انتلجس أون لاين الدولية نشرته على موقعها فان مجلس العائلة المالكة في السعودية المكون من ابناء الملك عبد العزيز آل سعود والذي يضم في وضعه الحالي وبشكل خاص ولي العهد الامير عبد الله والامراء السديريين السبعة بما فيهم الملك فهد بالطبع الذي لا حول له ولا قوة منذ اصابته بالجلطة الدماغية في عام 6991 عقد عدة اجتماعات منذ بدء العام الجديد وحتى الآن وذلك تبعا لمناسبات او ظروف حتمت مثل هذه اللقاءات وفقا لمصادر دبلوماسية غربية في الرياض تتابع تطورات الامر في المملكة التي تعد المنتج والمصدر الاكبر للنفط في العالم.

وقد رصدت هذه المصادر اشارات أكيدة عن ان بعض هذه الاجتماعات كان عاصفا وصعبا على الامير عبد الله الذي ربما بدأ يدرك الآن فقط ان الامور لا تسير لصالحه وانه ليس في مأمن كما يعتقد. وتقول المصادر وفقا للنشرة ان ولي العهد وجد نفسه في عدة مرات موضع هجوم وتعنيف من وزير الداخلية.

ونقلا عن جهات سعودية لها علاقة بهذه الاجتماعات وبتركيبة مجلس العائلة المالكة فان سبب المتاعب التي يتعرض لها ولي العهد تعود الى الاجراءات الاخيرة التي فجرتها عقليته الاصلاحية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مواجهة المتغيرات التي تعيشها المنطقة والمطالب التي ينادي بها السعوديون وايضا في ظل مؤشرات عن تراجع دعم الادارة الاميركية لآل سعود أمام الشارع السعودي الذي مل من الفساد ومن ترفع ابناء الاسرة عليه واستفرادهم بالمناصب والامتيازات والاعفاءات.

ولعل مبادرة ما يعرف بالحوار الوطني التي انشأها الامير عبد الله بمثابة الباعث الاول والاكبر لقسوة نايف وتطاوله. فقد فجر لقاء عبد الله مع المثقفين السعوديين ودوائر العمل التحررية وجموع ونخب المطالبين بالاسراع بالاصلاحات، غضب وانزعاج وزير الداخلية واثار حفيظته على عبد الله وعلى السعوديين الذين لا يرون ان هناك مخرجا من الازمة التي تعيشها بلادهم والتي تهدد باغراقهم في بحر النزاعات الطائفية والاجتماعية، أفضل من الحوار البناء والاصلاحات الحقيقية. وقد وجد هؤلاء ضالتهم بشكل أو آخر في ما يسمى بالحوار الوطني.

ولفت نظر الدبلوماسيين الاجانب في الرياض تلقيهم اخبارا اكيدة ان جناح السديرية (الملك فهد، سلطان، سلمان، نايف، احمد، عبد الرحمن وتركي) برمته أظهر نوعا من القسوة والجفاء خلال هذه الاجتماعات ضد اخيهم غير الشقيق ولي العهد وبدوا متحدين ومتفقين في الرأي في مواجهة ولي العهد متناسين الخلافات والانشقاقات الداخلية فيما بينهم حيال العديد من القضايا والامور.



عزل

بل ان الاخطر وفقا لما ذكرته انتلجس اون لاين هو احتمال اقدام جناح الامراء السديريين على عزل عبد الله من الحكم. ويبرر السديريون التفاهم وراء نايف وانقلابهم على ولي العهد على اساس ان نايف الافضل والاقدر في مجال التصدي للارهاب وللمجاهدين الاجانب في البلاد. وتنقل النشرة عن سلمان بن عبد العزيز (امير الرياض) رؤيته ان بالامكان من خلال دعم نايف تحقيق هدف مهم وهو ليس تحرير المجتمع السعودي وفقا لما يريده الغرب ويطالب به المتحررون السعوديون وانما العمل على تقوية الروابط والصلات بين العائلة المالكة والمؤسسات الدينية الوهابية. وفي هذا الصدد يشدد سلمان على ان إحكام الامن يمكن ان يعالج كل شيء آخر بما في ذلك مطالب الاغلبية السعودية بالانفتاح ومنحها الحقوق في ان يكون لها دور حقيقي في الحياة العامة ورسم القرار. ووجهة النظر هذه هي وجهة نظر نايف في حقيقة الامر التي يغذيها سلمان طالما انها ستقود الى اقصاء عبد الله من الواجهة والسلطة.

