مشروعية قيام الاحزاب على اسس الانتماءات العرقية والدينية و...
الأسس التي تقوم عليها الأحزاب السياسية - ومشروعية قيام الأحزاب على أسس الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية واستشراف مستقبلها
كتابات - ضياء الشكرجي
قيام الأحزاب السياسية وكذلك الانتماء إليها يعتمد عادة على أسس تتخذ موقع الأولوية عند المؤسسين والمنتمين والمؤيدين، وتمثل هذه الأسس المشتركات الأساسية. من هذه الأسس نجد ما يلي:
1.أساس الإيديولوجية السياسية.
2.أساس الإيديولوجية الفلسفية أو الدينية.
3.أساس البرنامج السياسي.
4.أساس الانتماء إلى الدين.
5.أساس الانتماء إلى المذهب.
6.أساس الانتماء إلى القومية.
7.أساس الانتماء إلى العشيرة أو المنطقة.
ومن هذه الأسس ما يمكن اعتباره مقبولا حاليا ومستقبلا، ومنها ما هو مقبول حاليا، مرفوض أو أقل مقبولية مستقبلا. مقبوليته الراهنة نابعة من نظرة واقعية للحالات الطارئة والاستثنائية التي تظافرت مجموعة ظروف أدت إلى اعتماد هذه الأسس. ولكن بما أن هذه الحالات والظروف طارئة واستثنائية، فلا بد إذن من أن يكون هناك طموح بزوالها مستقبلا، وبالتالي إذا ما زالت لن تعود هناك حاجة حقيقية لوجود أحزاب قائمة على تلك الأسس، أو لوجود مبررات للإبقاء على تلك الأحزاب على تلك الأسس، في حال بقاء مبررات لوجود الأحزاب نفسها، من خلال تبلور خصوصيات أخرى لها غير الأسس التي وضعتها لنفسها في مرحلة التأسيس والتي ما زالت قائمة إلى يومنا هذا. وعندما أقول عن بعض الظروف والمبررات أنها طارئة واستثنائية، فلا يمنع طول وجودها زمنيا من وصفها بالطارئة والاستثنائية، لأن الأسباب التي أدت إلى ظهور تلك الظروف والمبررات لا يمكن القول عنها أنها تنطلق من مبادئ وأسس الصحيحة.
وهنا أحاول تناول جميع الأسس أعلاه لاستيضاح مبررات تلك الأسس، ولاستشراف مستقبل الأحزاب القائمة عليها، على أقل تقدير من حيث الطموح ومن حيث المبدأ، دون دعوى تنبؤ تحقق زوال أو بقاء ما ترى هذه المقالة زواله أو بقاءه.
1.أساس الإيديولوجية السياسية:
وأعني بالإيديولوجية السياسية أن يكون الحزب ليبراليا محافظا، أو يساريا، أو قوميا. فالإيديولوجيات السياسية لا بد لها من أن تبقى، بل أن تأخذ موقعها المهم، باعتبارها تمثل رؤية واضحة وقناعة راسخة لكيفية التعاطي مع القضية السياسية. ولكن يمكنني أن أستثني إيديولوجية سياسية من هذه الثلاث التي لم أذكرها على سبيل الحصر، في إمكانية بقائها، وهي الإيديديولوجية القومية. لأن القومية كإيديولوجية سياسية لا تبتعد عن ملامسة الرؤى الشوفينية والعنصرية بدرجة أو أخرى، إلا إذا ما قامت هذه الإيديولوجية على أساس ردة الفعل الدفاعية، عندما تكون هناك قومية حصل لأبنائها الكثير من الحيف وغمط الحقوق والتهميش والاضطهاد القومي، كما حصل للأكراد في العراق وبعض الأقليات القومية الأخرى كالتركمان وغيرهم. ولكن مع زوال الحالة الطارئة المرفوضة، وتساوى جميع