عزلة العراق العربية
سلامة نعمات الحياة 2004/05/20

حرصت الحكومات العربية، منذ سقوط نظام صدام حسين منذ اكثر من عام، على عدم اعطاء شرعية لمجلس الحكم العراقي، بحجة ان العراق بلد محتل، وان مجلس الحكم ليس هيئة رسمية منتخبة من الشعب العراقي. وكأن الحكومات العربية، من المحيط الى الخليج، هي حكومات منتخبة وممثلة لشعوبها افضل تمثيل. ولم يزر بغداد، منذ سقوط صدام، زعيم عربي واحد، او حتى مسؤول على مستوى وزاري، ليشد من ازر العراقيين، ويدعم مطالبهم، فيما سعت العواصم العربية، لفظيا، الى إنهاء الاحتلال والاسراع في المرحلة الانتقالية، من دون توفير الحد الادنى من شروط تحقيق هذا الهدف النبيل. هكذا ساهم «الاشقاء» العرب، من حيث يدرون او لا يدرون، في استفحال الوضع في العراق، فتحالف سوء التخطيط الاميركي الكارثي مع اهداف انصار النظام البائد، والجماعات الداعمة له، ليزيد من صعوبة انجاح اي مشروع لتحقيق الاستقرار وانهاض العراق من محنته.

بدلا من التوجه الى بغداد، لإعطاء الشرعية للعراقيين، يتوجه الزعماء والمسؤولون العرب الى مربط خيلهم في واشنطن، والى العواصم الاوروبية، ليلتقوا المسؤولين فيها، بحجة دعم العراقيين الذين لم يكلفوا انفسهم عناء زيارتهم والتحدث معهم. هل حقا يريد الاشقاء العرب مساعدة العراقيين على انهاء الاحتلال واجراء انتخابات ديموقراطية ممثلة، وتحقيق السيادة والاستقلال؟ هل دان الزعماء العرب الارهاب الذي طاول المدنيين والشرطة العراقية واعضاء مجلس الحكم الانتقالي وكل من يعمل لإعادة اعمار العراق؟

يلتقي العرب في قمتهم في غضون ايام، ليبحثوا في الموقف من المسألة العراقية، بعدما استمعوا الى كل من هو معني بمستقبل العراق، باستثناء العراقيين طبعا. صحيح ان بعض الحكومات العربية تلطف وتكرم على مضض، واستقبل وزير الخارجية هوشيار زيباري، وكأنهم يستقبلون وزير الخارجية الاسرائيلي! والسؤال يبقى: لماذا لم يتوجه الامين العام للجامعة العربية الى بغداد، عشية انعقاد القمة، للقاء مجلس الحكم الانتقالي والقيادات والمرجعيات العراقية، تماما كما يلتقيهم الاخضر الابراهيمي، مبعوث الامم المتحدة؟

قد يوفر نقل بعض السلطة، وبعض السيادة، الى حكومة عراقية انتقالية، مع نهاية حزيران، فرصة، ربما تكون الاخيرة، لإظهار الاشقاء العرب حسن نياتهم تجاه العراقيين ومستقبل العراق. فالإصرار على ابقاء العراقيين في عزلتهم العربية الحالية هو دعوة لهم للارتماء في حضن الاميركيين من جهة، او الايرانيين من جهة اخرى، او تحت رحمة التنافس على النفوذ بينهما، فيما يوفر الارهابيون ظروف ابقاء بذورالفتنة قائمة لإشعال حرب اهلية.

ليس امام العرب خيار غير الانحياز الى جانب العراقيين او التحالف مع الارهاب، مع ما يعنيه كلا الخيارين من تداعيات. اما الكلام العربي عن شرعية تمثيل العراقيين لأنفسهم من عدمه، فهو كلام باطل يراد به باطل.