ويعتقد السعوديون ان الاجتماعات حامية الوطيس التي عقدها مجلس العائلة قد كشفت عن حجم الاحقاد الخفية ضد الامير عبد الله من بعض اخوانه غير الاشقاء وهو ما كان يسمع به ولي العهد من قبل ناصحين محبين لكنه لم يكن يصدقه. ويقال ان هؤلاء الامراء كانوا يثنون على ويشيدون ويتقربون من ولي العهد ليس حبا به وانما لتمشية مصالحهم خشية ان تضر بهم اية مواجهة معه خاصة في السنوات التي بدا فيها ان بامكانه ان يشرع قوانين صحيحة للاصلاح ومعالجة الفساد. إلا ان هؤلاء لم يستطيعوا التستر على حقيقة مواقفهم ومشاعرهم عندما بدأ الامير عبد الله باتخاذ قرارات بتجميد بعض العقود الرئيسية التي لا طائل منها والتي تفوح منها رائحة الفساد والعمولات ووقتها بدأت مظاهر الثورة والتمرد والتطاول عليه واضحة ومنظمة. وعندما استجاب لدعوات داخلية واخرى دولية بان الاصلاح لا يتم دون محاربة واسعة للفساد داخل الامراء الكبار المتنفذين، بدأت المجموعة السديرية بانتهاج اسلوب جديد في التعامل معه عن طريق تشويه صورته امام الشعب وتثوير المؤسسة الدينية عليه والتفكير بازاحته واستبعاده من الحكم.



تحالف

ولعل اوضح صورة يمكن الحديث عنها الان تلك المتمثلة في التحالف القائم بقوة بين سلمان (امير الرياض) و نايف (وزير الداخلية) في وجه عبد الله وهو تحالف يخدم سلطان (وزير الدفاع) الذي يقع ثانيا في التسلسل بعد عبد الله. ومثل هذا التحالف كان يمكن ان يكون معدوم القيمة والاثر لولا الدعم الكبير الذي يلقاه من المجلس السديري القادر على قلب الامور رأسا على عقب على ولي العهد إن هو فكر بالخروج عن طاعتهم او العمل ضد مشيئتهم ومصالحهم.

والواضح ايضا ان عبد الله كان يعلم بما يخطط له اخوانه السديريون دون ان يستطيع مواجهتهم اذ ليس من المعقول ان يزرع اخوانه ابناءهم في اغلب الاماكن القيادية التي يمكن ان تحيط به وتخنقه والتي تمسك بزمام الامور في الشارع، دون ان يلفت ذلك نظره. وفي وقت يمتنع هو نفسه فيه عن دفع ابنائه الى الواجهة باستثناء متعب الذي يعمل في الحرس الوطني، فان اغلب نخب ونجوم الجيل الثاني من ابناء اسرة آل سعود الذين يعينون في المراكز الحساسة هم ابناء سلطان ونايف وسلمان الذين تقاسموا الداخلية والدفاع والاعلام والامن والمخابرات والنفط والاستثمارات.



مفاتيح السلطة



والاكيد ان كلا من نايف وسلمان استحوذا بالفعل على مفاتيح اهم عمودين من اعمدة المملكة وهما الامن والنفط. فعلى مد السنوات الاخيرة تحديدا عمد نايف وبهدوء ودون ضجيج وتحت ستار محاربة الارهاب والتصدي للمتطرفين من جماعة القاعدة الى زيادة اعداد افراد الشرطة والامن والى شراء المزيد من المعدات والاجهزة والاسلحة. وفي هذا الصدد هناك عقد ضخم لما يعرف باسم حماية الحدود السعودية ومراقبتها وهذا العقد الذي يسيل له اللعاب تنطبق مواصفاته وشروط التأهيل له على شركتين عالميين كبيرتين فقط هما ثاليس الفرنسية وريثيون الاميركية بينما بقي الحرس الوطني الذي يقوده ولي العهد خارج نطاق التطور وكأنه يركض دون بخار اي دون دعم حقيقي.