المواطنين في الحقوق، وفي حال لم تعد حقوق قومية أو مذهبية أو دينية أو مناطقية إلا وهي محفوظة ومصونة ومحترمة ومراعاة على قدر المساواة مع بقية القوميات والمذاهب والأديان والمناطق، تزول مبررات قيام أحزاب على هذه الأسس ولا سيما الأساس القومي هنا. وإذا كان للأكراد مبررات حسبما ما مروا به من ظروف اضطهاد وواقع راهن لم يصلوا فيه بعد إلى شاطئ الأمان والاطمئنان الكلي على حقوقهم القومية لقيام أحزابهم على الأساس القومي، فتبقى مبررات وجود إيديولوجية قومية عربية موضع استفهام وشك بل واتهام، لأن الفكر القومي العربي كان هو المسؤول غالبا عن كل ما مر في العراق من محن، لا سيما منذ عام 1963. هذا لا يعني أني أدعو إلى منع مثل هذه الأحزاب مستقبلا ولو من خلال مبرر دستوري وبآليات ديمقراطية، حيث أن المنع اللادستوري والقمعي يجب أن يكون مرفوضا اليوم وغدا، وبعدَ ما بعدَ بعدِ غد، بل لا بد من الإبقاء على حرية تأسيس الأحزاب على أي أساس كان، ما زالت تبتعد عن التطرف والغلو والتعصب والعنف والإرهاب، وإلى مخالفة أسس الدستور التي سيقرها الشعب بأكثريته تأسيسا وتعديلا. وأساس الإيديولوجية القومية هو غير أساس الانتماء القومي كما سيأتي.
2.أساس الإيديولوجية الفلسفية أو الدينية:
هنا أقصد بالإيديولوجية الرؤية الكونية القائمة على أسس فلسفية مادية وضعية كانت أم دينية. ولعل أشهر إيديولوجيتين ما زالتا قائمتين بدرجة أو أخرى، هي الإيديولوجية الإسلامية كرؤية كونية دينية، والإيديولوجية الماركسية كرؤية كونية مادية. ولعلنا نستطيع أن نقول أن الشيوعيين بدؤا يبتعدون عن كونهم أصحاب إيديولوجية فلسفية بقدر ما هم أصحاب إيديولوجية سياسية. ويبقى الإسلاميون وحدهم على مدى المستقبل ممن سيقيمون أحزابهم على هذا الأساس. والفلسفة تمثل فكرا وقناعة يجب احترامها دينية كانت أو مادية أو لنقل وضعية أو بشرية، ولكن بشرط الابتعاد عن الغلو والتطرف وثقافة العنف، حتى لو كان على مستوى عنف الكلمة وعنف الفكرة، إذا ما ضمن دستور ديمقراطي منع تحول العنف في الفكرة إلى عنف في الموقف، لأن العنف في الفكرة يبقى هو الرحم الذي تولد منه حالات العنف بالموقف والأداء، وهذا العنف إذا ما تصاعدت وتيرته يتحول إلى إرهاب، لا بد أن يخلو المستقبل منه.
3.أساس البرنامج السياسي:
أي البرنامج السياسي القائم على ضوء المشكلات القائمة ورؤية الحزب في كيفية حلها. فربما يمكن تصور مجموعة من أصحاب الاهتمام بالقضية الاجتماعية والذين يحملون همومها، يتبانون على برنامج سياسي لحل مشكلات المجتمع بعيدا عن تبني إيديولوجية ما. ولكن في تصوري هذا سيكون من الناحية الواقعية مستبعدا، لأن مثل هذا الحزب لا بد أنه سيتميز عن غيره بتشكيله رؤى سياسية تتحول مع الوقت إلم يكن ذلك منذ البداية إلى منظومة أفكار ورؤى سياسية يمكن أن نسميها في النهاية بالإيديولوجية السياسية لذلك الحزب، دون أن تصل إلى مرتبة الإيديولوجية الفلسفية.
