 |
-
ثلاث قصص من الناصرية
ثلاث قصص
كاظم الشاهري
العباية
هذه ( العباية ) كانت ( صوغة ) قدمتها الحاجة فخرية لزوجة شنيشل بعد قدومها من الحج والحاجة فخرية تقول انها اشترتها من تاجر بحريني وعلامة ( العبايه انكريزية ) وزوجة شنيشل لاترتديها الا في المناسبات المهمة وكانت قد ( زورتها ) في النجف الامام علي ( باب الحوايج ) وفي كربلاء ( ابو الشهداء الامام الحسين وابو الفضل العباس ابو راس الحار ) وفي بغداد زارت ( العباية ) موسى الكاظم ( ابو الجوادين ) ونامت ليلة في صحن ( سبع الدجيل ) بعد ان زارت ( الحسن العسكري وسرداب الحجة ) ومرت العباية ايضا على خطوة ( المنصور ابو الحسن في الناصرية وام العباس في سوق الشيوخ ) .
وكانت ( ام سمرة ) زوجة شنيشل تضع العباية بعد الزيارات في كيس ( نايلون ) وكانت ( تبخرها ببخور اهل البيت وتضع ايصا " حرمل وهيل " وترشها بماء الورد . وتضعها في الخانة الوسط من الكنتور وكان الكنتور ( ابو ثلث طلاليك ) *
وكانت كل يوم تعد الغداء لزوجها شنيشل . ترتدي عباية عادية وتحمل ( الصفرطاس ) الى شارع ( النيل ) حيث دكان زوجها شنيشل هناك يعرض بضاعته على الرصيف وفي المحل ايضا من ( الخردوات ) وخردة شنيشل تجمع كل شئ من ( خردة السيارات وحتى " المقطاطات " ) .
وكانت ( تلبس العباية ) في اوقات خاصة جدا فلم تخذلها ( العباية ) لانها ( عباية مزورة ) في ( الخوطوبات ) الناس يقولون ( ام سمرة ) لم تخب عندها ( خطوبة ) وهي ترجع الفضل الى ( العباية )
وكان في شباط من عام 1991 والحرب قائمة بين صدام والعالم وكان في ايام تلك الحرب ان فقدت المدينة الماء والكهرباء والسيارات والقطارات والغذاء والمستشفيات وكانت المدينة لاتهتم بالرعد القادم من السماء ، رعد تخلفه مئات الطائرات ، لان الطائرات كانت تجوب سماء المدينة وكانت ( ام سمرة . زوجة شنيشل ) تقول صارت السماء ( خري مري ) ولم تكن تكترث لرعودها .
وكانت مهمومة ببنتها في ( الصوب ) الثاني من المدينة فاحضرت خبزا وتمرا وسكرا وصرته في قطعة قماش واخرجت عباءتها من ( الكنتور ) ووضعتها على رأ سها وكانت تشم فيها عطر( ال البيت ) وابحرت الى الجسر وكانت دعامات الجسر خضراء . بناه الزعيم عبدالكريم قاسم وسماه ( جسر النصر ) وكان مئات الناس يعبرون الجسر الى ضفتيه ورعد السماء لم ينقطع من الطائرات وكانت لاتعتقد مثلها مثل المئات الذين يجوبون الجسر بين غاد وقادم ان الرعد سوف يصل الى تراث الزعيم وكانت تعتقد ان الجسر تحميه روح الزعيم وانها محروسة بالعباءة المعطرة بعبق ( ال البيت ) .
وانها سوف تصل ( بالصرة ) الى ابنتها في الصوب الثاني تحمل خبزا وتمرا وسكرا .
والرعد اقترب وصار فوق قبة الجسر .
والجسر انقسم الى نصفين . نصف غار في النهر ونصف شهق الى السماء. وبقيت عباءة ( ام سمرة . زوجة شنيشل ) معلقة على الجانب الشاهق الى السماء . عباءة سوداء متلاصفة تخفق مع الريح . كل القادمين الى المدينة والخارجين منها يشاهدون ( العباءة ) وكانها علما اسود للزمن الذي ولدت فيه ( زوجة شنيشل ) .
* اكثر من باب او دور
بعد دخول الجيش الى مدينة الناصرية تم اعدام ( شنيشل بتهمة التعاون مع الانتفاضة ) وزوجته قتلت في قصف جسر الناصرية .
الرجل الاذاعة
كان يعمل معلما للصغار فطردته الحكومة خوفا على الصغار وخوفا على مستقبل البلاد فاشتغل اجيرا في محل ضيق لتصليح المعدات الكهربائية .
كانت نبرة صوته عالية وكانت الجمل تتناسل على شفتيه حينما يتحدث وكان الناس يستعذبون طريقة كلامه وكانت الحكومة مطمئنة لان خطره قد زال فلم يعد معلما للصغار كما كان .
مساء 1/3/1991 عاد كل شئ الى الناس ارواحهم مستقبلهم ارائهم بيوتهم اغانيهم قصائدهم وكانوا يحكمون انسفهم بانسفهم عاد الناس في ذلك المساء بشرا مثل كل البشر وكانوا من اجل ذلك يدافعون ( من كل قلوبهم ) للحفاظ على انجازهم الفريد وكانوا يدركون ان فرصة مثل هذه لاتتكرر كما يتكرر صوت ماكنة بل قد تاتي مرة واحدة في العمر وقد لاتاتي .
والناس في ازمان التحولات المفاجئة يتغيرون هم بدورهم بشكل مفاجئ تظهر عندهم رغبات وميول وشطحات لم يؤلفوها با نفسهم من قبل .