من جهة اخرى نقل نايف الكثير من سلطات وزارة الداخلية الى نجله محمد الذي رقي الى منصب نائب وزير الداخلية لشؤون الامن. والواقع ان النظام الذي وضعه نايف فعال ومثير وعلى مستوى عال من الكفاءة في التصدي للارهاب. وهذه هي الواجهة الظاهرة للعيان على الاقل. لكن الذين يعرفون الحقيقة يعرفون تماما ان نايف حول وزارة الداخلية من وزارة مكلفة بخدمة امن البلاد والحفاظ على الامن الداخلي الى عمل عائلي يتقاسمه هو وابنه.



خط النار

اما سلمان الذي يغطي عمله وانشطته ومصالحه الخاصة بالكثير من النفوذ السياسي بصفته أميرا لمنطقة الرياض، فقد نجح هو الاخر في تعيين ابنه عبد العزيز نائبا لوزير النفط وبسلطات وصلاحيات تتفوق على ما لدى الوزير الاصيل في هذا المنصب (حاليا علي النعيمي). فبات الذي يتصرف بامور النفط حقيقة هو الامير سلمان ونجله عبد العزيز والنفط هو عصب الحياة في المملكة وهو المورد الاساسي ومن خلال منصب مثل هذا يمكن التحكم بمصير المليارات من الدولارات وفي مصير الكثير من العقود.

ولا يقل شقيقهما وزير الدفاع الامير سلطان (08 سنة) عنهما (سلمان ونايف) دهاء فقد عين هو الاخر احد ابنائه في المكان الذي يمكنه من التحكم في امور كثيرة وإن كان سلطان في بعض الاحيان يجد نفسه كما تقول انتلجنس اون لاين على خط النار بين عبد الله الذي جمد كل العقود الرئيسية لمشتريات الاسلحة وبين نايف وسلمان. وتعتقد الاوساط السعودية ويشاطرها السديريون الرأي في ان اجراءات الاصلاح التي يمارسها عبد الله يمكن ان تضيق عليه ساحة المناورة وان تجرده من فرص اعتلاء العرش كولي عهد. وهناك من يرى ان تحالف سلمان ونايف ربما يستقصي سلطان ايضا من الواجهة بسبب صلاته الوثيقة بشكل او آخر مع الأميركان بشكل خاص من خلال نجله بندر السفير السعودي في واشنطن.



خارطة موازين القوة بشكلها الجديد في السعودية

لضمان استمرار هيمنة آل سعود على الحكم ومنافذ الثروة والعائدات والمصادر الاخرى، صممت طريقة الحكم في المملكة ليتوارث ابناء الملك عبد العزيز الحكم وان تقتصر الوظائف السيادية في الدولة على ابناء الاسرة فقط. ولم تفلح محاولات التجار والاسر السعودية الكبيرة الاخرى في اصلاح الخلل ومعالجة الفساد الناجم عن هذه المعادلة، خاصة وان السديريين وابناء الملك فيصل صمموا المناصب القيادية بمقاسات تكفل لهم وحدهم توليها. وقد ادرك امير الرياض سلمان بن عبد العزيز الذي يتولى دور الارتباط بين الحكم وبين المؤسسة الدينية، ان التحالف مع ابناء فيصل مهم جدا لثبات تفوق السديريين داخل الاسرة المالكة، في الوقت الذي يصور فيه سلمان آل سعود امام المؤسسة الدينية والعامة على انهم حماة الدين الاسلامي في مواجهة الهجمة الغربية المعادية للاسلام. وكان الملك فيصل الذي اغتيل عام 5791 هو الذي اسس منظمة المؤتمر الاسلامي وجعل من السعودية زعيمة للعالم الاسلامي مستفيدا من حجم العائدات النفطية. ويتولى سعود الفيصل احد ابناء الملك فيصل منذ عدة عقود الترويج للسياسة السعودية في العالمين العربي والاسلامي والتي تنصب على ان الرياض زعيمة الامة وان آل سعود حماة الاسلام.

المشاهد السياسي