السيد ضياء الموسوي:

تلك هي الحقيقة، الموت على صدر ورقة الكتابة أكثر اطمئنانًا للمثقف، على حد تعبير نزار قباني.
هكذا هي قصة الكثيرين ممن صارعوا من أجل قناعاتهم الفكرية.
لم يكن السيد المرجع محمد حسين فضل الله إلا واحدًا منهم.
رجل كان يحمل الثورة الفكرية ويهاجم الجنون بكل مستواياته.
رجل كان انقلابيًا ويحمل نكهة قلب الطاولات. رجل لا يريح ولا يستريح.
كان الإنسان وكان الفكر وكان الثورة الخيرية في ذات الوقت.
تعرض إلى كل وسائل القتل والإبادة بصورها المختلفة معنويًا وماديًا وفكريًا ورغم ذلك استطاع أن يتجاوز المحن وترك حياته وخاصرته مثخنة بالجراح والأمل.
في طريقه، عقدت أكثر من مشنقة ومشنقة إلا انه استطاع بقوته ان يحولها إلى أرجوحات للعب أطفال يتامى.
تلك هي قيمة القطار الذي نصنعه، أن نملأ أحشاءه بملايين المعذبين، في سبيل أن نصنع ابتسامة على قلب جريح أو وجع نابت في قلب محتاج.
السيد فضل الله خامة بشرية قلما تتكرر من حيث المضمون أو الفكر أو العمل.
لك أن تختلف معه، لكن ليس بوسعك إلا أن ترفع القبعة احترامًا لعطائه.
قيمة الإنسان ليس بالفكر فقط بل بالعمل أيضًا.
هل تعلمون عدد الأيتام الذين تتبناهم مؤسسات السيد؟
إنهم كثر.
هل تعرفون حجم المراكز الصحية والمكتبات الثقافية التي أسسها أو حجم المعاهد التي تعتني بذوي الاحتياجات الخاصة؟
إنها كثر وإن دلت إنما تدل على البعد الإنساني الذي يحمله الرجل.
لعل جمالية فضل الله تتركز أيضا أنه رجل دائم التحريض على الوحدة الإسلامية ولم يتورط بخطابات تقسم المجتمع.
كان رجلاً منفتحًا على المسجد وعلى الكنيسة بكل أبعادها.
أحيانًا يتحول الجمهور - بعد الشحن - إلى طنجرة بخار ضد أفكار السيد إلا أنه يقابل كل ذلك بابتسامة عريضة ويردد كلمته المعروفة، التي اقتبسها من برنادشو:
إنهم يقولون ماذا يقولون دعهم يقولون.
الفقه التصحيحي الذي قاده فضل الله سيكون قنديلا على بوابة التاريخ، يساهم في تبديد العتمة ويصنع مستقبلاً لكل طامح بالتغيير.
أيها السيد الجليل ستبقى قنديلا يضيء العتمة كلما هجم الظلام بأنيابه ضد هذا النور المشع.
ستبقى أنت أنت، الإنسان، بكل ما تحمله الكلمة في أحشائه من جمالية وقيمة.