4.أساس الانتماء إلى الدين:
أن يكون مجرد الانتماء إلى مجموعة دينية أساسا يعتمد في تأسيس حزب ما، دون النظر إلى الإيديولوجية الفلسفية أو السياسية، كأن نجد حزبا للشيوعيين المسيحيين في العراق وآخر للشيوعيين المسلمين، وهكذا لعموم اليساريين أو الليبراليين أو القوميين، كأن يكون هناك حزب لقوميين عرب مسلمين وآخر للمسيحيين أو الصابئة، وهكذا بالنسبة للقوميين الأكراد والقوميين التركمان، فهذا أمر من حيث المبدأ غير مقبول، إلا إذا كانت هناك مبررات طارئة واستثنائية كردة فعل مقابل فعل تهميشي – ناهيك عن الفعل القمعي -. ولكن يفترض أن تزول هذه الحالة بزوال الوضع الطارئ. بالنسبة لما هو الحال لواقعنا السياسي والاجتماعي الراهن قد تكون هناك مبررات لتأسيس حزب قائم على أساس الانتماء الاجتماعي لا الإيديولوجي للإسلام أو المسيحية أو ديانة الصابئة أو غيرها، ولكن من المفروض أن يخلو المستقبل الذي نطمح له من هذه الظواهر. نعم يمكن قبول قيام حزب على أساس انتماء إلى دين، ولكن لا على نحو الانتماء الاجتماعي، بل من خلال بلورة منظومة فكرية وقيمية مستمدة من ذلك الدين ولو على ضوء فهم المؤسسين والمنتمين للحزب، كحزب مسيحي مثلا، وإن كنا لا نرى أرضية وأقفا لمثل هذا التاسيس، ولكن لا بد من تثبيت أنه من حيث المبدأ غير مرفوض قيام مثل هذه الأحزاب، إذا ما وجدت أرضية وآفاق ومبررات التأسيس ولو مستقبلا.
5.أساس الانتماء إلى المذهب:
ما قيل عن الانتماء الاجتماعي للدين يصح قوله عن الانتماء للمذهب. وقد لا نجد هذه الظاهرة في الأحزاب العلمانية، بوجود حزب شيوعي سني وآخر شيعي، وإن كان الشيوعيون السنة أقل عادة من الشيوعيين الشيعة والقوميون الشيعة أقل من القوميين السنة، ولكن إذا جردنا الأحزاب من الإيديولوجيات السياسية التي تميل إلى اليسار أو اليمين، وأخذنا الحالة الليبرالية أو اللامؤدلجة حتى سياسيا، يمكن أن نرى حزبا مذهبيا، ربما يكون طائفيا أو لا يكون كذلك، أو ربما تكون مذهبيته حتى لو لم تكن منطوقة أو معلنة، بل تمثل واقع حال، نابعة إما عن رد فعل دفاعي على نحو حماية الطائفة من تجدد القمع والإقصاء والتهميش، وإما نابعة عن فعل أو مواصلة فعل حفاظا على نفوذ وهيمنة للطائفة سابقين. وإذا كانت المذهبية من حيث الانتماء الاجتماعي مقبولة في تأسيس الأحزاب كردة فعل، فهي بلا شك مرفوضة كفعل، لأن الحالة الثانية تمثل الطائفية التي لا بد أن تنتهي في العراق إلى غير رجعة. وللتوضيح أقصد بالانتماء إلى المذهب اجتماعيا، أي مجرد شعور الانتماء إلى السنة أو إلى الشيعة، بقطع النظر عن إسلامية او علمانية الشخص، وبقطع النظر عن تدينه أو عدم تدينه، وبالتالي ربما بغض النظر عن حقيقة إيمانه بالإسلام أصلا أو عدم إيمانه الحقيقي أو المتجذر به، فالانتماء هنا يشبه الانتماء إلى القومية أو إلى العشيرة. فهذ النوع من الانتماء لا ينبغي في حقيقة الأمر ومن حيث المبدأ وبعيدا عن الظروف الطارئة المتكونة من تراكمات التجربة التاريخية الحديثة بل والقديمة، أن يكون انتماءً مقبولا كأساس لتأسيس حزب أو الانتماء إلى حزب. لا نريد أن نستغرق بالمثاليات بعيدا عن الواقع، ولكننا نطمح إلى زوال البعد المذهبي كانتماء اجتماعي بحت من القضية السياسية في المستقبل، وبعد زوال أسباب بعض حالات انعدام الثقة وبعض حالات الحساسية ولو بنسبة ما، وهذا نفسه يقال عن الانتماء القومي الذي مر ذكره. فحتى الأحزاب الإسلامية، فلا معنى من حيث المبدأ أن يكون هناك حزب إسلامي سني، وحزب إسلامي شيعي. لأن القضايا السياسية أو الإيديولوجية السياسية فيما هي التفاصيل لا تقوم على أساس الرجوع إلى فقه أبي حنيفة أو فقه الشافعي أو المالكي أو الحنبلي، أو إلى فقه الخوئي والسيستاني والصدر. بل الاختلاف في وجهات النظر المقبولة التي يمكن أن تبرر للتعددية الحزبية للإسلاميين، هي ما تقوم على بعض الأفكار التي لا علاقة لها بالمذهبية، كمدى الاعتدال، مدى العقلانية، مدى القناعة بالديمقراطية، مدى تبني العدالة الاجتماعية، مدى الأصالة، مدى المعاصرة، مدى الانفتاح على العلمانيين وغير المسلمين، مدى الارتباط بالمرجعية الدينية، وكذلك في الآليات كتبني قيادة الفرد أو القيادة الجماعية، وإلى غير ذلك.
