 |
-
بين الجنة والنار اين العراق ؟
محطة الى كارثة؟
حازم صاغيّة الحياة 2004/10/26
اذا كان الاقتراع في العراق ارتكاباً للمعصية عند السني، وعدمه دخولاً في جهنم عند الشيعي، كنا أمام معضلة هيولية. ذاك ان الذين راهنوا على الديموقراطية بوصفها توسيعاً للحيّز الزمني في حياة المواطنين، لا بد أن يخيب رهانهم وهم يرون هذا التديين المطلق، والصراعي ايضاً، للعملية الديموقراطية. اما النظرية القائلة بأن وظيفة الانتخابات، بوصفها إحدى آليات الديموقراطية، نقل النزاعات من الشارع والعنف الى السياسة والمؤسسات، فيُفجعهم الانقلاب الكامل لهذه المعادلة البديهية في العلوم السياسية.
ولقائل ان يقول (والقائل قد يكون «محافظاً جديداً» في اليمين، كما قد يكون من الباحثين عن أعذار لـ«العالم الثالث» في اليسار) ان المجتمع العراقي يعبّر عن نفسه بالدين، إلا أن جوهر ما يفعله، في آخر المطاف، سياسي. وجوهر كهذا لا بد ان يفضي به، أقلّه عند متفائلي اليمين، الى... الديموقراطية. لكن المنطق هذا إذ يسهو عن أهمية «التعبير» و«الشكل»، وهما ما لا يوجد مضمون من دونهما، يتناسى ان الشكل المذكور كفيل بتحطيم العراق نفسه، فضلاً عن تحطيم الديموقراطية، أو احتمالها.
فأن يُقبل الشيعي، بهذه الحماسة الدينية، على الاقتراع، وأن يُدبر السني عنه، بحماسة دينية مماثلة، فالمعنى ان الوظيفة التي عُيّنت للسياسة في العراق وظيفة نزاعية بامتياز. وبالمعنى هذا يمكن القول، بكثير من المرارة والأسى، إن جرائم من نوع مجزرة بعقوبة لن تكون مجرد تمهيد لسياسة قائمة على الحماستين، بل هي ستلازمها الى ما لا نهاية.
وكل من الحماستين هاتين تلعب دورها بكفاءة في هذه الوجهة. ففي طرف يتم استنفار سلاح العدد والهجس بدولة وسلطة تخضعان لهيمنة أكثرية مطلقة. وفي طرف آخر يتم استنفار سلاح الاحتجاب فيُصار الى إنقاض التمثيل المجتمعي وإضعاف شرعية المؤسسات، ومن ثم تعزيز أسباب العنف في «الشارع» ومدّها بما تتغذى عليه.
والمبالغة في التوكيد الشيعي خطيرة على العراق خطورة المبالغة في الاحتجاب السني. ذاك ان البلد الذي يدين نصف سكانه تقريباً بمذهب غير شيعي ليس كإيران التي تشكل الشيعية غالبيتها الساحقة. وسوف يكون مآل النزعة التوكيدية تصدع الوطن العراقي إن لم يكن اليوم فغداً، وإن لم يكن بالفعل فبالكمون والنيّات الضامرة. وهي مبالغة تكمّلها وتسهّلها المبالغة الأخرى بوصفها استقالة طوعية من الوطن وبنائه لا يستطيع «الحزب الإسلامي» وبضعة أعيان التعويض عنها، كما لا يخفف منها تشبيهٌ في غير محله بين امتناع سنّة العراق ومقاطعة الصرب في كوسوفو لانتخاباتهم.
وقصارى القول أن هاتين الحماستين ليستا محطة انتقالية في الطريق الى الديموقراطية (أو الى «المقاومة الوطنية الجامعة» عند البعض الآخر ممن يعيشون على كوكب آخر). إنهما اعلان لأمر خطير جداً نتواطأ على أن لا نراه، أو أن نردّه الى «الغرب» و«المستشرقين»، مفاده أن السياسة لا تزال، في مجتمعاتنا، أضعف بما لا يقاس من الدين مصحوباً بالنظام القرابي. وهذا اذا ما فاقمه نظام صدام حسين وبعض السياسات الاميركية، ابتداء بالحصار وانتهاء بالاحتلال، بقي ان المشكلة أبعد وأعقد. فعند الامتحان، لا تملك جعبتنا الا هذين السلاحين، بهما نستنهض الجماعات، وبهما نعدّها بالغد، وبهما نحول، ولو بنصال السكاكين، من دون أي غد ممكن.
تاريخ العراق.. المكرر
أحمد الربعي
يبدو ان التاريخ سيكرر نفسه في العراق، ولكن بطريقة عكسية. فلدينا اليوم موقفان متناقضان، أولهما موقف المرجعيات الشيعية من الانتخابات المقبلة وموقفهم الايجابي مع الحكومة المؤقتة، يقابله موقف سلبي ضد المشاركة في الانتخابات وبعضه داعم للعنف تمثله مراجع سنية كثيرة.
وصل الحال في المرجعيات الشيعية الى درجة الاندفاع تجاه الانتخابات بحماسة شديدة، فالشيخ اليعقوبي يربط بين الفروض الدينية للمسلم وبين ممارسة الانتخاب، والسيد السيستاني يستخدم لغة صارمة تصل الى درجة القول على لسان احد مساعديه بأن من لا يشارك في الانتخابات «سيدخل جهنم».
ووصل الحال في عدد من المرجعيات السنية الى درجة الاندفاع ضد الانتخابات ووصف الحكومة العراقية المؤقتة بالعمالة، بل ان بعض القيادات السنية متورطة مع جماعات العنف السياسي.
لو عدنا الى الوراء، وتحديدا بعد تشكيل حكومة العشرينات في العراق، كان هناك موقف سلبي واضح من التعاون مع الحكومة لدى قادة الشيعة ووصل الى درجة حرمان قطاع واسع من الشيعة من المشاركة في الحياة السياسية العراقية ودفع شيعة العراق ثمنا سياسيا كبيرا لذلك الموقف السلبي.
أما الآن فان الصورة تبدو معاكسة، فالقادة الدينيون السنة يرفضون دخول الحياة السياسية ويعيدون ما كرره القادة الشيعة في الأربعينات، وهو ما يمكن ان يؤدي الى حالة جديدة من الاصطفاف السياسي، وربما يؤدي الى الإخلال بالتوازن السياسي والاجتماعي المطلوب. وصحيح ان القاعدة الشعبية للزعامات السنية الدينية ضعيفة، ولكن موقف مناطق سنية كاملة من الانتخابات قد يؤدي الى مقاطعة هذه الانتخابات قناعة او خوفا من البطش. وفي الحالتين فان الخاسر الأكبر هو العراق الذي يجب ان يمثل بكل ألوان طيفه السياسي والاجتماعي.
بعض رجال الدين السنة في ما يسمى بالمثلث السني يتصرفون دون شعور لتلك المناطق عبر تشجيع العنف، لكن الأمل ما زال قائما في صحوة متأخرة لهؤلاء للتفكير من جديد بمستقبل أهلهم ووطنهم.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |