قمة السيستاني والجعفري وخطوط الطول والعرض
في الطريق الى النجف الاشرف كان الجعفري يتأمل امتداد بساتين النخيل وغزارتها .. وكذلك امتداد الصحراء ويحاول ان ينّقل عينيه منهما الى التواءات الشوارع وكيف تلتف على المدن وتخترق القرى ليقام على جانبيها اسواق بسيطة ولكنها توحي بالامكانية على جذب المارين على تلك الطرق ولو لشرب قدح شاي او زجاجة عصير ..
اما الانهار هذا (اللهو) الجميل الذي يتلوى بين الضفتين راحلا الى جنوب الوطن يحمل معه قصة القدم في الزمان وحكاية المرور النافذ الى البحر بعد ان تغرف منه شرايين البرتقال ما تتقوى به على ان تحمل قناديلها الصفراء في رقصات غير مفتعله.
كان الجعفري يرسم كل خطوط الطول والعرض العراقية اولاً ثم يلاحق بنظراته الخاطفة امتداداتها المرسومة على الرمل قبل ان تهب عليها رياح الصحارى لتخفيها او تبعثرها بلا انتظام .. جمع كل هذا في ذاكرة ملتهبة لم يزدها الزمن الا اشتعالا فراحت تعينه على مراجعة شريط الايام ودفاتر المدن القديمة والحديثة.
ووصل الى النجف الاشرف وهو يتحسس بملامح وجهه الشارع والرصيف والدور القديمة التي خرجت لتوها من ناظور القنّاص وقصة الرعب الكريهه .. والوجوه المتعبة التي غادرت ليلها لتستقبل صباحها بابتسامة بدات نصف متعبه.
كل شي في النجف الاشرف يشد الزائر اليها في هذه الايام فهي رغم كل الذي مر لازالت تجيد اختيار كلمات الفتوى ومفردات الاحكام والاستمتاع بقوافي المتنبي والمعري المتسابقة في ازقتها القديمة…
وضع الجعفري حقيبته السياسية بما تحمل من روى وقصاصات وافكار وحكايات وجرّد مشرطه ـ كطبيب ـ ليمرره بين كل هذا الركام من الاحداث والتصورات والاخاديد ـ ليصل وليقطع وليضيف في متابعة دقيقة ـ مشهد الوطن ـ ليبدو اكثر عافية ومحبة …
كان السيد السيستاني ـ والعهدة على الراوي ـ ينصت بإنتباه كعادة العلماء الى هذا القادم من بغداد ـ طبيب ـ وحركي اسلامي ـ ومسؤول حكومي ـ وصاحب رأي .. استطاع ان يمزج هذه الرباعية لينتج مزيجا عراقي الهوى واليد واللسان.
ثم لف اللقاء صمت مذهل .. بعدها عاد الطرفان من جديد ينقبان عن الحل تحت ضوء هادئ يصر على الدليل دائما بسطره وصفحته وعنوان كتابه .. وبدأت القلوب التي تعافت أكثر اصرارا على ان تلف الجميع نعمة العافية واثواب السلامة ..
وهكذا مرت الساعات الثلاث القصيرة على المتحاورين الطويلة على المنتظرين امام الابواب من اعلاميين ومراجعين ليخرج بعدها الجعفري بابتسامته المعهوده ليعلن البداية الجدية لماراثون الانتخابات العراقية المتوشحة بنصائح المرجعية الابوية التي تريد ان يحضر الشعب العراقي كله الى ساحات السباق دون تغييب لأحد في الداخل والخارج وليقصّر المسافة بين بغداد والنجف على الطريق السريع في علاقة واعية..
وفي زقاق السيد السيستاني اعترضت " الجعفري " عجوز الحّت على الحديث معه بهمس وقور استطاع احد الصحفيين ان يلتقط كلمات منه ( الله يبيّض وجهك ..)
عباس الجبوري
http://iraqshabab.com/entekh/1.htm