6.أساس الانتماء إلى القومية:
تارة هناك حالة طارئة تستوجب تأسيس أحزاب تريد أن تحمي حقوق قومية معينة، ولكن نجد أحيانا أن الأحزاب ذات الإيديولوجية السياسية، تضطر بحكم الأجواء الضاغطة إلى تبني تأسيس أحزاب قومية، فنجد هناك حزبا شيوعيا كرديا، بالرغم من أممية الشيوعية وعدم اعتمادها الفكر القومي، ونفس الشي يقال عن الإسلام الذي لا يقوم على أساس قومي، بينما نجد أحزابا إسلامية سنية كردية، وأحزابا أخرى إسلامية شيعية كردية. ونفس الشيء يقال عن الأحزاب المماثلة التركمانية. أرجع وأقول وجود هذه الأحزاب في مراحل الصراع السياسي السابقة وفي الفترة الراهنة له مبرراته المعقولة والمقبولة، بل لعل بعض هذا التأسيس جاء كضرورة ملحة. ولكن لو افترضنا تحقيق الطموح في إزالة المبررات الطارئة والاستثنائية، لما وجدنا مبررات لحزب شيوعي، أو يساري وسط، أو ليبرالي، أو إسلامي يقوم على أساس الانتماء للقومية العربية أو الكردية أو التركمانية. فطموحنا أن نرى المستقبل خاليا من هذه الظواهر، بحيث ينتمي الإسلامي للحزب الإسلامي الذي يقتنع بأفكاره وطريقة أدائه وبرنامجه السياسي، لا لعربيته أو كرديته أو تركمانيته، وهكذا بالنسبة للشيوعي أو الاشتراكي أو الليبرالي، أن يكون الانتماء وقبله التأسيس قائما على أسس الإيديولوجية الفلسفية أو السياسية وعلى أسس الأفكار والمفاهيم وطريقة الأداء والحلول المتبناة للمشاكل الاجتماعية والنظرة إلى القضايا المختلفة لا على الأساس القومي.
7.أساس الانتماء إلى العشيرة أو المنطقة:
ما قيل عن القومية والمذهب ينطبق انطباقا أولويا وبرجة أشد على قضية الانتماء إلى العشيرة والقبيلة أو المنطقة. فمن غير المعقول أن نجد حزبين ينتميان إلى قومية واحدة وعلى الأعم الأغلب إلى دين واحد ومذهب واحد، وإلى إيديولوجية سياسية واحدة، تقوم ثنائيتهما فقط فقط على أساس الانتماء للعشيرة والمنطقة والأسرة والزعامة الشخصية.
نعم ونحن نعيش الواقع ونحاول أن نضع الحلول الناجعة للمشاكل الراهنة، لا بد لنا من استشراف المستقبل، والتخطيط للمستقبل، والتنظير والتأسيس الثقافي لهذا المستقبل، فممكنات وعقبات الواقع وظروفه الطارئة والاستثنائية لا ينبغي أن تحول دون التأسيس - الثقافي ابتداءً - لطموحات وتطلعات المستقبل.
shakarchidia@web.de
22/10/2004 بغداد
------------------------------------------
منقول عن كتابات
فـــــؤاد
********
"القدس...
اولى القبلتين...
و ثالث الحرمين...
تستصرخ المسلمين..."