كانت الحرب وكان القتال قد دمرا المدينة وعطل اغلب مرافقها انتشرت الاوساخ في الطرق وفي الساحات انقطعت المياه والطاقة الكهربائية وكادت ان تكون الخدمات الصحية شبه منتهيه وكثرت السرقات . ولكن الناس بعد ان باتوا ليلة في احضان نصرهم الفريد . خرجوا في الصباح وتشكلت منهم على الفور ، فرق تنظف ساحات المدينة وطرقاتها وفرق اخرى تهتم بالمرضى وتعيد الحياة للمستشفيات واخرى تشرف على توزيع مادة ( النفط ) واخرى تحفظ الامن وتحمي الناس . وكان هو معلم الصغار اذاعة المدينة .
استولى ومجموعة من رفاقه على ( عربة اطفاء حريق ) وكانت العربة مزودة بمكبرات صوت على قمرتها الامامية وكان من خلالها يبث الاخبار وينقل تطورات الانتفاضة في بقية المدن فكان الناس يعرفون مايجري في مدينة العمارة واخبار الديوانية والبصرة وكيف تجري الامور في بغداد واين وصل تقدم البيشمركة الكورد وفي كل انحاء البلاد وكان يستعرض جرائم الفاشية وكان يعلق على الاخبار وكان ايضا يبث القرآن الكريم والمراثي الحسينية وقصائد الحماس والاناشيد ايضا .
لم يكن يستقر في مكان واحد كان يتنقل بعربة الاطفاء في احياء المدينة واريافها وقصباتها وكان طاقمه مكون من ثلاثة رجال سائق العربة واثنان يرافقانه يحملان اسلحة خفيفة وكان هو رابعهم .
كان بثه ينتهي مع اول خيوط الظلام وكان يبدأ مع اول خيوط الضياء في الصباح . وكان في الليل يؤدي واجب المناوبة مع احد المفارز المنتشرة حول المدينة او يخرج مع مجوعة من الناس في واجب قتالي يتعرضون فيه لقوات الجيش .
كان ينام قليلا وكان يغيير مكان منامه كل ليلة . وفي الصباح يأتي بنفس زيه الذي اعتاد عليه الناس مثلما اعتادوا على صوته ، ( دشداشة ) داكنة اللون و( قمصلة ) عسكرية وعلى رأسه كوفية منقطقة بالاحمر والابيض .
يوم 23/3/1991 اقترب الجيش من مدينة سوق الشيوخ بدأ بقصف المدينة بالمدفعية الثقيلة قصفا مبرحا وكانت تحوم المروحيات في السماء تطلق ماشاء لها من النيران وكانت تلك النيران قد قتلت خلقا كثيرا واحرقت مباني المدينة وبيوتها وكان قد انسحب اكثرالناس يبحثون عن ملاذ .
في ذلك اليوم ترك عربة الاطفاء ونصب رشاشته على مدخل المدينة وبقي يقاتل الفاشية بكل جبروت اسلحتها حتى قتل .
كان هذا هو محمد جواد كاظم السهر .
الافراج عن قلم الحاج داحس الشاهر
في الثاني من اذار عام 1991 حرر الناس مديرية الامن . وهناك عثرت على قلم جدي داحس الشاهر .
وجدته مع مرفقات اضبارة تحمل اسم زاجي عليان . وكان محفوظا في كيس من البلاستيك مع مسبحة سوداء طويلة ( 101 ) وتربة سجود واوراق مسودة بالقلم ذاته ، بقصائد ومراثي حسينية .
وبحثت في اروقة الامن علني اجد زاجي عليان حيا فلم اعثر عليه ولم يره ايضا الذين حرروا السجناء ايضا .
القلم
عرفت هذا القلم ( منذ ان وعيت على الدنيا ) .
كان جدي يرحمه الله يستخدمه مرة او مرتين في الشهر . يكتب به رسالة الى ( عمي عودة ) الذي كان جنديا في جبال البلاد .
’تحضِرَه جدتي من ( الكنتور ) وتقدمه الى جدي .
يجلس على ( التخت ) ويخط رسالته بحروف كبيرة وفي النهاية يبلّ رأس القلم بطرف لسانه ويوقع .
بعد ذلك يعيد القلم الى جدتي ، فتضعه في الكيس الورقي الاسمر ومعه ( موسى الحلاقة ) الذي كان جدي يستجدمة مبراة للقلم .
ومرة شاهدت جدي يبري القلم بخنجره لان ( الموس ) كان ( بايّد ) .
كانت جدتي تحرص اشد الحرص على القلم وكانت تخبأه في الرف العلوي من ( الكنتور ) اسفل صرة الملابس وكانت تقول هذا ( قلم قوبيّة ) .
وكانت عندما يطلب ( واحد ) من بيوت القرية القلم من اجل كتابة رسالة او مستند ، تأخذه هي بيدها الى ذلك البيت وتنتظر ريثما ينتهون وتأخذه منهم وتعيده الى مكانه في ( الكنتور ) .
وكانت تطلب من مستخدم القلم ان لايضغط بقوة على ( السلباية ) لانها ترى في ذلك طريقة تقصرمن عمر القلم .
مات جدي يرحمه الله وتوزع ميراثه بين بنية وبناته .
بستانه ومواشيه ، خنجرة وبندقيته ( فالته ) وشباك صيده عقاله وكوفيته ( الصاية ) عباءته ودلال قهوته ومضيفه وبقي القلم في مكانه في رف ( الكنتور ) العلوي تحت صرة الملابس .
في العاشر من محرم في يوم عاشوراء وهبت جدتي القلم الى زاجي عليان صاحب المراثي الحسينية يكتب به مراثيه ويترحم على جدي .
[blink]أللهمَ أحيينا حياةَ محمدٍ وألِ محمدٍ وأمتنا مماتهم[/blink]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |